أ .محمود يوسف
مضت ستة وثلاثون عاما منذ إنشاء الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان، كتب من تعاطفوا معها في هذه الفترة الكثير من الشروحات عن اسباب قيام الحركة واهدافها، وبنفس القدر كتب كم هائل من الدعايات المضادة التي حاولت تشويه صورة الحركة، لكن فوجئ من ساروا علي ذلك النهج بالإستقبال الضخم الذي حظي به الراحل المقيم دكتور جون قرنق دي مبيور في ٧ يوليو ٢٠٠٥ ، عندما خرج سبعة مليون من سكان العاصمة القومية وضواحيها للإحتفاء بالقائد السوداني العظيم ذكر العارفون بالاحتفالات التي سادت وادي النيل بعودة بعانخي ظافرا من رحلة فتوحاته للاراضي المصرية [١] رغم الفتوي العنصري التي وزعتها هيئة علماء السودان علي جميع المساجد في ذلك اليوم ، وكنا مع تلفون كوكو ودعانا الاخ رابح عديل اخي مصطفي الذي كان معنا عليه رحمة الله ومغفرته. لقد اكتشف الشعب السوداني ان قرنق هو الشخص الوحيد الذي كان بمقدوره توحيد الشعب السوداني، لكن للمولي تعالي أحكام تعلو علي مفاهيمنا الدنيوية، فارتحل قرنق وانفصل الجنوب، فذبح الطيب مصطفي صاحب منبر السلام ثور اسود اللون كناية بالتخلص مما يربطهم بأفريقيا [٢]، واقتدوا بذلك بالاسبان الذين طوروا هواية مصارعة الثيران وقتله كناية بالتخلص من الافارقة السود الذين دخلوا الاندلس تحت قيادة طارق بن زياد عام ٧١١ – ٧١٨، ٢، ولم يحكم الاندلس فاستدعي الي بغداد حيث عاش ومات متحسرا من العرب وفهمهم الخاطئ للإسلام ، فتحولت الاندلس الي دولة عربية ثم سقطت عام ١٤٩٢ م [٣].
كان ما حدث من صراع في السودان هو مقاومة العنصر الافريقي محاولات الابادة وصراع من اجل البقاء، حيث اراد حسن بشير نصر واعوانه من العسكريين اثتاء حكم عبود حتي عام ١٩٦٤ علي محو الجنوبيين من الخارطة ، قال اللواء حسن بشير نصر “إذا كان لابد من ما ليس منه بد. فستضرم الحرائق في النبات والشجر والإنسان في الجنوب، ولن يبقى في تلك الأرجاء ديار، ولن تقوم بعدها لعقارب الأنيانيا السامة قائمة” [٤] . وطور النميري نمط التحكم، وأعاد البشير سياسة الارض المحروقة وإبادة العنصر الافريقي في جنوب السودان والنيل الازرق وجبال النوبة ثم دارفور [٥] ، كان هدف الدولة السودانية منذ الاستقلال، تكبيل ارادة العنصر الافريقي، مما ادي الي قيام عدة ثورات كانت اكبرها الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان، ولقد عمل الانقاذ علي تدمير قيم وكرامة الانسان الافريقي مع تصفية ومحاربة المثقفين في جبال النوبة ووضع الآخرين في معسكرات اشبه بالمعسكرات النازية، وحدث ذات البطش في جنوب النيل الازرق وجنوب السودان، كما عمل الانقاذ علي تغيير الجغرافية البشرية في دارفور بالتعامل مع التجمع العربي مما ادي كل ذلك الي حدوث الابادة واحلال مستوطنين جدد مكان السكان الاصليين. ومع كل ذلك البطش والتعريب كان هنالك شخصيات افريقية من جنوب السودان والنيل الازرق وجبال النوبة ودارفور ارتضت ان تكون مع آلة الإبادة والظلم ضد اهليهم، وقدموا كل ما لا يمكن تخيله لإبادة اهليهم ، فلم يجدوا سوي الإزدراء من شعبهم، احد هذه الاسر هي اسرة تاور في جبال النوبة، وكان دكتور صديق من اكثرهم كرها للمنضالين الشرفاء من ابناء جبال النوبة، ويعود ذلك للتوجهات التي عملت علي حجب الفروقات بين الفكر الإنساني والعنصري ، فعمل صديق تاور ضد اصوله ولسيادة “امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة” [٦]!
والمدهش ان حزب البعث رغم تحكمه في العراق عقودا ، فلقد وقع رئيس الجمهورية العراقية بتاريخ ٢٩/٩/٢٠١٦، قانون رقم ٣٢ لسنة ٢٠١٦، والمسمي ب “قانون حظر حزب البعث والكيانات والأحزاب والأنشطة العنصرية والإرهابية والتكفيرية” [٧].
