وجهة نظر قانونية
في البدء اهنئي شخصي و الشعب السوداني العظيم بمختلف مكوناته بمناسبة النجاح النسبي للثورة الذي تحقق حتي الان و اتمني ان تكتمل الثورة بهدم ما تبقي من سلطة الا نقاذ سيئة الذكر في غضون الساعات القليلة القادمة حتي تحرر البلاد من براثن برابرة الالفية الثالثة و اعداء الانسانية
في الواقع لا استطيع ان اعبر عن مدي سعادتي اليوم و انا اتناول قلمي لابدي براي القانوني حول تسليم و محاكمة المتهم عمر البشير و اخرين امام المحكمة الجنائية الدولية
منذ الساعات الاولي لسقوط نظام الانقاذ بدأ يثور الجدل حول تسليم الرئيس المخلوع للمحكمة الجنائية الدولية, و قد انبري البعض يفتي في هذا الامر بعلم او بغير علم, كالذي حدث عندما اصدرت المحكمة المذكورة امر التوقيف بحق المتهم عمر البشير في العام 2009 حيث تحول ائمة المساجد و طلاب الخلاوي و منسقي ما يسمي بالدفاع الشعبي الي فقهاء في القانون الدولي يفتون بعدم اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق في حالة دارفور و اعتقد ان كل ذلك تم بتجنيد هؤلاء او نتيجة لتاثير الالة الاعلامية الحكومية عليهم, الان و قبل التقرير بشان تسليم المتهم عمر البشير و رفاقه الي المحكمة المذكورة ينبغي الاطلاع علي وثيقة الاتهام الصادرة منها حتي يكون الذين في موقع اتخاذ القرار علي بينة من الامر
موجز لائحة الاتهام
لاهاي، في 14 يوليو/تموز 2008
الحالة: دارفور، السودان
قام السيد لويس مورينو أوكامبو المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية اليوم بتقديم الأدلة التي تبرهن على أن الرئيس السوداني عمر حسن أحمد البشير قد ارتكب جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب في دارفور.
فبعد مرور ثلاث سنوات على طلب مجلس الأمن بالتحقيق في دارفور، واستنادا إلى الأدلة الدامغة يرى المدعي العام أن هناك مبررات معقولة للاعتقاد بأن عمر حسن أحمد البشير يتحمل المسؤولية الجنائية فيما يخص التهم الموجهة بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب.
وتبين الأدلة التي قدمها المدعي العام أن البشير قد دبر ونفذ خطة لتدمير جزء كبير من مجموعات الفور، والمساليت والزغاوة، لأسباب إثنية.
بتمعن النظر في الوثيقة اعلاها نجدها تحتوي علي جريمة الابادة الجماعية و جرائم ضد الانسانية و جرائم حرب, و بالرجوع الي القانون الجنائي السوداني لسنة 1991 و كافة القوانين السودانية الاخري لا يوجد نص يجرم الابادة الجماعية و بالتالي لا يمكن ان تجري اي محاكمة للمتهم عمر البشير او اي متهم اخر امام المحاكم السودانية اعمالا لمبدأ الشرعية, لا جريمة و لا عقوبة الا بنص
اما فيما يتعلق بالجريمتين الاخريتين ايضا لم تنص عليها في القانون الجنائي السوداني المذكور انفا بذات التصنيف الا ان هنالك نصوص ممكن ان تعالج بعض الجرائم كالقتل و الاغتصاب و الاذي لكن ما يلفت الانتباه الماد28 من قانون المحكمة الجنائية الدولية او نظام روما الاساسي حيث نصت علي المسئولية الجنائية للقادة و الرؤساء في حين ان المسئولية الجنائية في القانون السوداني فردية الا في بعض المخالفات ذات الطبيعة البسيطة و بالتالي لا يمكن ان يقدم المتهم عمر البشير للمحاكمة امام المحاكم السودانية الا بالاتهام علي التحريض في جرائم القتل و الاغتصاب
