وفقاً لصحيفة اليوم التالي يوم 20 سبتمبر 2016، أكَّدَ عوض الجاز مُساعدُ البشير للعلاقات الصينية، بأنَّهم سيُقدِّمون مشاريعاً استثمارية (حبوب زيتية وقطن) لوزير الزراعة الصيني، نزولاً (لرغبة) الصين في إقامة مصانع للزيوت ومَحْلَجْ للقطن المُنْتَجْ بقطاع (الجزيرة)! وقال بأنَّ المشروعات المُقدَّمة ستكونُ (حكومية)، وبعضها سيُقام مع القطاع الخاص، وبعضها قطاعٌ مُشترك، وذلك وفقاً لما أسماه البرنامج (الخُماسي).
يأتي هذا الأمر قبل جفاف مداد مقالتي المُعَنْوَنَة (اَلْتَدْمِيْرُ اَلْإِسْلَاْمَوِيُ اَلْمُتَسَاْرِعْ لِلْسُّوْدَاْنْ)، والتي أشرتُ فيها لتدمير المُتأسلمين المُتعمَّد للسُّودان، كبَيْعْ ورَهْنْ أراضيه للغير وعلى رأسهم الصين، التي تُعدُّ من الدائن الأكبر للبشير وعصابته! وقبلها نَشَرَ الباحث/مُصطفى عمر مقالاً رصيناً بالرابط التالي (http://www.hurriyatsudan.com/?p=205623)، يحوي معلومات خطيرة مدعومة بالمراجع الموثوقة عن القروض الصينية المحسوبة على السُّودان، ومُطالبات الصين بأراضي (يختارونها) بمشروع الجزيرة والشمالية مُقابل تلك القروض. والخطير في الخبر الذي بدأنا به هذا المقال، أنَّ التدمير الإسلاموي للسُّودان (مُركَّب)، ولم يتوقَّف على مَنْح الصين أخصب أراضينا بالجزيرة والشمالية وغيرهما، وإنَّما امتد ليشمل مزايانا النسبية كالحبوب الزيتية، التي نُعوِّل عليها في مُعالجة الاقتصاد السُّوداني الذي دَمَّره المُتأسلمون بأفعالهم المأفونة!
ولكي يكون الحديث موضوعياً وعلمياً، يجب إحاطتكم بما أَوْرَدَته مُنظَّمة الأغذية والزراعة للأُمم المُتَّحدة (FAO) في يونيو 2016 (أسواق السلع الأساسية)، حيث أكَّدت توقُّعاتها على انخفاض الإنتاج العالمي لبذرة القطن، وتقلُّص إنتاج زيت النخيل بجنوب شرق آسيا، تبعاً لظاهرة النينو والتغيُّر المناخي بصفةٍ عامَّة. وما يزيد الأمر تعقيداً، بُطء نمو الإنتاج العالمي لمحاصيل الحبوب الزيتية عموماً، وارتفاع استهلاك فول الصويا المُستَخَدم بنِسَبٍ مُقدَّرةٍ لإنتاج الديزل الحيوي بجانب استخداماته الغذائية، مما يزيد حجم الفجوة المُتوقَّعة من الزيوت، والتي ستزداد حِدَّتُها بتنامي مُعدَّلات السُّكان، وبالتالي اختلال توازُن العرض والطلب لهذه المجموعة الغذائية الهامَّة. وفي سياقٍ مُتَّصل، أكَّدت مُنظَّمة التعاوُن والتنمية الاقتصادية (OECD)، على ارتفاع التجارة العالمية لفول الصويا الذي يتصدَّر صادرات (الأمريكتين) واندونيسيا وماليزيا مُستقبلاً، مع انخفاض إنتاجه بالصين وبالتالي تراجُع نصيبها في تجارته الدولية!
