المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً
مقدمة:
عُرف عن نظام المؤتمر الوطني الحاكم في السودان، على مدى سنوات حكمه، اعتماده الواسع على المليشيات من خارج القوات المسلحة السودانية في إدارة حروبه المتعددة في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان/ جبال النوبة. حيث يعمل الحزب الحاكم على استغلال التعقيدات والتباينات القبلية القائمة في عملية تكوين المليشيات وتجنيد المقاتلين لها، مستنداً على تسييس وأدلجة العلاقات الإثنية، والاغراءات المادية في التجنيد لصفوفها. وتزايد اعتماد النظام على المليشيات القبلية وعمل على توليدها وتسليحها ودعمها، ليس فقط في داخل السودان، بل وفي دول الجوار لخدمة جملة من الأهداف المتنوعة حسب الجغرافيا والحالة. وجاء الاعتماد على المليشيات في تحقيق الأجندة الحربية لجملة من الأسباب، منها تناقص الانتماء والولاء للمؤتمر الوطني بين افراد القوات المسلحة السودانية، والتململ داخل أوساط الجنود والضباط النظاميين من الجرائم المرتكبة وممارسات المليشيات في مناطق الحروب المختلفة، هذا بالإضافة الي تطاول أمد النزاعات لفترات طويلة دون وجود إرادة سياسية واضحة من قبل الحكومة السودانية للتوصل الي حل سياسي شامل يوقف هذه الحروب.
المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً، تصدر هذه السلسلة (مليشيات نظام البشير والحرب بالوكالة) لتتبع أدوار المليشيات في حروب السودان المتعددة، واستعراض التعقيدات السياسية والأمنية والاجتماعية نتيجة نشأتها وأنشطتها.
يختص الجزء الأول من هذه السلسلة باستعراض دور المليشيات الاجنبية، او المستوردة، من مقاطعة المابان بدولة جنوب السودان، التي انشأتها ودعمتها حكومة الخرطوم للقتال بالوكالة ضمن حربها القائمة في اقليم النيل الأزرق. وكما يتطرق هذا الجزء من سلسلة حروب الوكالة الي لمحة وتذكير بدور المليشيات المحلية او الداخلية ممن وظفهم النظام الحاكم في حربه. وكانت المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً قد أصدرت تقريرين سابقين تناولا أدوار هذه المليشيات والأوضاع التي يواجهها النازحون واللاجئون من إقليم النيل الأزرق، الأول بعنوان النيل الأزرق: انسداد أفق سياسي ومآساة إنسانية غير مرئية، والثاني بعنوان بين مطرقة أزمة وسندان أخرى: يواجه لاجئو أعالي النيل مخاطر لا مهرب منها.
تجييش المليشيات المحلية في حرب النيل الأزرق:
وثقت مجموعة للديموقراطية أولاً في تقرير سابق لها عملية تعبئة وتوظيف المليشيات القبلية، محلية المنشأ والتكوين، من داخل إقليم النيل الأزرق بواسطة النظام الحاكم في حربه الجارية. وجاء في ذلك التقرير أن الحملة العسكرية بعد عودة الحرب بالإقليم في سبتمبر 2011 استندت عند بدايتها، بالإضافة للجيش السوداني، على إعادة توظيف استراتيجية الاستقطاب الاثني وتعبئة المليشيات القبلية لخدمة تلك الأجندة الحربية. والتي شملت إعادة لفتح معسكرات الدفاع الشعبي بالإقليم، وتكوين ما عرف بالإمارات الجديدة، والامداد بالسلاح والذخائر للمليشيات مثل قوات كبجي، وما عرف بجيش القبائل، بالإضافة إلى دعم تكوين مليشيات اسماعيل كورا. وقد تم معظم ذلك التخطيط والترتيب بواسطة الوزير بالنيل الأزرق حينها محمد سليمان جودابي، لخبراته السابقة في هندسة وتجييش القبائل في كل من دارفور وجبال النوبة/ جنوب كرفان.
