بقلم عثمان نواى
من تلودى الى نيرتتى لازالت الدماء تسيل بين رصاص الجنجويد على المتظاهرين المطالبين بحقهم فى أرضهم واغتصاب الطفلات دون ذنب سوى انهن ولدن فى بقعة من السودان لا كرامة فيها للنساء، واعتبر رئيسها السابق ان اغتصاب بعض الرجال لنسائها هو فى حد ذاته شرف لهن!!
فى خلال الايام الماضية قتل وجرح ١١ مواطنا فى تلودى أثناء المظاهرات والاعتصامات لاكثرمن شهر للمطالبة بوقف مصانع السيانيد التابعة للجنجويد. فى ذات الوقت استمرت الاعتداءات على المواطنين فى نيرتتى ومعسكر كساب وكتم ومناطق أخرى فى دارفور نتج عنها قتلى وجرحى واغتصاب لطفلتين اول امس من الجنجويد أيضا .
وتظل أطراف السودان تنزف دما فى حالة من الاستباحة المستمرة لارض وعِرض تلك المناطق دون توقف. ومهما تغيرت الوجوه الحاكمة فى الخرطوم يستمر نزيف الدم هناك.. ورغم انه مر على تأسيس الحكومة شهر ونيف ورغم ان الوزراء ورئيس مجلس الوزراء تحدثوا كثيرا عن أولوية السلام ورغم اللقاءات والاتفاقيات، ولكن يبدو ان الحكام فى الخرطوم ينسون ان السلام هو فى الأساس ليس اتفاقيات او محادثات، بل هو الأمن وتغير الحال الذي لا يشعر به القادة السياسيين وحدهم، بل الأهم هو احساس الناس العاديين الذين يعانون من العنف والقتل والنهب والاغتصاب وسرقة الثروات والفساد والتسمم بالسيانيد بشكل يومى. هؤلاء هم من يجب أن تركز الحكومة جهودها نحوهم اولا. فسبب الحروب اصلا هو عدم شعور الكثير من السودانيين فى الأطراف بانهم مواطنين لهم حقوق فى هذه الدولة السودانية. ولذلك خرجوا ثائرين عبر العقود الماضية طلبا المساواة فى المواطنة. الان اذا ما كانت حكومة الثورة قادرة وعازمه على تحقيق السلام فإن هذه العملية لا تبدأ فى قاعات التفاوض بل تبدأ من إجراءات بسط الأمن داخل مناطق سيطرة الحكومة نفسها ووقف العنف المفرط من قبل القوات التابعة للحكومة سواء جنجويد او شرطة ومحاسبة المتورطين منهم فى اى اعتداءات على المواطنين. والجنجويد الان كما فرض واقع الحال أصبحوا قوات حكومية تتبع للجيش ورئيس تلك القوات عضو مجلس سيادة. لذلك كل ما تقوم به قوات الجنجويد لم يعد مسؤولية حميدتى وحده بل هو مسؤولية الدولة باكملها. لذلك الفشل فى ضبط القوات الحكومية واستمرار كل أشكال العنف والاعتداء على المواطنين ومحاولة صناعة تبريرات مكررة لا تحل المشكلات فعليا فإن هذا مجرد استمرار استخدام ذات أدوات النظام القديم فى معالجة الأزمات وتحويلها الى كوارث على كل الأطراف. لازال الوقت سانحا لتغيير وتصحيح المسار، لكن البطء والتجاهل سوف يقود الى كارثة حتمية بلا شك تهدد كل منجزات الثورة، وأولها الحكومة شبه المدنية القائمة.
حيث ان بيان القوات المسلحة عن احداث تلودى يعد ضربة كبيرة لمصداقية الحكومة الانتقالية فى اتجاه تثبيت حقوق المواطنة وتحقيق السلام وإنهاء الفساد. فمطالب المواطنين التى لم تلقى اى اهتمام لاسابيع من قبل المسؤولين هى مطالب مشروعة فى ظل الدولة الديمقراطية ،و الاعتصام السلمى الذى استمر شهرا دون ان يلتفت له أحد هو دلالة على الإلتزام لدى المواطنين بمخاطبة مشاكلهم بشكل يشبه شعارات الدولة المرفوعة. لكن الرجوع بالخطاب للاتهامات وعدم مخاطبة الأزمة الحقيقية وتبرير استخدام العنف تجاه المدنيين سوف يؤدى لمزيد من الاحتقان. لابد للحكومة الانتقالية من النظر بابعاد أوسع فى اتجاه تحقيق السلام ومخاطبة أزمات الأطراف. وعليها ان تقدم خطوات فى اتجاه تحقيق الأمن للمواطن وان تتحمل مسؤوليتها تجاه القوات التى تتبع لها دستوريا الان. وكل الجرائم التى ترتكب فى دارفور الان هى مسؤولية النظام الموجود وعليه ان يكون جادا فى وقف الجرائم التى تقع تحت نظره اولا قبل ان ينادى بالسلام. وقد الوقت ان تتوقف هذه الزيارات المكوكية لرئيس الوزراء للخارج وان يبدأ فى زيارة المعسكرات والقرى والمحن التى ناضلت سنوات حتى يصل لهذا المنصب هو وحكومته وان ينظر فى ما يحتاجه السودانيون وليس ما يريده الآخرين من السودان.
[email protected]