بروكسل _ صوت الهامش
قالت مجموعة الأزمات الدولية بأن خطاب الرئيس السوداني عمر البشير في مساء يوم الـ 22 من فبراير، كان محاولة لنزع فتيل الأزمة التي عصفت بإدارته، في أطول موجة من الاحتجاجات منذ عقود، إلا أن كلماته أغضبت المحتجين وقادت البلاد إلى مرحلة جديدة من الخطورة.
وأوضح تقرير صادر عن المجموعة المعنية بمنع الحروب وتشكيل السياسات التي من شأنها بناء عالم أكثر سلماً، أن إعلان البشير فرض حالة الطوارئ في مواجهة أخطر الاحتجاجات ضد حكمه الذي دام 30 عاماً، لن ينقذ نظامه المفلس.
وأشارت أنه وبدلاً من ذلك، يجب على قوات الأمن وقف العنف المتفاقم ، كما يجب على البشير التنحي، وعلى جميع الأطراف العمل على تشكيل حكومة انتقالية شاملة.
وتهكم التقرير على حديث “البشير” عن الحاجة للحوار، ثم أتبعه بإعلان حالة الطوارئ، والذي يضع المزيد من العقبات في طريق المحادثات والحوار، كما قام بحل الحكومة على المستوى الفيدرالي وعلى مستوى المقاطعات، وعيّن بعد وقت قصير من خطابه رؤساء الأمن لرئاسة جميع الولايات الـ 18 الإقليمية في البلاد، وهو ما يعد في الواقع سماحًا للقوات المسلحة بإدارة البلاد لمدة عام.
واستقبل المحتجون كلمات “البشير” بسخرية وغضب، وخاصةً في حديثه الذي بدى وكأنه تنازل في طلبه من البرلمان – الذي يهيمن عليه الحزب الحاكم- أن يؤجل النظر في التعديلات المقترحة على الدستور، والمصممة للسماح له بالترشح في عام 2020.
ولفت التقرير الذي وصف البشير – بالمحاصر- قد لعب بهذه البطاقة من قبل، ففي عام 2013 وبعد احتجاجات كبيرة من قبل طلاب الجامعات غير الراضين عن حالة الاقتصاد، وعد البشير بعدم الترشح للانتخابات في 2015 إلا أنه تراجع.
وعلى الرغم من أن مدير جهاز الأمن الاستخبارات “صلاح قوش” قال لوسائل الإعلام قبل خطاب الرئيس أن البشير سيستقيل من منصبه كرئيس لحزب المؤتمر الوطني، الذي كان من شأنه أن يستبعده كمرشح في عام 2020، إلا أن البشير لم يعلن ذلك.
وأوضح التقريرأنه ومن خلال تعليق الدستور ومنح الأجهزة الأمنية الدور الرئيسي في الحفاظ على النظام، شرع البشير في تمهيد الطريق لحوار غير متوازن رفضته المعارضة بالفعل، وهو ما يعتبر أيضاً بطاقة لعب بها البشير مسبقًا في عام 2013 عندما استخدم القمع الهائل ضد المتظاهرين، ثم دعى إلى إجراء محادثات مع المعارضة التي ضعفت بعد عام.
وأكدت مجموعة الأزمات الدولية على أن هذه ليست هي المرة الأولى التي يفرض البشير فيها حالة الطوارئ، حيث أعلن البشير وبشكل متكرر حالة طوارئ في عدة أقاليم منذ عام 2011 في محاولة لقمع الانتفاضات، وهذا يعني عملياً نشر مزيد من القوات – مع قيود أقل على سلوكهم حيث بموجب أحكام المرسوم ، يمكن لقوات الأمن أن تقوم بغارة أماكن العمل دون إذن قضائي والاستيلاء على الممتلكات كما يمنح الأمر السلطات سلطة حظر المنظمات دون تفسي- وإنشاء حواجز متعددة في محاولة للسيطرة على تحركات السكان المدنيين.
وبعد وقت قصير من خطاب الجمعة، أفاد شهود وناشطيين عيان بأن قوات الأمن المسلحة حاصرت مكاتب الأطباء – باعتبارهم المهنيين الأكثر نشاطًاً الذين شاركوا في الاحتجاجات الأسبوعية الداعية للتغيير وكانوا في طليعة الاحتجاجات- وأطلقتوا الغاز المسيل للدموع لإجبارهم على الخروج قبل اعتقال العديد منهم.
وأفادت “هيومن رايتس ووتش” أن قوات الأمن قتلت ما لا يقل عن 51 مدنياً منذ بدء الجولة الأخيرة من الاحتجاجات، حيث تعمل الشرطة السودانية وقواتها المسلحة المختلفة بالفعل بموجب قوانين متساهلة بشكل خاص، كما أنها تتمتع بالحصانة من المقاضاة، ومع بقاء ظهر النظام إلى الجدار، من المرجح أن تتصرف هذه القوات بوحشية أكبر.