فشلت خطة الحزب الحاكم في تعبئة وتجييش المليشيات المحلية من داخل الإقليم. حيث بنىّ المؤتمر الوطني تجربته السابقة بمحاولة اللعب على وتر التعدد الذي يمتاز به النيل الأزرق، باستغلال التباينات الاثنية والثقافية لتحقيق أهدافه السياسية والعسكرية والتلاعب على وتمزيق أواصر السلام الاجتماعي. وبالرغم من توفير الأجهزة الامنية لموارد هائلة لهذا المشروع التدميري للسلم الاجتماعي القائم، إلا ان تلك الخطة لم تفلح سوى في تفريخ مجموعات محدودة من المنبوذين مجتمعياً، بلا قدرات عسكرية، أقرب ما يكونوا لتكوينات العصابات، تخصصت في السرقة والنهب والاغتصاب. وجاء فشل النظام الحاكم في توليد المليشيات المحلية في النيل الأزرق بسبب علاقات المواطنين التي نمت عبر سنوات طويلة من التعايش المشترك، تطورت خلالها حزم من التداخلات الاجتماعية والثقافية والمصالح الاقتصادية المشتركة، مثلت كلها سداً قوياً أمام مصالح ورغبات الحزب الحاكم في التخريب الاجتماعي، هذا اضافة الى المواقف الشجاعة من قيادات الادارة الاهلية، والتي رفضت الخضوع لمشروع التعبئة والتجييش القبلي، بل وقاومته صراحة من داخل اجتماعات الحزب الحاكم وداخل مقار الاجهزة الامنية بالإقليم.
بعد الفشل في توليد المليشيات المحلية داخل النيل الأزرق، لجأ النظام في منتصف العام الماضي، مايو- يونيو 2016، إلى استجلاب ميلشياته النشطة من مناطق السودان الأخرى -استيراد مليشيات قوات الدعم السريع ذات المنشأ والتكوين في منطقة دارفور- الي إقليم النيل الازرق. وستفرد المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً ضمن هذه السلسلة (مليشيات نظام البشير والحرب بالوكالة) جزء خاص عن مليشيات قوات الدعم السريع. جاءت محاولة إقحام مليشيات الدعم السريع، المعروفة باسم قائدها حميدتي، في حرب النيل الأزرق بهدف إنتاج نموذج جديد يستنسخ تجربة دارفور في الإبادات الجماعية، لكي تخوض الحروب بالوكالة وتسهم في تصفية المجموعات السكانية الاصلية وطردها خارج الإقليم، ومن ثم المصادرة والاستحواذ على الأراضي والموارد الطبيعية الغنية بالنيل الأزرق.
وبالفعل، ومنذ وصول مليشيات الدعم السريع الي النيل الأزرق في نهاية شهر مايو 2016، بدأت في ممارسة سلوكها الإجرامي ضد المواطنين حتى قبل مشاركتها في العمليات العسكرية. حيث قامت بالتعدي علي المدنيين، وممارسة الفوضى الشاملة في مدن وقرى الإقليم من نهب الأسواق والسرقة والتحرش بالنساء والاغتصاب وإرهاب المواطنين ونعتهم بالسباب والشتيمة العنصرية لإذلالهم وإهانتهم. وعلى الرغم من أن استيراد مليشيات الدعم السريع جاء لتعزيز حملة النظام الحاكم الحربية في النيل الأزرق، ولفك عزلته الناتجة عن فشله في توليد مليشيات محلية من الإقليم كما ورد أعلاه، إلا ان تجربة الدعم السريع قد فشلت في تحقيق أهداف النظام الاستراتيجية، مما عجل برحيلها من النيل الأزرق بعد انتصار عسكري وحيد على قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان شمال، المسيطرة على مساحات معتبرة من أراضي الإقليم.