هذه المُعطيات مُجتمعة، سواء ما يتعلَّق بالاقتصاد الدولي، أو الأحوال المناخية، ورُبَّما التشريعات والقوانين، شَكَّلَت قلقاً كبيراً للدول ومن بينها الصين، الساعية لضمان بقائها في السوق العالمية للزيوت وتغطية احتياجاتها المحلية، ولم تجد أمامها غير السُّودان الهَامِل! فالسُّودان يتميَّز في إنتاج غالبية الحبوب الزيتية، كالسمسم وزهرة الشمس والفول السوداني والقوار وإمكانية تطوير صناعاتها، وهي بدائل أكثر من كافية للصين ويسيلُ لها اللعاب، وبذات القدر تكفينا تماماً لمُعالجة جانب كبير من اختلالاتنا الاقتصادية الماثلة، وتدعم احتلال السُّودان لموقع مُتقدِّم ضمن الدول المُصدرة لهذه المجموعة السلعية الهامَّة، في ظل فجوة الزيوت النباتية للمنطقتين الأفريقية والعربية ورُبَّما خارجها، وفقاً لما أوردناه من توقَّعات ودراسات المُؤسَّسات الدولية المُتخصِّصة بشأن مُستقبل الحبوب الزيتية، وإمكانية توسُّع السُّودان في إنتاجها وتصنيعها بكفاءةٍ واقتدار، لتغطية الحاجة المحلية وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الزيوت وتصدير ما يفيض للعالم الخارجي.
وبالنظر لواقعنا نجده عكس هذا تماماً، حيث (تَفَنَّنَ) المُتأسلمون في التضييق على المُزارعين بالإتاوات والرسوم المُختلفة، وأدخلوهم السجون في أحيانٍ كثيرة، كما فعلوه إبان ما اسموه الثورة الخضراء بداية التسعينات، إذ دَخَلَ المُزارعون للسجون نتيجة لأسعار المُتأسلمين غير المُجزية من جهة، وإتاواتهم التعجيزية المفروضة على المُزارعين من جهةٍ ثانية، وهَجَرَ الغالبية الزراعة وأصبحت أراضينا الخصبة بوراً، وبعضها تأثَّر بنمو الحشائش والأشجار الضارة كمشروع حلفا الجديدة الذي انتشر فيه المسكيت، فخَصَّص المُتأسلمون لمُكافحته (40) ملياراً (بحسب ما نشروه آنذاك)! وفي العام الماضي فَعَلَ المُتأسلمون العَجَب بمُزارعي القضارف، حينما ألزموهم ببيع قنطار السمسم بـ(500) جنيها للبنك الزراعي (حصراً)! وهو سعرٌ غير مُجزي، إذ تراوحت أسعار السمسم العالمية وقتها ما بين 2850-2900 دولار/للطن، في ما كان سعر المُتأسلمين (المفروض) على المُزارعين (10000) جنيه سوداني/للطن (الطن يُساوي 20 قنطاراً)، وهذا نهبٌ واضحٌ لا لبس فيه لعرق المُزارعين، ولا يمكن تبريره بأي حالٍ من الأحوال، ومع هذا (تَغَافَلَ) الإعلام الإسلاموي المأجور والتافه عن الإشارة لهذه الجريمة الوطنية والأخلاقية، كما (تَغَافَلَ) مُدَّعو النضال وما يُسمَّى مُعارضة (مدنية/مُسلَّحة) عن مُعاناة هؤلاء المُزارعين، وكأنَّهم من كوكبٍ آخر غير أرضنا أو بلادٍ أخرى غير السُّودان، ورُبَّما لأنَّه (ليس جِلْدَهُم) فتجاهلوا (شوكات) المُتأسلمين التي أَدْمَتْ ذلك الجِلْد ومَزذَّقته حَدَّ التلاشى!
لقد بدا واضحاً أنَّ الصين شرعت في التهام السُّودان بمُباركة البشير وعصابته، الذين نَالوا منها قروضاً ضخمة وبمُعدَّلات فائدة عالية و(مجهولة) باسم السودان، وأحالوها لمصالحهم الشخصية وقَدَّموا أراضينا وأصولنا العقارية كضماناتٍ لنيلها، وامتنعوا عن سداد الأقساط ولا نقول (عَجَزوا)، لأنَّ ديون السودان أصبحت أرصدةً وأملاكاً خارجية لهم! وسواء عَجَزوا أو امتنعوا، فإنَّ أراضينا وأصولنا العقارية تُواجه خطر الاستلاب من الدائنين وعلى رأسهم الصين، وهو أمرٌ لن يتوقَّف على الجزيرة والشمالية وحدهما. ولقد جاء أوان السداد للصين، وبدأ المُتأسلمون التلسيم بتكتيكاتٍ مُختلفة، وسيتَّبعون أُسلوب الغش والإغراء والبطش في آنٍ واحد حسب الحالة، وحسب ما فعلوه بأماكنٍ أُخرى من البلاد، لم نَجْنِ منها غير الخراب والدمار. ولعلَّ ما يُؤكِّد الغدر الإسلاموي، هو إشراف (الجاز) على هذه الجريمة، وهو نفسه الذي (وَرَّطَنا) في ديونٍ مُتلتلة مع الصين تحديداً، بمُوافقته على شروطها الكارثية و(ضخامة) ضماناتها، والنتيجة ترونها في واقعنا المأساوي الذي لا يحتاج لاستدلال!
