الخرطوم / صوت الهامش
(المقابر عندها حرمتها ) طالما كان السودانيون يرددون المقولة السابقة المستمده من الدين والفطر الإنسانية السوية .. فالمدافن هنا على مر العصور حظيت واحيطيت بهالة من القداسة لدرجة ان بعضها اتخذ كمزار للتعبد والتقرب لزفى ، وعلى ضوء ذلك أيضا سنجد ان المورث الحضاري للقدماء على هذه الارض غالبيته او لم يتبقى منه سوى بعض قبور متناثره لم تمتد إليها أيادي العابثين اتساقا مع المفهوم السابق ، ولكن ثمة مشهد جديد متسخ الملامح قد يفند وينتهك كل الأعراف والقيم المتعلقة بهذا الخصوص ، مشهد يهزم أول ما يهزم إنسانيتنا فالمطلع اوالمار بجوار المنطقة الصناعية الخرطوم سيكتشف مدى الإهمال الذي يحيط بمقابر اليهود هناك التي تحولت لتصير مكبا للنفايات ومخلفات السيارات كذلك وصل التعدي لتصبح مكان للتغوط والتبول كما أحاط سورها الخارجي محلات واكشاك يستغلها الميكانيكية في تخزين و بيع الاسبيرات علما بأنها على جميع نواحيها لم يتم تصديق اي محل تجاري رسمي .
مقبرة اليهود بالخرطوم تضم حوالي (٦٠) قبر ظاهريا يحكي سفرها التاريخي إنها وجدت قبل قيام المنطقة الصناعية عموما وأرجع البعض انشاءها لفترة التركية السابقة بينما ذهب آخرون بأنها تعود لفترة المهدية وأستند اؤلئك على كتاب يروي تاريخ اليهود في السودان بعنوان (أطفال يعقوب في بقعة المهدي) الذي كتبه كبير خاخامات الجالية انذاك (إلياهو سولومون ) . ولكن يظل الرأي السائد إنها اتت نتيجة تدفق اليهود الكبير للخرطوم عشرينات القرن الماضي و تشير بعض الأقاويل ان هنالك مقبر أخرى بامدرمان توارت عن الانظار وقليلون من يعرفون مكانها الان .
روايات عديدة تدور حول هذه المقبرة حيث تشيع بعض الاقاويل بأن أسر المدفونين بإسرائيل قاموا بالتواصل مع الخرطوم لنقل رفاة زويهم مقابل مبالغ مالية ضخمة الا هذا الطلب وقفا للرواية الشعبية وجد الرفض المتواصل من قبل حكومات الخرطوم المتعاقبة
وفي جولة ل(صوت الهامش) للمكان كشفت ان الحالة التي وصلت اليها المقبرة في الحقيقة لا تلقى اي استنكار من أغلب الاشخاص المحيطين بها والكارثة الكبرى ان بعضهم يربط بين ما تقوم به إسرائيل اليوم من احداث وكأنهم يبررون هذا بذاك .
الذين يرفضون هذا المنظر البائس ترتفع أصواتهم مطالبة بضرورة نقلها الى منطقة اخرى بحجة ان المكان اصبح غير ملائم كما انه يمكن الاستفادة من حيز الموقع الذي تشغله في انشاء بناء يستفيد منه الاحياء .مصطفى محجوب باحث ومهتم بالتاريخ والتراث الإنساني يقول ان القازوات التي امتلأت بها مقابر اليهود بالخرطوم تسأل منها الدولة ممثلة في الجهات التي تشرف على المدافن عموما بالإضافة الى الكيانات المهتمه بالآثار والتراث ويوضح انه من المفترض ان تقوم بوضع تدابير تحد التعدي والمساس بمقدسات أصحاب الديانات الأخرى ويضيف محجوب : ايضا يجب ان لا نغفل من توجيه صوت لوم للاصحاب المحلات حولها الذين يفترض بهم ان يكون اكثر حفاظا على حرمة المكان .
ويرفض محجوب نقلها الى مكان اخر و يناشد بالإهتمام بها أسوة بمقابر الاتراك بشارع البلدية . وفي سياق متصل يوضح محجوب ان مقابر اليهود لديها دلائل تاريخيه تؤكد على الاقوال التي ذهب اليه بعض المؤرخين بأن اليهود كَانُوا لهم أطماع مبكره في السودان وأنهم كانوا خلف تحريض محمد علي باشا بغزو جنوب الوادي الذي كان ضمن خياراتهم لاقامة وطن ، واشار محجوب الى ان الهجرات بدأت بالفعل وكانت لهم حركة نشطه في التجارة والصحافة وهذا المقبرة تعتبر من الاشارات الدالة على هذا التواجد .
في حديث سابق لوسائل الإعلام قال مدير منظمة حسن الخاتمة الاتحادية “عبد اللطيف سليمان همت” إن مقابر اليهود بالمنطقة الصناعية القديمة بالخرطوم موجودة منذ ما قبل إنشاء المنظمة، وفي إطار عملنا قمنا بعمل السور الحالي حيث كانت المقابر غير لائقة بحرمة الموتى، ونحن تعاملنا معها مثلها ومثل بقية المقابر سواءً أكانت لمسلمين أو لغير المسلمين، وهي مصنفة ضمن مقابر غير المسلمين، وساهم في تسويرها خيِّرون قبل (4) أعوام حيث وجدنا البعض يرمي فيها القاذورات.”. ووعد عبداللطيف بانهم سيلونها الاهتمام مجددا .
عموما يظل الإهمال قائما والنفايات تحيط وتزحف بكثفة نحو هذه المدفنه حتى توشك على حجبها تماما لذلك يجب على الدولة والخيرين من جديد المساهمة في ترميمها ونظافتها لان لذلك فيه احترام لانسانيتنا ومراعاة للحقوق الموتى .