هنالك عدة أسباب لفشل مليشيات حميدتي في النيل الأزرق وسحبها السريع من المنطقة: من أهمها الأزمة المتفجرة بين القوات النظامية والجيش السوداني من ناحية ومليشيات قوات الدعم السريع، بسبب تباهيها بتحقيق نصر عسكري، في الوقت الذي فشلت فيه القوات المسلحة الرسمية في تحقيق أي انتصار لعدة أعوام، في إشارة وضح منها الإساءة للقوات المسلحة وتوصيفها بالجبن والتشكيك في كفاءتها وقدراتها على القتال. والعامل الآخر القوى في فشل وسحب الدعم السريع يعود إلى غضب المواطنين وسخطهم على ممارسات هذه المليشيات، ومطالبة الأحزاب السياسية الاخرى وقادة المجتمع المدني بالولاية بسحبها. وقد تلخصت هذه المواقف في الرفض المباشر لقيادات الإدارة الاهلية لوجود الدعم السريع بالنيل الأزرق خلال اجتماعها بالوالي حسين يس بسبب الجرائم والفوضى التي عاستها في مدن وقرى المنطقة ضد المدنيين الأبرياء، واستندت القيادات الاهلية في رفضها لوجود المليشيات على تجربة ولاية شمال كردفان وقيام واليها احمد محمد هارون بطرد مليشيات الدعم السريع من حدود الولاية في فبراير 2014 بسبب الجرائم التي اقترفتها ضد المواطنين، مما مثل سابقة قريبة يمكن تكرارها.
مقاطعة المابان- جنوب السودان- والحرب في النيل الأزرق:
تبلغ مساحة مقاطعة المابان حوالي 11,817 كلم مربع، وتقع في الحدود الشمالية لولاية شرق النيل (أعالي النيل سابقاً) بدولة جنوب السودان، وعلى الحدود مع مناطق الحرب الاهلية في ولاية النيل الأزرق في السودان.
منذ اندلاع الحرب الاهلية في إقليميّ النيل الأزرق وجنوب كردفان/ جبال النوبة في العام 2011، شهدت مقاطعة المابان تدفقاً كبيراً للاجئين السودانيين من ولاية النيل الازرق المجاورة، هرباً من المعارك العسكرية وهجمات القصف الجوي العشوائي التي ظلت تشنها قوات الجيش السوداني على مناطق النازحين في النيل الأزرق. كما ساهم الحظر الذي تفرضه الحكومة السودانية على وصول المساعدات الإنسانية لمناطق النازحين الي دفع اعداد كبيرة منهم للجوء الي دول الجوار.
رحبت السلطات المحلية بمقاطعة المابان حينها بتدفق اللاجئين الي المنطقة، بل ونافست مناطق أخرى بدولة جنوب السودان، قريبة من الحدود مع النيل الأزرق على استضافة اللاجئين. وتم تقديم دفوعات مقنعة لإقامة معسكرات اللجوء بالمابان نسبة لعوامل التداخل الاجتماعي- الثقافي على الحدود بين المابان والنيل الأزرق، وضعف الكثافة السكانية في المقاطعة (15 نسمة لكل كلم مربع)، بالإضافة الى الإسهام المتوقع من قدوم النازحين كلاجئين الي المابان على النشاط الاقتصادي والتنموي المصاحب لإنشاء المعسكرات، وفي تنمية المنطقة عموماً.
وبالفعل تم إنشاء اربعة معسكرات للاجئين الفارين من الحرب بالنيل الأزرق في المقاطعة. ووفقاً لتقديرات المفوضية السامية لشئون اللاجئين تضم المقاطعة حالياً حوالي (136,741) من اللاجئين السودانيين، حيث تتغير الإحصائيات زيادة ونقصان وفقاً للأوضاع الأمنية بالمعسكرات. وقد تم توزيع اللاجئين على أربعة معسكرات رئيسية، تشمل: معسكر دورو (52,741 نسمة)، معسكر يوسف باتل (41,280 نسمة)، معسكر كايا (جمام سابقا): (25,000 نسمة) ومعسكر قندراسا: (17,584 نسمة).