ونوه التقرير الذي اطلعت عليه (صوت الهامش) ” بالرغم من أن موجة جديدة من القمع ضد المدنيين تمثل الخطر الأكبر في الأسابيع والأشهر المقبلة ، فإنها ليست الوحيدة. اتسعت الاضطرابات التي طال أمدها في الشقوق السابقة في نظام البشير”.
ووفقاً لمسؤولين لهم صلات وثيقة بأعضاء بارزين بالحزب الحاكم ، فقد سعى البشير من خلال حل الحكومة إلى استباق انقلاب محتمل من داخل حزب المؤتمر الوطني. في الواقع ، يبدو النظام أكثر انقساما مما كان عليه في الماضي. ويتردد أن الفجوة الأبرز بين المؤسسة العسكرية العليا (التي حاول ولائها البشير مواصلة زراعتها .
وأشاد التقرير بما أبداه معارضو البشير من مرونة غير متوقعة، حيث ينحدر المتظاهرون من خلفيات سياسية واقتصادية مختلطة، وقد تعاون المهنيون -لا سيما الأطباء والمهندسون- مع أحزاب المعارضة، والعديد من أعضاء الحزب الحاكم الأصغر سنًا، باللإضافة إلى ائتلاف من الطلاب الجامعيين الشباب المناهضين للنظام تم تشكيله في عام 2009.
وقال التقرير أن بعض الاحتجاجات الأكثر كثافة قد حدثت في معقل “البشير” وهو ما يعتبر تطور جديد وقوي، بسبب تذبذب النظام بين القمع والوعود بالإصلاح بما في ذلك إجراء انتخابات نزيهة في عام 2020، وهو ما لم يكن كافياً لوقف الاحتجاجات.
ولفتت الأزمات الدولية عن “البشير” يعرف أنه من الحكام الناجيين من الربيع العربي الذي ضرب المنطقة في عام 2011، كما أنه نجى من عدة محاولات للإنقلاب عليه أو الإطاحة به عن طريق الاحتجاجات، لكن التقرير يرى أن هذا التحدي الأخير لحكمه شديد ويأخذ بشكل خاص.
ويعود أسباب ذلك لافتقار البشير لأي أداة لإصلاح الأزمة الاقتصادية، ولا شريك خارجي مستعد لاستثمار المليارات التي يمكن أن تتسبب في استقرار الاقتصاد.
وبالفعل، فإن الرئيس وصل إلى الدوحة والرياض وأبو ظبي، وكذلك القاهرة وموسكو، لكنه لم يستخلص أكثر من الوعود الشفوية بالدعم. وعلى الرغم من اعطاء البشير اموالاً ضخمة في الماضي، وتمنيات بأن لا تسقط السودان في الفوضى، فإن الشركاء الخليجيين يفضلون عدم ضخ أموال في الخرطوم هذه المرة، لاعتقادهم أن الأزمة الاقتصادية هيكلية، وتتطلب تغييرًا جوهريًا في سياسات الدولة قبل بدء الانعاش.
وقد وصل وزير الدفاع القطري “خالد بن محمد العطية” الى الخرطوم قبيل خطاب البشير، لكن السلطات لم تصدر بيانا بشأن مضمون مناقشاته مع المسؤولين.
كما وصل كبير المبعوثين الأمريكيين “سيريل سارتور” – المساعد الخاص للرئيس الأمريكي والمدير الأعلى لإفريقيا في مجلس الأمن القومي – إلى الخرطوم في الأسبوع الثالث من فبراير للتشاور مع كبار المسؤولين في إدارة البشير.
ووفقًا لسفارة الولايات المتحدة هناك، كان من بين المواضيع التي نوقشت “العلاقات بين الولايات المتحدة والسودان ، بما في ذلك المخاوف من الاستخدام المتكرر للقوة من قبل قوات الأمن الحكومية السودانية لإخماد المظاهرات الأخيرة”.
وأختتمت مجموعة الأزمات تقريرها بالقول أنه من أمام عدد من الخيارات المتضائلة، اختار البشير طريق المواجهة، من خلال إعلان حالة الطوارئ ، ليركز السلطة أكثر بين يديه، ويفتح المسرح لحملة قمع دموية ضد الاحتجاجات.
ويبدو أن البشير يعود إلى النص الذي استخدم في عام 2013 عندما قتلت القوات شبه العسكرية المئات لإخماد احتجاجات كبيرة ضد النظام، وهو ما يتطلب جهدًا ضخمًا من القوى الخارجية التي يمكن أن تتخذ بعض الخطوات للمساعدة في منع هذا السيناريو الكارثي.