اليوم اتذكر مذبحة هيبان الاولي في العام 1985م التي راح فيها نفر عزيز من خيرة شبان منطقة لم تسعفني الذكرة بسرد كل الاسماء فالشهيد امير فضل و صحابه الكرام هم ضحايا تلك المذبحة الوحشة .. اتذكر كيف تنادي جميع روابط ريفي هيبان بقبائله الخمسة متوحدين في امبدة مستنكرين شاجبين قتل اولادهم الابرياء بدم بارد … و اتذكر المواقف البطولية التي ابدوها حينذاك و رص صفوف ابناء ريفي هيبان و توحدهم … و ان نسيت فسوف لم و لن انسي دموع و نحيب اخي اسحاق كودي في ذلك الحشد الهيباني المشهد الفريد…. اتذكر روح التضامن و التماسك حيث تم توزيع منشورات الاستنكار و الادانة علي الصحف السودانية و كانت الصحافة و الايامى و الميدان .. كما تم لقص الملصقات في كل الاماكان الرئيسية في العاصمة المثلثة تدين و تستنكر مذبحة هيبان بأقوي الكلمات و العبارات .. و قد ظلت بعض تلك الملصقات علي غير مكان لعدة سنوات تعلن استنكار ذبح ابناء هيبان و اتذكر الفعاليات التي قامت من بعد ذلك و منها قيام و انطلاقةلا رابطة طلاب ريفي لاهيبان بالجامعات و المعاهد العليا و الدور العظيم الكبير الذي قامت به هذه الرابطة من رتق للنسيج الاجتماعي لكل أهل ريفي هيبان و ثأثيره و مواقفه الواضحة في شتي قضايا جبال النوبة و جنوب كردفان .. و اتذكر من الاسماء الخالدة وقتها المرحومين ايوب ابري كومي و اسماعيل كباشي كودي الكريمة الماجدة الشجاعة ماجدة كجو كنده و اخرين كثيرين يخذلني ذاكرتي الضعيفة عن ذكر اسمائهم المنحوتة فينا بمداد من نور و نار … تلك المواقف الشجاعة و الادوار البطولية المشهود كانت في منتصف ثمانينيات القرن الماضي .. وكانت صعوبة قنوات الاتصال تلفزيون السودان القومي واحد و راديو هنا ام درمان و ثلاث جرائد ذكرتها .. فما بالك اليوم و الفضاء الاسفيري الكبير مفتوح علي مصراعيه بين ايديكم و كل فرد فيكم هو جريده و تلفزيون وراديو … كل واحد فيكم سفير عالمي يصل و يتصل باركان الدنيا الاربعة في لحظة متي شاء او اراد … ما بالكم لا تستطيعون ان تقولوا كلمة حق او باطل بحق اطفالكم المذبوحين و لا بحق هيبانكم الجريح الملكوم او جبالكم المستباحة و هي تسبح في بحور من الدماء ظلماً و افتراءاً يبيدون أهلكم و يستبدلونهم مستخدمين ابناء جبال النوبة أداة فعالة لهذه الجرائم النكراء من الابادة الجماعية لأثنية النوبة و ممارسة سياية الارض المحروقة .. كل هذا علي أرض جبال النوبة و ابناء النوبة غافلين او مستغفلين … ويحي و ويحكم اننا نأكل بعض بأنفسنا اننا نكتب سفر هلاكنا بأيدينا اننا نبيد الحرث و النسل و نطهر الارض من بنيها و اولادها لاننا نساهم بصورة او بأخري سلباً او ايجاباً نساهم في قتل الاطفال و ذبحهم في المجازر اننا نصلب جبال النوبة علي جدران … اننا نرفع المشانق للاطفال عالية بين الارض و السماء نعلقهم عليها ليذبحهم الانتيوف في الصباح و يحرقهم الميج و السوخوي ف المساء .. نستبيح حياة أهلنا بالاسلحة الكيماوية ويحنا جميعاً لاننا سنهلك و سنباد عاجلاً او آجلاً .. لاننا ناكل بعضنا و نستبيح قتل أطفالنا و لا يكتب لنا الله لو بكلمة ادانة واحة يتيمة تشفع لهم في مذلتهم بحقنا و حقهم في الحياة و الوجود في وطن اسمه السودان … قصيدة نزار
الشاعر : نزار قبانى
مواطنون دونما وطن
مطاردون كالعصافير على خرائط الزمن
مسافرون دون أوراق ..وموتى دونما كفن
نحن بغايا العصر
كل حاكم يبيعنا ويقبض الثمن
نحن جوارى القصر
يرسلوننا من حجرة لحجرة
من قبضة لقبضة
من مالك لمالك
ومن وثن إلى وثن
نركض كالكلاب كل ليلة
من عدن لطنجة
ومن عدن الى طنجة
نبحث عن قبيلة تقبلنا
نبحث عن ستارة تسترنا
وعن سكن
…….