هجوم جديد على معسكرات اللاجئين:
قبل أيام فقط من انطلاقة العام الجديد، 2017، شنت مليشيات قبلية من جنوب السودان بمقاطعة المابان، في ولاية شرق النيل (أعالي النيل سابقاً) هجوماً مروعاً على معسكر دورو للاجئين الفارين من الحرب في إقليم النيل الأزرق بالسودان، في 25 ديسمبر 2016. وأدى الهجوم الذي استخدمت فيه مختلف انواع الأسلحة، النارية والبيضاء، الي مقتل سبعين من اللاجئين من سكان معسكر دورو، ضمنهم عدد من الاطفال، حيث تم دفن الضحايا في مقابر جماعية ومثل بجثث عدد منهم(ن)، وفقدان نحو خمسين من اللاجئين لا يعرف مكانهم حتى الان، هذا بالإضافة الى مقتل عدد من المواطنين المحليين من سكان مقاطعة المابان. كما أدى الهجوم على معسكر دورو إلى دفع أكثر من خمسة عشر ألف من اللاجئين الي مغادرة معسكرات اللجوء والعودة كنازحين من جديد الي مناطق الحرب المشتعلة في النيل الأزرق، ليجدوا أنفسهم في وضع معاناة مستمرة بحثا عن الامان والماء والغذاء والدواء والمأوى، وتحت ظل مخاطر القصف الجوي العشوائي الذي يشنه طيران الحكومة السودانية.
هجوم المليشيات من مقاطعة المابان في جنوب السودان على معسكرات اللاجئين من ضحايا الحرب بالنيل الازرق يمثل امتدادا للجرائم التي ظل يواجهها ضحايا الحرب بالنيل الأزرق على مدى أكثر من خمسة سنوات، بما فيها التصفيات الجسدية، والاختفاءات القسرية، والتعذيب الممنهج، وتدمير ونهب الممتلكات الشخصية والعامة، إضافة الى التشريد والاقتلاع من الجذور لعشرات الآلاف من المواطنين الأبرياء.
مليشيات جنوب سودانية أم مليشيات البشير ؟
بذات الطريقة التي عمل بها حزب المؤتمر الوطني الحاكم في الخرطوم في سياق حملاته الحربية بتوليد مليشيات محلية، و استيراد أخرى من خارج الإقليم مثل مليشيات الدعم السريع ، لجأ الحزب الحاكم الى منهج ثالث في توظيف المليشيات القبلية في حروبه، هذه المرة عبر المليشيات الأجنبية من دولة جنوب السودان، مستهدفاً بصورة خاصة اللاجئين السودانيين من ضحايا الحرب الأهلية بالنيل الأزرق، بالإضافة الى اقحام هذه المليشيات في العمليات العسكرية داخل حدود النيل الأزرق دعما للقوات الحكومية السودانية في حربها ضد الجيش الشعبي لتحرير السودان شمال.
ظل اللاجئون السودانيون في مقاطعة المابان يعانون باستمرار من الأوضاع الأمنية غير المستقرة على مدى سنوات لجوئهم بسبب الهجمات والعنف المتواتر للمليشيات المكونة من مقاطعة المابان، والمعروفة بمليشيات أبطال المابان ومليشيات قوات دفاع المابان (الجيش الأبيض)، والتي جاء تكوينها وتدريبها وتواصل دعمها العسكري عبر الدوائر الأمنية والحزبية للنظام الحاكم في السودان، توسيعاً لدائرة حروب الوكالة في النيل الأزرق وغيرها من مناطق الحرب في السودان.
ما هي مليشيات أبطال المابان؟
في العام 2011، وبعد استقلال جنوب السودان، قام جهاز الاستخبارات العسكرية في الجيش السوداني باختيار الرقيب في الفرقة 23 مشاة بالقوات المسلحة السودانية حينها كمال لوما، والذي تنحدر اصوله الإثنية من منطقة المابان، لتتم ترقيته الي رتبة العميد العسكرية، وتكليفه بتكوين مليشيا أبطال المابان، وكما تم إنشاء عدد من المعسكرات التدريبية لقواته داخل ولاية النيل الأزرق.
