بقلم عثمان نواى
ان الاتفاق الذى حدث للأسف لا يختلف كثيرا عن كل انهزامات احلام الانتقال الديمقراطي فى السودان عبر تاريخه منذ الاستقلال مرورا بثورات اكتوبر وابريل ١٩٨٥. وكل فشل النخب السودانية فى تحقيق وطن ديمقراطى يكون الحكم فيه للشعب السوداني فقط. كما أن هذا الاتفاق ليس سوى مجرد إعادة تأكيد لتحالفات طبقة الامتيازات والنخب التاريخية بين رجال المال والأعمال والعسكر والافندية – الذين أصبح اسمهم المهنيين فى عصرنا الحديث . فهذا اتفاق يعضد فقط هذه التحالفات ويحميها من ثورة شعبية جذرية حقيقية كانت جذوتها الاكثر ارهابا لهم هى مليونيات ٣٠ يونيو. والتى لم ترهب العسكر فقط لكنها ارهبت قبلهم كل تحالف الامتيازات التاريخية بما فيها الأحزاب السياسية التى طُرد بعض قيادتها من المليونية نفسها. عموما لمن لا يعلم فإن هذا الاتفاق لم يتم بالأمس، ولم تكن فقط جلستى التفاوض امس واول امس كانتا الحاسمتين.. بل ان الحسم الحقيقي حدث فى الاجتماع السرى الذى حدث فى منزل أنيس حجار رجل الأعمال المشهور ليلة المليونية اى فى يوم السبت ليلا. وما كانت عمليات افشال اى محاولات اعتصام من قحت نفسها الا لأنها كانت قد وصلت مسبقا الى ما اعلن عنه بالأمس.
والتعريف الحقيقي لهذا الاتفاق انه ليس عملية تسليم السلطة الى المدنيين كما كانت تطالب قوى التغيير وكما طالب الشارع ولاجل ذلك المطلب استشهد الشباب. بل هو “اتفاق مشاركة السلطة بين قوى الحرية والتغيير وبين العسكريين ” بما فيهم الجنجويد وقائدهم. اما فى اطار الاتفاق المعلن نفسه فإن ابسط التقدير له انه عبارة عن اتفاق انهزامى منبطح تماما للعسكر. فمجرد ان تكون الستة أشهر الأولى للعسكر فى الرئاسة للمجلس السيادى فان ذلك يلغى فكرة الانتقال للحكم المدنى اصلا. والكلمة الفصل هى للشارع والشباب الذى قاد الثورة وفى وعيه خلاص السودان واماله وليس فى المفاوضين ولا من فاوضوهم.. وما يثبته ما يحدث الان هو ان السودان فى حاجة الى بناء كيانات سياسية جديدة تماما متحررة من كل الارث التاريخى القديم لتحالفات السلطة الاحتكارية بين العسكر ورجال الأعمال ورجال الدين والافندية “المهنيين”، هذه النخب المدمنة تماما على الفشل ولذلك لم تستطيع تحمل هذه الثورة الشعبية الناجحة ولذلك أرادوا افشالها حتى يتعاطوا جرعتهم من الفشل الذى لايستطيعون العيش والاستمرار من دونه . ان مدمنين الفشل وهم يتخذون من تبريرات حقن الدماء غطاء لاتفاقهم يتناسون انهم اتفقوا اصلا مع القتلة فكيف يتم اتفاق مع قاتل على حقن الدماء وقد قالها رب العالمين ان القصاص هو الذى فيه الحياة ” يا أولى الالباب”.
ان مصالح الشعب السودانى ككل تصبح ثانوية فى سبيل استمرار تلك النخب الفاشلة فى احتكار السلطة لنفسها وعدم امتلاك الشعب السودانى لحكومته المدنية الديمقراطية التى تمثل مصالح الشعب السوداني وليس مصالح تحالفات النخب. ان الفائدة الوحيده من هذا الاتفاق هو ان الشعب السوداني الان أصبح يرى بوضوح كل الذين ليس من مصلحتهم تسليم السلطة للشعب. ولذلك ما تم الاتفاق عليه بالامس هو بالتحديد ” الاتفاق على عدم تسليم السلطة للشعب” فقد اتفقوا جميعا على ان يظلوا هم المسيطرين فى وجه شعب ثائر بحق يريد هذه المرة انتزاع سلطته وحقوقه كاملة . وبذلك على الشعب السودانى ان يتخذ قراراته واما الانكسار والانهزام لسلطة النخبة الفاسدة ل٦٠ سنة أخرى، واما ان يواصل ثورته عليهم جميعا وان ينتزع نجاح أحلامه فى الحكم المدنى من بين أيدى مدمنين الفشل والسكارى باوهام النخبوية والسلطة الأبدية.
[email protected]