تقرير : حسن اسحق
اقام دار رفيقي للطباعة والنشر بالتعاون مع المؤسسة الافريقية مساء الثلاثاء الثامن فبراير الماضي محاضرة عن جدلية المركز والهامش، بالتعاون مع المؤسسة الإفريقية حول “قراءة جديدة في دفاتر الصراع في السودان” من خلال ميكانيزمات الصراع في كتاب “جدلية المركز والهامش” مع الكاتب والمفكر ابكر ادم اسماعيل، وادار الجلسة الاستاذ تيكواج فيتر، اقيمت وسط البلد (محطة محمد نجيب) ٢٦ شارع الشريف باشا، عمارة ايموبيليا أعلى كوستا كافيه – بجوار البنك المركزي- الدور ١١ ( مقر المؤسسة الإفريقية)، افتتج ابكر حديثه في الندوة قائلا ، ظلت جدلية المركز والهامش لزمن طويل لقرابة الثلاثين عاما او اكثر، انه يعمل في مرحلة الشرح والتنقيح، والكتاب ظل صامد كل هذا الزمن الطويل، وبمرور كل يوم اصبح الاهتمام بالكتاب يزداد، هذا مؤشر لحاجة مهمة في تزايد اهتمام الناس بالقضايا التي يطرحها الكتاب، لان الواقع في العادة يطرح اسئلة جديدة، والشعوب لا تتعلم بمنطق الجدل، انما تتعلم بمنطق الاحداث والحركات الثورية وغيره، والسعي الي اكتشاف الواقع، وعندما لا يجدوا اجابة لاسئلتهم، يقرررون البحث مرة اخري، حتي يحصلوا الشئ الذين يطمئنهم، يقول ابكر ان السودان عبارة عن كيان تاريخي، في جدلية المركز والهامش ، الجديد في المنهج والسمة التي تناقشها الاطروحة في الجدلية.
المنهج فرضته طبيعة الواقع
يؤكد ابكر انه منهج يقوم علي القراءة الكلية، واقرب الي نظرية التعقيد التي تستوعب كافة الجوانب، بل ينظر الي الظاهرة ككل، وانه منهج تحليل ثقافي باعتبارها بنية تنظر الي كل الجوانب التي تعتبر كل واحد فيها جزء من الاخر، وهذا المنهج فرضته طبيعة الواقع الموضوعي في السودان، باعتبار انه واقع قائم علي التعدد، سواء كان الثقافي او الاثني او التاريخي او غيره من الاشياء، انطلقت من فرضية، وذهبت بها تتحقق في الواقع، والموضوع الاساسي هي لا تبحث في المفردات، بل جدلية المركز والهامش تبحث في الاشكالات الهيكلية، وتحديدا عدم المساواة الهيكلية، هذه هي السمة الاساسية، في عدم المساواة البنيوي بين الناس في السودان، ومن اين يأتي ذلك؟، يعتقد ان هذا هو الفارق بين الجدلية والقراءات الاخري، اذا لم يفهم الفارق بين الاشكالات الهيكلية والاشكالات الجزئية، عادة ما يكون هناك نوع من الخلط، وسوء الفهم، والكتابات الجديدة التي تنازع الناس في قناعاتهم المستقرة، يحدث اللغط، وخاصة في السودان المسألة هذه مفهومة، يتساءل، لماذا المشكلة في السودان ليس لها حل، والمشاكل تتكرر وتعيد انتاج نفسها، ان لم تكن بنفس الطريقة، تكون بطريقة اسوأ، في حقيقة الامر توجد مشكلة حقيقية، والاشكال الهيكلي ليس في بنية الدولة فقط، بل حتي في طريقة تفكير الناس، لوجود ايدولوجية سائدة هي طريقة او نموذج من الافكار المبررة لمصالح الناس مادية ومعنوية في حلبة الصراع الاجتماعي.