جاء تكوين وبداية دعم مليشيات أبطال المابان تحت الإشراف المباشر للفريق الركن بالجيش السوداني يحي محمد خير، والذي كان حينها قائد الفرقة الرابعة مشاة بالدمازين، والحاكم العسكري المعين للنيل الأزرق بعد نشوب الحرب في سبتمبر 2011، والذي تم تعينه لاحقاً وزيراً للدولة بوزارة الدفاع. تم انشاء اول معسكرلمليشيات أبطال المابان بالقرب من مدينة بوط عاصمة محلية التضامن بولاية النيل الأزرق، وتبع ذلك انشاء معسكرات تدريبية اخرى بالقرب من مشروع التييبلاب الزراعي، ومعسكر للقيادة في مدينة الدمازين عاصمة النيل الأزرق في السودان. وبالفعل تم تدشين مليشيات أبطال المابان في احتفال معلن في ساحة المحلج بمدينة الدمازين، حضرته عدد من قيادات الجيش السوداني، على راسهم اللواء -حينها- يحي محمد خير، حاكم ولاية النيل الأزرق.
ومنذ تأسيسها، ظلت مليشيات أبطال المابان تتلقى تدريبها وتسليحها العسكري الكامل، وتموينها بصورة مباشرة عبر قيادة الجيش السوداني في عاصمة النيل الأزرق الدمازين. وتعتمد هذه المليشيات على التجنيد القسري بشكل موسمي من القبائل الحدودية بين السودان وجنوب السودان، الا ان غالبية المقاتلين الملتزمين بها ينحدرون من المابان، حيث يعود ذلك للنفوذ القبلي الذي يتمتع به قائدها العميد كمال لوما، والذي يشكل مع شقيقه عوض لوما والهادي إبراهيم قيادة مليشيات أبطال المابان.
أما عن الأهداف التي تنشط عسكرياً من اجلها مليشيات أبطال المابان، فهي متحركة ومتغيرة وفقاً لرغبات وأهداف حزب المؤتمر الوطني الحاكم. فهي تزعم مرةً بانها تهدف الي تحرير ارض المابان من الوجود الأجنبي، مستهدفة في ذلك مجتمعات اللاجئين السودانيين بالمقاطعة. وتارة أخرى تعمل ضمن أجندة الحزب الحاكم في الخرطوم على خلق حالة من عدم الاستقرار والضغط على دولة جنوب السودان بإثارة النزاعات القبلية في المنطقة خدمة لمصالح الخرطوم في الصراع بين الدولتين. ومنذ إندلاع الحرب في النيل الأزرق بدأت مليشيات أبطال المابان في العمل المباشر كمليشيات مقاتلة في حرب الوكالة لصالح النظام السوداني، حيث ظلت تخوض المعارك العسكرية لأكثر من خمسة سنوات هي عمر الحرب في النيل الأزرق، وشاركت وقادت العديد من المعارك في بوط والروم ومفو، أخرها هجومها على منطقة الروم في يناير 2017، وقد ظل القصف الجوي للقوات السودانية مصاحباً لمعظم عملياتها القتالية داخل النيل الأزرق.
