اليوم مرة أخرى يتعالي هدير الشعب السوداني فوق سحابات الغاز المسيل للدموع والإرهاب بالرصاص الحي. ان النظام الان فعليا يرتجف مع ان هذه مجرد ( التسخينة) والمباراة لم تبدأ بعد . ان القوى الشرطية والأمنية وإبداعات إغراق ميدان الأهلية بمياه الصرف الصحي هي جميعا من إشارات انعدام استراتيجيات الحلول ومحاولة التخويف والترهيب، إضافة إلى تقليل الخسائر. فتكتيك إغراق الميدان هو محاولة من الأمنجية لمنع قيام اعتصام مفتوح كما جرى الحال في مظاهرات الربيع العربى. لكن ما لا يعلمه النظام ان شعب السودان المبادر في التظاهر السلمي وإسقاط الحكومات بالضغط الشعبي لم يحتاج يوما إلى ميدان فقد وسعته الشوراع والأزقة. وإسقط من تلك الشوراع نظامين والثالث الان يعد أنفاسه الاخيرة.
سياسيا فإن التلاحم الذي يتبدي الان بين القوى السياسية المدنية والعسكرية المعارضة عبر المشاركة العملية والدعم للمبادرة التي دشنها الحزب الشيوعي السوداني، يعد أحدى الخطوات شديدة الأهمية في طريق ليس فقط إسقاط النظام ولكن في طريق أيضا صناعة بديل ديمقراطي يليق بنضالات هذا الشعب الصامد الصبور. ان الفعل الذي يثبت قدرته على التأثير من خلال حراك اليومين الماضيين بعث كثير من الأمل في قوي الشعب حتى المتفرجة والتي لن تقف طويلا على الرصيف تشاهد هذه التظاهرات. ان الشعب السوداني المسحوق قد عاني طويلا من عمليات غسيل الدماغ المستمر عبر إعلام النظام إضافة إلى ضغوط المعيشية كما أنه فقد الثقة في قوي المعارضة في الفترة الماضية نتيجة لعدم مشاهدته لقوتها أو تأثيرها المباشر عليه. والآن وبما أن قوى المعارضة اخيرا خرجت إلى قيادة الركب وتصدى قادتها للمقاومة بأنفسهم فإن هذا الشعب لن ينتظر طويلا حتى ينضم إلى هذا الحراك المتنامي.
الخطوة الهامة حاليا هي الاستمرار في الضرب على هذا النظام المتهالك في كل يوم وفي كل فرصة. وكل هيئة وكل كيان وحزب وجماعة كل بما يمتلك من قوة وتأثير. يجب أن لا يتوقف الضغط ابدا وان يتوالى الطرق على هذا الجدار المتهاوي المسمى النظام. ان رائحة الثورة التي تفوح من عبير دخان النبنبان لم تيقظ فقط النائمين في قصورهم بل ستوقف أيضا الأمل في كل من كان يخشى أن يكون الخلاص مجرد أوهام لن تتحقق ابدا فاستسلم إلى الخنوع والخوف والرضا بالامر الواقع .
ان موكب الأمس واليوم جدير بهما ان يوصفا بمواكب أحياء الأمل والتحرر من الخوف واعادة بناء الثقة في المعارضة السودانية وقياداتها. لكن هذا التدفق الحار الذي يجري في دماء كل سوداني عبرت مظاهرة قريبا من بيته أو سيارته أو سمع هتاف أو اشتم رائحة بنبان أو رأي كنداكة تزغرد أو شاب يقوم بضربه امنجي أو عسكري، هذه الدماء التي بدأت تستعيد حياتها وحراراتها الان تستوجب أن تستمر المقاومة في الشارع في إشعال نيران الهتاف السلمي الواعي والقريب من الناس حتى يتحرك كل متردد أو خائف لينضم إلى هدير الشعب الثائر . ان هذا النظام إلى الان يحاول أن يتعلم من خطأ سبتمبر، وتجنب أن يقوم بإطلاق الرصاص بالشكل مباشر على المتظاهرين في وجود النقل اللايف المباشر على الفيسبوك. ولكن هذا التحكم في النفس لن يستمر طويلا. ولكن لن يهزم هذا العنف الا المزيد من السلمية والمزيد من الجماهير. ان افضل تعبئة للتظاهر والمقاومة هو الاستمرار في التظاهر والمقاومة. هذا هو أهم الدروس التي يمكن تعلمها من حراك أمس واليوم. وبالتالي فإن فرص إنهاء معاناة الشعب السوداني تزداد قربا. فقط المزيد من الضغط والالتحام ومقاومة غرور الانتصار أو محاولات التكالب أو الاختلاف. فإن النصر الذي تحقق بان توحدت قوي المعارضة في الشارع وفي داخل المعتقلات الان هو الامل الأقوي الذي سيدفع الشعب السوداني إلى تجديد الثقة في قياداته السياسية بمختلف مشاربها وان يستعيد الثقة في نفسه وفي قدرته على صناعة مستقبله وحماية وطنه وانتزاعه من بين فكي الغول المسمى الإنقاذ.
التحية لكل من أحيا الأمل في قلوبنا وفي قلب كل سوداني بخروجه في الشارع اليوم وامس. وأبقوا الصمود فإن البقية سيلحقون بكم قريبا.
[email protected]