لعلَّنا بحاجة إلى التساؤُل بصوتٍ عالٍ، هل يُوجد ما يُبرِّر تعيين مُساعد رئيس لرعاية العلاقة بدولةٍ واحدةٍ مهما علا شأنها كما فعل البشير مع الجاز؟ خاصةً مع ظروفنا الاقتصادية التي تُحتِّم ضغط الجهاز الإداري للدولة لتقليل النفقات، فضلاً عن تقاطُع هذا التعيين مع مُتضمَّنات سياسات الإصلاح الاقتصادي ومبادئ الإدارة العلمية التي يَدَّعي المُتأسلمون تطبيقها؟ ما الدَّاعي لتعيين مُساعد رئيس في ظل وجود وزراء للاستثمار والتعاوُن الدولي والخارجية، بخلاف (جوغة) السفراء والمُلحقين وغيرهم؟ وما هي مهام هذا وأولئك والنفقات المُترتبة على بقائهم مُقارنةً بمردودهم؟ وما أثر المشروعات التي ستُتَاح للصين على الدخل السنوي والاقتصاد السوداني بالأرقام والنسب، مُوزَّعة بين الدولة وأصحاب الأرض التي ستُقام بها المشرعات والصين، وكيفية صَرفها وأوان التمتُّع بها؟ ومن قام بدراسات جدوى تلك المشروعات ومتى وأين؟ ومعاييرها وانعكاساتها خاصَّةً الاقتصادية والبيئية والاجتماعية والأمنية؟ والمُعالجات المُقترحة وبدائلها ومن الذي قام بتقييمها وتقويمها؟ وإلى أين سيذهب أهالي المناطق التي سيُتيحون أراضيها للصين؟ والأهم لماذا التضليل الإعلامي والتضارُب المُصاحب لهذه الخطوة؟!!
إنَّ المُتأسلمين يسعون (وبعمدٍ فاضح) لتدمير البلد وأهلها وها هم يمضون في سعيهم، ففي الوقت الذي يلهون العامَّة بالأمور الانصرافية، يستكمل (خُبثاؤُهم) مُخطَّطاتهم التدميرية وخيانتهم غير المسبوقة للبلاد والعباد. فعلى أهلنا بالمناطق المُستهدفة (الجزيرة والشمالية)، الاتعاظ بالـ(27) سنةً من حكم المُتأسلمين المشئوم، لم نَرَ فيها خيراً، ولم نألف منهم صدقاً، كسد مروي وخطوط السكك الحديدية الوهمية، ومُؤخَّراً التضليل الإسلاموي الفاجر بمشروع الجزيرة، الذي رَفَعَ مساحة الأراضي الممنوحة للصين من (800) فدان إلى مليون، رغم الـ(210) مليار التي ادَّعوا جمعها، فلا تقعوا في الفخ الإسلاموي وناهضوا اقتلاع أراضيكم ولا تتركوها لهؤلاء الطُفيليين.
مَصْمَصةُ الشفاه (حسرةً) على حال البلد وأهلها لا يكفي لتدارُك حالتنا المأزومة، فقد وضح جلياً أنَّ البشير وعصابته لا يرتدعون حتَّى من الخالق، الذي تلاعبوا بآياته وأحكامه وطَوَّعوها خدمةً لأهوائهم وأطماعهم التي لا تنتهي، وخلاصُ السودان وأهله بالخلاص منهم. وهو هدفٌ لن يتحقَّق إلا بالوقوف صفاً واحداً في وجه هذا الظلم المُتواصل، ولا يليق بأهل السُّودان الاكتفاء بالنظر على المآسي التي يُواجهونها على أيدي البشير وعصابته المُستهترة ومن يدور في فلكهم من سَقَطِ المَتَاع، فما يفعلونه ببعضنا يُكررونه مع الآخرين، بصورةٍ أكثر دموية وبشاعة، واعتقد أنَّ (27) سنة كافية تماماً للحكم وترسيخ القناعات، والفرصة ما تزال مُواتية للخلاص منهم.