بقلم : حسن إبراهيم فضل
أقلام متحدة
ما زال الملايين من أبناء دارفور الذين شردوا وهجروا تحت قصف مدافع نظام الإبادة الجماعية والمليشيات المتحالفة وقذائف الانتنوف اللعينة ,ما زالوا متمسكون بحقهم في العودة الى ديارهم الاصلية باعتبارها حقاً اصيلاً لهم , وظلوا يتحينون كل فرصة تحين في الأفق لتحقيق تلك العودة وقد عقدوا امالاً عريضة على اتفاق السلام الذي وقع في جوبا في أكتوبر من العام 2020 ,باعتبار ان تنفيذ اتفاق السلام وتنزيله على الأرض تعتبر نقطة البداية نحو العودة الى الديار وإعادة ذكريات ومشاعر مختلطة ما بين الحزن على ما ضاع من تاريخ وارث ثقافي ومادي وما فقد من احباب نتيجة للمجازر الوحشية التي تعرض لها المدنيين العزل من قبل النظام البائد وميليشياته . وفي ذات الوقت هي مشاعر مفعمة بالحيوية وبالأمل نحو الغد ومستقبل وحياة امنة تعيد هؤلاء الى دورة الانتاج والمشاركة الفاعلة مع المجتمع في ربوع السودان.
غير ان كثير من المعطيات على الواقع يبدد امال تلك العودة في وقت قريب وذلك من خلال الاحداث المؤسفة التي تحدث هنا وهناك ومن خلال الاستهداف الممنهج للعائدين من قبل مليشيات مسلحة ,ترى في عودة هؤلاء خصما عليها ويهدد مصالحها ,ولعل الهجوم على العائدين من المعسكرات في منطقة طويلة وما تبعها من احداث يعيد الاذهان ما حدث في قرية حمادة في نوفمبر 2014 حيث قتل 15 شخصا من الدعاة وائمة المساجد بينهم امام وخطيب مسجد منواشي الكبير الشيخ ادم عبدالنبى وجرح نحو 21 اخرين في مجزرة بشعة نفذتها مليشيات مسلحة ,حين اطلقت وابل من النيران على عربة تقل وفدا من قرية منواشي كان قد ذهب ليطمئن على العائدين من النزوح الى القرية ,وهو سناريو لا ينفك عن سناريو الأرض المحروقة التي خطط لها النظام البائد والمتحالفين معه لا خلاء الأرض من أصحابها وإرهاب كل من يحاول العودة الى قريته اما بالقتل او نهب ممتلكاته ,وهي ذات الأحداث التي وقعت في أغسطس الجاري بمحلية طويلة حين هاجمت مليشيات قبلية قرى العودة وقتل العشرات ونزوح المئات منهم وما تبعه بعد ذلك من احداث التي حدثت بمنطقة كولقي حيث نصبت مليشيات قبلية مسلحة كمينا للقوة المشتركة التي انشأها والي ولاية شمال دارفور لحماية الموسم الزراعي ولحسم التفلتات التي حدثت في محلية طويلة.
لم تكن أحداث كولقي منعزلة بل هي احداث ببصمات واضحة ومعروفة الدوافع ,فالأيادي التي قتلت المدنيين العزل في معسكر كلمة في أغسطس من العام 2008 في جنوب شرق مدينة نيالا حاضرة ولاية جنوب دارفور ,هي ذات الايادي التي ارتكبت مجزرة حمادة في 2015 وطويلة 2021,وبالتالي من المهم جدا ان نصوب السهام بشكل دقيق وعادل ومنصف لهذه الاحداث ,بعيدا عن العواطف وتعقيدات المشهد المزري من الاصطفاف القبلي البغيض الذي جعل من البعض يتوارى خلفها من ان يقول الحقيقة.
ليست هناك قبيلة مسالمة تحمل أسلحة ثقيلة ومدفعية متقدمة ووسائل اتصال حديثة من ثريا وغيرها وتصوب تلك الأسلحة على قوة حكومية المنشأ في طريقها لحماية جميع سكان المنطقة دون تمييز.
