بقلم عثمان نواى
ان زيارة حمدوك الأخيرة لامريكا تأتى فى وقت حساس بالنسبة للسودان وامريكا أيضا التى تعيش أكثر الحملات الانتخابية حدة منذ عقود. فى ذات الوقت فان المرحلة الانتقالية فى السودان تجاوزت فترة المائة يوم الأولى التى تعد فترة الاختبار المتوقعة للقدرة على الإنجاز او احداث تغييرات ملحوظة تؤهل المراقبين للتقييم سواءا كان فى الداخل او من قبل المؤسسات الدولية او أجهزة الدول المهتمة بالسودان مثل أمريكا. وكان رئيس مكتب المبعوث الخاص للسودان السابق كاميرون هدسون قد كتب مقالة تحليلية مطولة لزيارة حمدوك الأخيرة نشرت فى موقع المجلس الأطلسي للعلاقات الخارجية، حيث فصل نقاط هامة عديدة تحلل الراهن السودانى واحتمالات رفع السودان من قائمة الإرهاب والعقبات أمام هذه العملية إضافة الى قضايا محورية أخرى تتعلق بمصير الفترة الانتقالية فى السودان نستعرض بعضها من تلك النقاط التى نتفق معها فيما يلى.
فى اعتقاد هدسون ان مهمة حمدوك المتعلقة بامال رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب تعد مهمة شبه مستحيلة نسبة لعدد كبير من الأسباب ولكن اهم تلك الاسباب وأكثرها تعقيدا هو عدم ثقة الولايات المتحدة فى قدرة الحكومة المدنية على السيطرة على وتنفيذ عملية إصلاح هيكلى فى المنظومة الأمنية والعسكرية فى السودان. خاصة وان الاتفاق الذى أنشأ الفترة الانتقالية جعل على رئاسة هذه الفترة قيادات عسكرية تعتبر فى نظر الولايات المتحدة، قيادات مهددة للأمن والسلم ومسؤولة عن جرائم حرب مثل حميدتى و كثير من قيادات الجيش الحالية. حيث قال هدسون ان حتى الاقالات التى تمت مؤخرا لعدد من قيادات الإسلاميين فى الجيش لا تعنى ان هناك إصلاح حقيقي تم فى هذه المنظومة. هذا إضافة الى ان جهاز الأمن والمخابرات الذى يعد الشبكة الأمنية والاستخباراتية التى يقع عليها نظر أمريكا فى التعاون فى مجال الإرهاب، ورغم التقارير الايجابية عن ذلك التعاون الا ان أمريكا لا زالت لا تثق فى ان جهاز الأمن السوداني بعيد عن علاقات قديمة ظلت تربطه بالعناصر الإرهابية فى المنطقة الأفريقية شمال وجنوب الصحراء والشرق الأوسط . حيث ان الولايات المتحدة لازالت تعتقد ان المجال المفتوح من الحدود السودانية لازال يسمح بمرور حر للعناصر الإرهابية خاصة عبر صحاري السودان من الشرق الى الغرب الى الشمال. عليه فإن هناك تحديات حقيقية متعلقة بانعدام الثقة فى الأجهزة الأمنية السودانية ولكن الاكثر أهمية هو شكوك الولايات المتحدة فى قدرات المدنيين فى الحكومة الانتقالية على القيام باى تغييرات هيكلية فى المنظومة الأمنية والعسكرية تؤدى الى إعادة ترتيب الأمور بما يسمح للحكومة المدنية نفسها بأن تتحكم فى مسار الجيش والاجهزة الأمنية وان لا يتم تركها فقط الى القيادات العسكرية والأمنية التى لا تثق فيها او تعتبرها أمريكا مجرمة.