الحفاظ علي امتيازات الافراد
يضيف ابكر ان الافراد الذين لهم الامتيازات يحاولون الحفاظ علي استمرارية امتيازاتهم، عن طريق السيطرة علي طريقة تفكير الناس، ثم يصدروا لهم نموذج تفكير معين، كي لا يخرجوا من نموذج التفكير، ولا يقومون بفعل اخر يؤدي الي التغيير الجذري، لان التغيير الجذري في اي مكان في الدنيا، لابد ان يكون خصما علي اشياء قديمة قائمة، واذا تمت الاطاحة بفئة مسيطرة، حتما ستتضرر، اوضح ابكر الايدولوجيا اخطر ما فيها، انها تقوم باشياء ضد الناس، والخطير انها تقدم صورة جميلة قائمة علي افضل ما يكون، باعتبارها الافضل بالنسبة لهم، وعند الافصاح عن وجود مشكلة هيكلية، هذا يتصادم مع كل المؤسسات التي تصدر الايدولوجيا السائدة في البلد، واحدي اشكالية الايدولوجيا الناس الذي يقودون الثورات، هم انفسهم متشربين بالايدولوجيا بطريقة غير واعية، يساهموا في تمرير الايدولوجيا السائدة، ولا ينظرون الي جوهر النزاع، في حال ظهور المشكلة يجب البحث عن السبب الهيكلي، ويكون البحث في البيئة او المنهج، او اللغة او الفرد، البحث عن المشكلة في محلها ومعالجتها في محلها، اي مشكلة في الدنيا، اذا حاول الفرد فيها مرتين، لم يحصل خلالها علي نتيجة، يجب عليه تغير هذا الطريق، والمطروح في جدلية المركز والهامش، توجد مشكلة هيكلية في السودان، ويؤكد ان جدلية المركز والهامش في السودان وصلت الي نهايتها، وليس لديها الامكانية علي اعادة انتاج نفسها.
امتيازات حلبة الصراع
يوضح بمعني طريقة حل المشاكل بالمنهج الفردي استنفدت اغراضها، وكي يحصل حل في السودان، لابد ان يحصل التغيير الجذري الذي ينشده الدكتور ابكر ادم اسماعيل، وقد يكون ايجابي، وقد يكون سلبي، في رفضه، واستمرار الوضع علي ما هو عليه، يقطع جازما ان الراكوبة سوف تسقط علي رؤس الجميع، وتأجيل مجابهة المشاكل اثره يكون اكبر، وامكانية الحلول سوف تكون اكثر صعوبة، وهذه هي المشكلة التي يعاني منها السودان، والدولة السودانية القائمة علي جدلية المركز والهامش، جوهرها كيانات مختلفة ثقافيا ومتفاوتة تاريخيا في اطار واحد، فرض عليهم العيش مع بعض، هذا اعطي فرصة لجماعات خلقت امتيازات لنفسها في حلبة الصراع، هذا يعني ان هناك موانع هيكلية تمنع الاخرين من الوصول الي عملية الامتياز، يؤكد ابكر ان المشكلة تكمن في هذه الامتيازات، وبدأت تعييد انتاج نفسها بوسائل مختلفة، واهم شئ لديها ان تحافظ علي بنيتها بكافة الوسائل، ولذلك كلما تعييد انتاج نفسها، هي تعييد انتاج مشاكلها، هذا هو منطق الديالكتيك، بل وصلت الي مرحلة يستحيل ان تعييد انتاج نفسها مرة اخري، يطالب ابكر بازالتها، بعد وصولها الي هذه المرحلة الحرجة، عن طريق الثورة او المساومة التاريخية او الانهيار، يوضح ابكر ان هذه كلها احتمالات، يشرح ان طبيعة الصراع ولدت مستويين من الصراع في السودان،
دائما ما يحصل خلط بينهم، المتمثل في المستوي الفوقي والمستوي التحتي او البنية الفوقية والتحتية للصراع.