مليشيات قوات دفاع المابان (الجيش الأبيض):
تكونت مليشيات قوات دفاع المابان، والمعروفة في المقاطعة بالجيش الأبيض، مع بداية إندلاع الحرب الأهلية داخل دولة جنوب السودان في ديسمبر 2013. وظلت تتنقل في تحالفاتها وأهدافها داعمة مرة للجيش الرسمي للدولة في جنوب السودان، ومساندة في مرات أخرى لقوات وأهداف الحركة الشعبية المعارضة في الجنوب بقيادة الدكتور رياك مشار. أما هدفها الثابت منذ تأسيسها، والذي تشترك فيه مع مليشيات أبطال المابان بقيادة كمال لوما فهو زعمها العمل من أجل تحرير ارض المابان من الوجود الأجنبي، مستفزةً للقلاقل ومثيرة للنزاعات بين مجتمع المابان ومجتمع اللاجئين، ومستهدفة لمجتمعات اللاجئين السودانيين من النيل الأزرق كهدف رئيسي. كما تعتبر مليشيات قوات دفاع المابان- الجيش الأبيض- امتدادا عضوياً لمليشيات كمال لوما. وتشترك الميليشيتان في تبنيهما لنفس الشعارات والاهداف العنصرية. وتضم مليشيات قوات الدفاع المابان (الجيش الأبيض) عدد كبير من المقاتلين الذين كانوا في صفوف مليشيا كمال لوما. وامتدت الجسور والصلات التنظيمية والتنسيق المحكم بين الميليشيتين، يجمعهما العداء والهجوم المتكرر على معسكرات اللاجئين السودانيين، وتبادل المقاتلين بشكل منظم. وقد لعبت مليشيات الجيش الأبيض -قوات دفاع المابان- الدور الرئيسي والمنفذ لجملة من الهجمات والاعتداءات على اللاجئين وعلى معسكراتهم في المقاطعة.
تعود الهجمات والاعتداءات المنظمة على معسكرات اللاجئين من قبل قوات دفاع المابان الي اقتحام معسكر يوسف باتل في مارس و أغسطس 2014، تلاه هجوم مسلح أخر على معسكر قندراسا في فبراير 2015 راح ضحيته عدد من اللاجئين ما بين القتلى والجرحى، هذا خلاف الاعتداءات اليومية والنهب الذي طال اللاجئين في معسكرات كايا ودورو وفي سوق مدينة البونج، التي تمثل عاصمة مقاطعة المابان. وقد أدت هذه الهجمات مجتمعة الي مقتل عشرات اللاجئين من سكان المعسكرات وعدد من المواطنين من المابان. كما أدت هذه الهجمات المتكررة بشكل مباشر الي هروب وإعادة تشريد أكثر من 40,000 من اللاجئين وعودتهم الي مناطق الحرب داخل النيل الأزرق، فيما مضى من سنوات، معرضين أنفسهم لمخاطر القصف الجوي العشوائي الذي تشنه الحكومة السودانية على مناطق النزوح الداخلي الواقعة تحت سيطرة قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال.
أما أحدث وأكبر هجوم قامت به قوات دفاع المابان- الجيش الأبيض- هو ما ورد أعلاه في هذا التقرير من هجوم مروع في الأسبوع الأخير من العام المنصرم، 2016، وفي صبيحة الاحتفال بأعياد الميلاد (25 ديسمبر). حيث قامت هذه المليشيات بشن هجوم مكثف استمر لمعظم ساعات النهار على معسكر دورو للاجئين في المابان، وعلى سوق مدينة البونج. وقد أسفر الهجوم عن مقتل سبعين من اللاجئين من سكان معسكر دورو، بالإضافة إلى عدد من المواطنين من سكان مدينة البونج والمناطق المحيطة بها. كما قامت مليشيات الجيش الأبيض بتنفيذ مجزرة بالأسلحة البيضاء في قلب سوق مدينة البونج، حيث قامت عناصر المليشيات بذبح 14 طفل بين سن التاسعة والرابعة عشر، من أطفال اللاجئين.
ومن الملاحظات الهامة والجديرة بالذكر، أن معظم هجمات مليشيات قوات دفاع المابان، خلال دورها في حرب الوكالة لمصلحة النظام الحاكم في الخرطوم، عادة ما تتم على معسكرات اللاجئين بالتزامن مع بداية واشتداد الحملات العسكرية للحكومة السودانية، الأمر الذي يرجح الغرض العسكري المزدوج من ذلك بخلق حالة عامة من الفوضى داخل معسكرات اللاجئين ومن ثم احداث حالة من الارباك وسط قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال، داخل الحدود السودانية تجاه ما يحدث في معسكرات اللاجئين، من أجل اضعافها عسكريا لمصلحة القوات الحكومية والمليشيات التابعة لها.