وحولنا أولادنا
احدودبت ظهورهم وشاخوا
وهم يفتشون في المعاجم القديمة
عن جنة نظيرة
عن كذبة كبيرة … كبيرة
تدعى الوطن
***************
مواطنون نحن فى مدائن البكاء
قهوتنا مصنوعة من دم كربلاء
حنطتنا معجونة بلحم كربلاء
طعامنا ..شرابنا
عاداتنا ..راياتنا
زهورنا ..قبورنا
جلودنا مختومة بختم كربلاء
لا أحد يعرفنا فى هذه الصحراء
لا نخلة.. ولا ناقة
لا وتد ..ولا حجر
لا هند ..لا عفراء
أوراقنا مريبة
أفكارنا غريبة
أسماؤنا لا تشبه الأسماء
فلا الذين يشربون النفط يعرفوننا
ولا الذين يشربون الدمع والشقاء
***
معتقلون داخل النص الذى يكتبه حكامنا
معتقلون داخل الدين كما فسره إمامنا
معتقلون داخل الحزن ..وأحلى ما بنا أحزاننا
مراقبون نحن فى المقهى ..وفى البيت
وفى أرحام أمهاتنا !!
حيث تلفتنا وجدنا المخبر السرى فى انتظارنا
يشرب من قهوتنا
ينام فى فراشنا
يعبث فى بريدنا
ينكش فى أوراقنا
يدخل فى أنوفنا
يخرج من سعالنا
لساننا ..مقطوع
ورأسنا ..مقطوع
وخبزنا مبلل بالخوف والدموع
إذا تظلمنا إلى حامى الحمى
قيل لنا : ممنـــوع
وإذا تضرعنا إلى رب السما
قيل لنا : ممنوع
وإن هتفنا .. يا رسول الله كن فى عوننا
يعطوننا تأشيرة من غير ما رجوع
وإن طلبنا قلماً لنكتب القصيدة الأخيرة
أو نكتب الوصية الأخيرة
قبيل أن نموت شنقاً
غيروا الموضوع
******************************
يا وطنى المصلوب فوق حائط الكراهية
يا كرة النار التى تسير نحو الهاوية
لا أحد من مضر .. أو من بنى ثقيف
أعطى لهذا الوطن الغارق بالنزيف
زجاجة من دمه
أو بوله الشريف
لا أحد على امتداد هذه العباءة المرقعة
**********
أهداك يوماً معطفاً أو قبعة
يا وطنى المكسور مثل عشبة الخريف
مقتلعون نحن كالأشجار من مكاننا
مهجرون من أمانينا وذكرياتنا
عيوننا تخاف من أصواتنا
حكامنا آلهة يجرى الدم الأزرق فى عروقهم
ونحن نسل الجارية
لا سادة الحجاز يعرفوننا .. ولا رعاع البادية
ولا أبو الطيب يستضيفنا .. ولا أبو العتاهية
إذا مضى طاغية
سلمنا لطاغية
*************************
مهاجرون نحن من مرافئ التعب
لا أحد يريدنا
من بحر بيروت إلى بحر العرب
لا الفاطميون … ولا القرامطة
ولا المماليك … ولا البرامكة
ولا الشياطين … ولا الملائكة
لا أحد يريدنا
لا أحد يقرؤنا
فى مدن الملح التى تذبح فى العام ملايين الكتب
لا أحد يقرؤنا
فى مدن صارت بها مباحث الدولة عرّاب الأدب
********************
مسافرون نحن فى سفينة الأحزان
قائدنا مرتزق
وشيخنا قرصان
مكومون داخل الأقفاص كال############ان
لا مرفأ يقبلنا
لا حانة تقبلنا
كل الجوازات التى نحملها
أصدرها الشيطان
كل الكتابات التى نكتبها
لا تعجب السلطان
*****************
مسافرون خارج الزمان والمكان
مسافرون ضيعوا نقودهم .. وضيعوا متاعهم !!
ضيعوا أبناءهم .. وضيعوا أسماءهم … وضيعوا إنتماءهم
وضيعوا الإحساس بالأمان
فلا بنو هاشم يعرفوننا .. ولا بنو قحطان
ولا بنو ربيعة .. ولا بنو شيبان
ولا بنو لينين يعرفوننا .. ولا بنو ريجان
يا وطني .. كل العصافير لها منازل
إلا العصافير التى تحترف الحرية
فهى تموت خارج الأوطان