البنية الفوقية للصراع
يضيف ابكر ان البنية الفوقية للصراع في السودان، انه صراع المركز – المركز، عيال المركز يتصارعون فيما بينهم في كراسي السلطة، ولا يتنازلوا حول هيمنتهم علي بنية الدولة السودانية ككل، مشيرا الي الدائرة الشريرة، تدور في البنية الفوقية، اما الصراع الكبير في السودان هو صراع بنية ضد بنية، ليس صراع داخل البنية الواحدة، لسبب متعلق بتكوين السودان، لانه تم تاسيس الدولة بواسطة الاستعمار، والكتل التي تكونت داخل هذا الاطار، مختلفة ثقافيا ومتفاوتة تاريخيا، وعندما تم ادخالهم في الهرم، بعض الناس صعدوا الي الهرم بسبب الامتيازات التي اصبحت الموانع الهيكلية التي تمنع الاخرين، ولكن مع اعادة الانتاج والتطور، وبدا وعي الناس بهذه المسائل، تطورت من خلالها الحركات الاجتماعية عن طرق الانتقال من الريف الي المدن، وعبر التعليم في ذات الوقت، وعندما ارادوا التسلل الي سلم الهرم، اكتشفوا الموانع التي ادت الي النزاعات العميقة في السودان، وليست نزاع حزب فلان وعلان، وفي طبيعة الحال اغلب الكيانات المهمشة اثنيا وثقافيا كانت تعيش في مرحلة ما قبل الدولة، بالتالي موضوع الدولة لم يكن من اسألتهم، ولم يكتشفوا ذلك الا لاحقا، وهذا ما جعلهم يأتوا متاخرين، وعندما بدأوا بالسؤال، بطبيعة الحال تم تصنيفهم، بعد ذلك بدات قوي المهمشين تكبر، وتتطور من ناحية عددية ومادية بسبب الحراك وتطور المدن والاتصالات والتعليم، بدأوا يكتشفون واقعهم، مع تطور وعيهم السياسي، ثم دخلوا في الصراع.
اعادة انتاج الازمة
يقول ابكر في ذات الشأن وكان رد الفعل من الفئة المهيمنة فظيع، لذا ساعد في تازم الصراع، ودولة الريع العشائري في السودان قائمة علي مشروعية العنف، لان اساس الدولة استعماري، بالتالي ولدت عنفها المضاد علي المستوي المادي والرمزي فيما يحدث في السودان، وكل ما يمضي الي الامام الواقع يطرح اسئلة جديدة، بدخول فئات جديدة في حلبة الصراع، وتحمل اجندة خارج الاجندة التي يتجادل حولها اولاد المركز، في بينيتهم الفوقية للصراع، كلما يتقدم الي الامام المسألة تتطور، اضاف ابكر ان الصرع تطور، وصل الي هذه المرحلة، والافق المسدود بسبب القصور الحاصل، لان الثورة دائما يتم اجهاضها لسبب متعلق باصحاب الامتيازات، يستحيل ان يتنازلوا بهذه الامتيازات بالساهل، واصحاب المظالم التاريخية لم يصلوا الي مرحلة من القدرة علي بناء قوة، وكذلك الوعي الذي يمكن ن يزيلوا به هذه الوضعية، اصبح هناك نوع من التوازن السلبي، والعمل علي خلق تكتلات الضعاف، واوضح الفشل في خلق كتلة تاريخية لازالة هذه الوضعية، حسب جدلية المركز والهامش كي تحل المشكلة يجب ان يكون هناك تغير جذري، والتغير الجذري بوجود قوة تاريخية، وتساءل ابكر، اين هذه القوة؟، واحدي الاشكالات، في الاحلام التي يحلموها ورثة الامتيازات في الاستمرار في نفس الوضعية، وكلما وجدوا ضعفا في قوي الهامش، يستغلوها، ثم يعيدوا انتاج الازمة، هذا يقود الي مشكلة اكبر.
تشخيص المسائل بشكل افضل
ومن الجانب الاخر، يتمثل في عجز قوي الهامش، عدم الوصول الي بناء القدرة والقوة الاجتماعية التي يمكن ان تنجز الفعل التاريخي، يؤكد ان وضعية الدولة السودانية وصلت الي نهايتها، مهما تعمل لن تستطيع اعادة انتاج نفسها مرة اخري، يطالب ان يفتح الجميع ذهنهم، هناك العديد من الابواب لاعاة قراءة هذا الواقع، والجدلية احدي الابواب التي يمكن ان تساعد في ذلك، عليهم قراءة الواقع، وتشخيص المسائل بشكل افضل.