فى هذا الإطار فإن المدنيين فى السلطة الانتقالية للأسف يقعون تحت وطاة الوثيقة الدستورية التى وضعت كافة الإصلاحات العسكرية فى يد الجانب العسكرى من الاتفاق. وعليه فإن مهمة الحكومة المدنية فى نظر الولايات المتحدة فى اطار محاولة إصلاح وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية تعد شبه مستحيلة وفى ذات الوقت فان مصير صناعة جيش وطنى وأجهزة أمن واستخبارات تقع قانونيا تحت إشراف السلطة المدنية كما فى كل الدول الديمقراطية المدنية حول العالم تعد مهمة معقدة للغاية. حيث ان هدسون يعتقد ان الاتفاق على نقل السلطة وضع المدنيين فى وضع مساومة معقدة وبالتالى فان العسكريين الموجودين حاليا وجودهم ضرورى لبقاء الاتفاق نفسه ولذلك فان اى إزاحة لهم او تقليل او تغيير فى اداوارهم ربما ينسف الاتفاق الهش.
وقد تعرض هدسون الى نقطة شديدة الأهمية فى ذات النطاق تتعلق بمسالة العدالة حيث يعتقد هدسون ان الاتفاق أعطى العسكريين مساحة سوف تعرقل تنفيذ العدالة خاصة فى الجرائم التى إرتكبت فى مناطق النزاعات ،وخاصة ان رفع العقوبات المتعلقة بالانتهاكات فى مناطق النزاعات ترتبط مباشرة بتنفيذ العدالة. واول نقاط العدالة المطلوبة هى تسليم البشير وأعوانه المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، ولكن هدسون يؤكد ان التسليم لن يكون امرا سهلا وسوف يعارضه المكون العسكرى بشدة وربما يكون نقطة اختلاف تؤدى الى انهيار الاتفاق لان كل من حميدتى وبقية القيادات العسكرية تخشى من ذات المصير وايجاد سابقة تسليم البشير لن تكون فى صالحهم.
لذلك فإن الواقع الراهن حسب هدسون، يؤكد على ان رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب ربما يؤدى الى تحسين الأوضاع الاقتصادية مما يقوى موقف الحكومة المدنية، لكن هذه العقوبات نفسها هى عصا التهديد الأمريكية التى تقمع اطماع القيادات العسكرية الحالية فى الانفراد بالحكم. ولذلك فإنه يحذر من إمكانية انقلاب العسكر على المدنيين فى حال رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. لأن العسكر وقتها لن يحتاجوا الى المدنيين كما هم فى حاجة لهم لمساعدتهم فى التفاوض مع أمريكا لرفع العقوبات وبالتالى استعادة الدولة السودانية شرعيتها الاقتصادية الدولية الى حد ما. ولكن فى حال تم التحرر من هذا التقييد الامريكى الدولى فإن العسكر لن يعودوا بذات الحوجة لوجود المدنيين وقد يقوموا بانقلاب عليهم للسيطرة على السلطة.
باختصار فإن الولايات المتحدة ترى ان السلطة المدنية الحالية لازالت سلطة هشة تقع تحت تهديد انقلاب العسكر عليها فى اى لحظة. لذلك ينصح هدسون الإدارة الأمريكية بعدم رفع العقوبات لان ذلك ليس فى صالح السلطة المدنية نفسها لان وجود العقوبات يحميها فى الحقيقة من رغبة العسكر فى التخلص من المدنيين فى ذات الوقت ينصح بان تجد أمريكا وسائل لدعم الحكومة المدنية اقتصاديا دون رفع العقوبات وذلك حماية للسلطة المدنية الحالية. ان المرحلة المقبلة وخاصة الستة أشهر المقبلة سوف تكون حاسمة للغاية فى ما إذا كان للحكومة الانتقالية القدرة على الصمود وما اذا كانت فرص تقوية السلطة المدنية ممكنة، ولن يكون هناك عامل اكثر قدرة على صناعة التوازن من صناعة السلام وتوسيع قاعدة القوى السياسية الداعمة للسلطة المدنية حتى تستطيع عبور المرحلة وصناعة تكافؤ فى القوى العسكرية عبر اندماج الحركات المسلحة فى الجيش الوطنى الذى يجب إعادة هيكلته لإنهاء تهديد الانقلاب المحتمل.
[email protected]