خاتمة وتوصيات:
كشفت حادثة الهجوم المروعة على معسكر دورو للاجئين عن ضعف الحماية التي توفرها القوات الأممية التابعة للمفوضية السامية لشئون اللاجئين، خصوصا في ظل المخاطر الأمنية المضاعفة التي تواجه المعسكرات باعتبار قربها من مناطق الحرب في جنوب السودان والنيل الأزرق. ويشير حجم القوة المخصصة لحماية المعسكرات (120 جندي فقط لأربع معسكرات) الى عدم قدرتها على توفير الحماية الكافية للمدنيين في المعسكرات عند تعرضها لأي هجوم. هذا الوضع يضع على عاتق الهيئات الأممية على المستوى القيادي مهمة إيجاد الوسائل المناسبة لدعم قوات حماية المعسكرات لتصبح قادرة على أداء دورها بشكل أكثر فعالية، يحول دون تكرار هذه الجرائم والهجمات.
كما يضع الهجوم على معسكر دورو على عاتق المفوضية السامية لشئون اللاجئين وضع قضية المحاسبة ضمن اهتماماتها، والإسراع بإجراء تحقيق شامل وشفاف وعلني عن الهجمات المتكررة التي ظلت تتعرض لها معسكرات اللاجئين بالمابان، واستعمال نتائج هذا التحقيق في الكشف والإعلان عن الاطراف الضالعة فيها، داخلياً وخارجيا، ومن ثم وضع التدابير اللازمة لإيقافها ولإعمال أدوات المحاسبة وتحقيق العدالة.
وأكدت أحداث معسكر دورو عن قسوة الأوضاع الإنسانية التي يعيشها النازحون داخلياً وخطورة عودة اللاجئين الى النيل الأزرق عند تعرضهم الى المخاطر الأمنية بمعسكرات اللجوء، خاصة في ظل الحظر الذي تفرضه الحكومة السودانية بمنع إيصال المساعدات الانسانية للمحتاجين منذ أكثر من خمس سنوات، وربطها لإيصال المساعدات الانسانية بالشروط والترتيبات السياسية والأمنية. الأمر الذي يحتم ممارسة الضغوط الكافية على الحكومة السودانية للسماح بإيصال المساعدات الإنسانية دون قيود أو شروط، وبما يتفق مع القانون الدولي الإنساني.
كما فضحت أحداث الهجوم على معسكر دورو مشاريع الحكومة السودانية في مواصلة استغلالها للتعقيدات الإثنية في تكوين المليشيات القبلية للقتال بالوكالة عنها في حروبها الأهلية. وكشف الهجوم عن ان اللاجئين في مقاطعة المابان يتم التعامل معهم ضمن المناورات العسكرية والسياسية للحكومة السودانية. هذا إضافة الى ان تجييش المليشيات الاجنبية من دول الجوار في الحروب الداخلية يعد مهدداً خطيراً للاستقرار والأمن في دول الجوار وفي المنطقة عموما، كما هو الحال في توليد ودعم المليشيات القبلية داخل دولة جنوب السودان للمشاركة في حروب الوكالة المتعددة. ان توظيف المليشيات المحلية والأجنبية العابرة للحدود يتطلب تطوير معالجات جذرية ضمن برنامج اصلاح القطاع الأمني، ومشاريع للمصالحة والعدالة الانتقالية لضمان مستقبل السلام العادل والدائم في السودان.
أخيراً، يشير الهجوم على اللاجئين السودانيين في دورو الى اهمية انتباه المجتمع المدني السوداني والقوى السياسية الوطنية، الي المآسي التي يعيشها هولاء اللاجئون جراء الحروب الأهلية في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان/ جبال النوبة، خاصة أولئك المنتشرون في معسكرات اللجوء في دول الجوار (أثيوبيا، جنوب السودان، تشاد)، واهمية القيام بحملات واسعة للتضامن معهم. كما يجب على القوى السودانية الوطنية وضع قضية النازحين واللاجئين ضمن أولويات الحلول الشاملة والدائمة لأزمات السودان المتعددة.
للاتصال: [email protected]
www.democracyfirstgroup.org