يمكننا ان نسمي هؤلاء أي شيء الا ان نقول انهم مدنيين مسالمون, ما رأيناه يمثل جريمة كاملة الأركان مليشبات مسلحة تسليحيا متقدما ومزودة بوسائل اتصال متقدمة ومجهزة ولها مركز مراقبة متقدمة والا كيف لتلك المليشيات ان تترك تلك القوة التي مرت ولم تهاجمها الا تلك القوة التابعة لا طراف السلام ؟
الغريب والمضحك في الامر ان تلك المجموعة التي تدعي ان القوة هاجمتها في الفريق او الدامرة اعتقدت ان جميع الشعب السوداني بمستوى غبائه حيث ان أدوات نقل تلك العرب المصفحة التي تعرضت للغدر وسحبت من موقع الحدث الى حيث يدعى انه فريق ولم تسعف قريحة أي منهم ان يزيل تلك الأداة التي سحبن بها العربة ناهيك عن خلو المغدور بهم من أي اثار للدماء في الأرض التي سجيت فيها جثامينهم الطاهرة .
التزامنا الأخلاقي وموضوعية الكلمة يحتم علينا ان نسمي الأسماء بمسمياتها وان نمتثل قول المصطفى في هذا «وَأيْمُ اللهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» فجميع اهل دارفور هم سواء دمهم ومالهم حرام عليهم وفي ذات الوقت يجب ان نقول( للأعور اعور كما يقولون ) دارفور مجتمع متسامح ومتجانس عاش لقرون وارسى لقيم نبيلة في التعايش واليوم ابتلينا بالانقسام وبذور الفتنة التي زرعها النظام البائد واستغل خلالها ضعاف النفوس من بعض مكوناتنا وبالتالي محاربة هذا الداء واجب على كل فرد منا بعيدا عن التعميم والاتهام غير المؤسس على بينات , ندين الاحداث ونوجه السهام وجهتها الصحيحة وندعو السلطات الى ان تنظر بعين محايدة وعادلة وصولا لمجتمع متعايش ومتسامح وهذا لا يتأتى الا ان نخرج من نفق نحن وهم ,جميع مواطنينا متساوون في الحقوق والوجبات نعيش في وئام ننتصر لبعضنا البعض ونقبل بعضنا البعض ونلفظ أي متاجر بدماء الناس فالمجرم لا قبيلة لها , وواجب الإدارات الاهلية ان تلتزم قيمها الموروثة ,لا تتستر على مجرم و لو كان ذو قربى ,عندها فقط سنصل للمجتمع الذي نريد.
واجب الحكومة ان توفر سبل العودة من صحة وتعليم وقوات امنية مهنية ,وكل ما من شأنه ان تعزز وتؤسس لحياة مستقرة للعائدين.
عودة النازحين واللاجئين الى قراهم هو حق وليست منحة ستتحقق طال الزمن ام قصر لا تستطيع جهة مهما اوتيت من قوة ان تحيل دون ذلك الحق ,والتراب الدارفوري معروف ليست هناك شجرة ليست لها عنوان وجهة تثبت ملكيتها التاريخية لها وبالتالي فيم الاحتراب.
عمر البشير الى لاهاي وان طال السفر
نحي حكومة الفترة الانتقالية ان صادقت على نظام روما الأساسي , وفي ذات الاطار وافقت على تسليم مجرمي الإبادة الجماعية والذي وجهت اليهم التهم الى المحكمة الجنائية, وهذه واحدة من النقاط المهمة في تحقيق ضلع أساسي من ضلوع شعارات الثورة (العدالة).
تسليم البشير خطوة مهمة وانتصار لاسر الضحايا وللقانون الدولي وللعدالة
نأمل ان تسرع السلطات في إجازة هذه الخطوة وتسلم هؤلاء المجرمين وان تمضي بخطوات واثقة في تنفيذ العدالة اللانتقالية التي ستعزز التعايش في السودان ومناطق الحروب.
حسن إبراهيم فضل