للسالف ذكره ادعم بقوة الراي الذي يرجح مصلحة ضحايا الحرب بدارفور و الذي ينادي بتسليم المتهمين الي المحكمة الجنائية الدولية و محاكمتهم امامهما كضمانة لجبر الاضرر التي لحقت بهم بسبب جرائم الابادة الجماعية و التطهير العرقي و الجرائم ضد الانسانية, هذا بالاضافة الي جرائم اخري كالنهب و السلب طالت ممتلكات و اموال الضحايا حولتهم الي فقراء معدمين نزلاء بمعسكرات اللجوء و النزوح, و بالتاكيد في ظل الازمة الاقتصادية الطاحنة التي تعاني منها البلاد, لا تستطيع المحاكم السودانية ان تجبر ضرر هؤلاء و ان حجزت علي كافة اموال و ممتلكات المتهمين, وبالتالي لا بديل للمحكمة الجنائية الدولية و بالاخص بعد السابقة المهمة لضحايا دارفور التي ارستها المحكمة المذكورة انفا عام 2012في قضية توماس لوبانغو,حالة الكنغو, حيث تعذر حجز اموال المدان الامر الذي ادي الي ان يتحمل الصندوق الاستئماني تعويض الضحايا, و هو صندوق انشأ بموجب المادة 78 من نظام روما الاساسي لسنة 1998
كما يثور رأي اخر مخالف للاول حول ضرورة محاكمة المتهم عمر البشير امام المحاكم السودانية بحجة ان المذكور ارتكب جرائم في مناطق اخري من السودان في حين ان المحكمة الجنائية الدولية خاصة بجرائم دارفور ثم يضيفون بان المبررات التي صيغت عند احالة احداث دارفور من مجلس الامن الي المحكمة الجنائية قد انتفت او بعبارة ادق سوف تنتفي باجراء اصلاحات علي القضاء السوداني, بالرغم من واجهة هذا الرأي الا ان الزمن قد تجاوزه حيث ان تحقيقات المحكمة الجنائية اكتملت قبل 10 سنوات عندما كانت الادلة حية و بالتالي اي تحقيقات جديدة مصيرها الفشل بسبب التقادم و طمس بعض الادلة, بالاضافة لذلك يعيب اصحاب هذا الراي علي المحكمة الجنائية الدولية انها لا تحاكمبالاعدام نذكر اصحاب هذا الراي ان المتهم عمر البشير قد تجاوز عمر ال70 عام و بالتالي عند الادانة باية جريمة خلاف القصاص و الحدود المحكمة ملزمة بتطبيق التدابير الواردة في المادة 48 من القانون الجنائي السوداني و اقصي ما فيها الحجز في احدي دور رعاية المسنين لمدة عامين او تسليمه لوليه
ايضا يوجد مقترح اخر منسوب الي تجمع المحامين الديمقراطيين لا ادري ما مدي صحة نسبته حيث يري هذا المقترح امكانية محاكمة عمر البشير و اخرين امام محكمة مختلطة او هجين من القضاء السوداني و المحكمة الجنائية الدولية و تطبق القانونين السوداني ونظام روما الاساسيمعا, من الناحية النظرية قد يكون هذا معقولا كحل توفيقي لكن من ناحية عملية قد تصطدم بعقبات كثيرة لان القانونالجنائي السوداني و اجراءاته غير مطابق للمعايير و المواصفات الدولية و بالتالي المشكلة ليست في الاختصاص فحسب, بل في القوانين السودانية
نخلص مما تقدم ان محاكمة المتهم عمر البشير و اخرين امام المحكمة الجنائية الدولية هي الوسيلة الوحيدة لجبر ضرر ضحايا الحرب بدارفور حتي يعود الضحايا الي سيرتهم الاولي
ابوطالب حسن امام
المحامي و المدافع عن حقوق الانسان
سويسرا