ويعرف القانون العنصرية ب : – “السلوكيات والمعتقدات التي تعلي من شان فئة لتعطيها الحق في التحكم بفئة أخرى وتسلب حقوقها كافة كونها تنتمي لدين أو عرق ما ” [٧] لقد استولي حزب البعث العربي الاشتراكي على السلطة في العراق في 17/7/1968، ومارس العنصرية ضد الفئات والاقليات الاخري، لذلك فإن هذا التعريف يوضح الطبيعة العنصرية لحزب البعث الذي يعمل علي الاستيلاء علي السلطة في الدول العربية ومن ثم حظر الرأي الآخر وتحويل نظام الحكم فيه الي نظام عروبي يدمر فيه كل الاثنيات والثقافات الغير عربية ، فهذا الحزب هو امتداد لنهج الانقاذ ١ الذي عمل علي تعريب السودان [٨] وعندما فشلوا قرروا فصل الجنوب ، لذا فإن منهج هذا الحزب علي المدي البعيد هو إبادة العنصر الافريقي ، واذا اتوجد في السودان حكم ديمقراطي، فسيكون من الصعوبة استمرار مثل هذه الاحزاب. وما حدث في العراق من ابادة للشيعة ومحاولات ابادة الاكراد خلال عهد صدام لخير دليل علي عنصرية هذا الحزب ، لكن لماذا يدخل افريقي مثل صديق تاور في حزب البعث العربي الذي ينادي ب امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة [٦]؟
من الواضح ان انتهازية البعض في افريقيا منذ صغرهم قد قاد بعضهم للإشتراك في تجارة الرق ، فوجود هذه العقلية عند المرء تجعله يقوم بغرائب الامور، قد تؤدي به للانضمام الي حزب عنصري مثل حزب البعث العربي، فلقد انضم صديق للحزب منذ ان كان في المرحلة الثانوية، وهي المرحلة التي تتشكل فيها قدرة المرء علي فرز الافكار القيمة من تلك الطالحة، وتقدم الاسرة والمجتمع في هذه الحالة ما يعين المرء علي الاختيار السليم، لذلك يتحول السؤال الي، ما الذي يجعل الافريقي ينضم الي حزب يعمل علي سلب وتدمير هويته؟ اما ان يكون هذا الشخص انتهازي او غبي او متخلف فكريا، او جاهلا، لانه تم تعريف حزب البعث العربي الاشتراكي، علي حسب الويكبيديا علي الآتي: ان حزب البعث العربي الاشتراكي كان حزب سياسي تأسس في سوريا على يد ميشيل عفلق وصلاح البيطار وزكي الأرسوزي، وتبني الحزب مفهوم البعثية (وتعني “النهضة” أو “الصحوة”)، وهي خليط ايدلوجي من القومية عربية والوحدة عربية والاشتراكية عربية والإمبريالية. تدعو البعثية إلى توحيد الدول العربية في دولة واحدة. “.
يتضح من هذا التعريف ان حزب البعث هو معني بالاصوليين من العرب ، لذلك رفض الاكراد الدخول في ذلك الحزب، واخبرني استاذ كردي عراقي درس في جامعة الفاتح بطرابلس انهم يقاومون تعريبهم وتغيير هويتهم وضرب مثل لمقاومتهم بالنبتة التي بزغت في الحجارة ، كان ذلك عام ١٩٧٩، اي قبل ٤٠ عاما فإستجاب الله سبحانه وتعالي لدعائهم فأين البعث واين الاكراد؟
هذا نموذج لمقاومة شعب ومثلهم الأمازيغ، في شمال افريقيا ، وكما توضح هذه المقاومة، فإن هذه الشعوب كانت مؤمنة بقضيتها ، لقد علمنا التاريخ ان هنالك شعب انجليزي وشعب هندي وشعب عربي وشعب افريقي، لكل من هذه الشعوب خصائصه وتراثه ولغته وهويته، والتي هي جز من مكوناته، ولم نجد ان شعب يحاول تدمير هوية شعب آخر وجعله اسير للهويته الا الشعب العربي، وقد نغفر للافراد الغير متعلمين في انبهارهم وذوبانهم في القومية العربية، ولكن ان يكون هذا الشخص متعلما واستاذ جامعي وحامل دكتوراة في علم الفيزياء الذي يعتبر قمة الهرم العلمي، اوليس هذه هي ام الخيانة؟ لقد وصف الاجداد هذا البلاء بمقولة “القلم ما بزيل البلم،” ولكن الانكي والامر ان تقوم قوي الحرية والتغيير باختياره في المجلس السيادي، رغم انه كان مع النظام الذي نكل بإهله وشارك في الحملة الانتخابية للمجرم احمد هارون وسبب اضرار كثيرة للشعب النوبة، ومع كل ذلك ينبري ويدافع عنه تلفون كوكو ابو جلحة الذي كنا نظن انه علي قدر من العلم وروح الثورية والنضال تجعله ينأي بنفسه من الهبوط الي هذا الدرك، كتب احدهم في مجموعة الواتساب التي انا فيها، ان تلفون كوكو يدافع عنه، ففكرت مليا لماذا يدافع تلفون عن شخص خان شعبه ويعمل علي تدمير هويته؟ فقادني ذلك الي معرفة المجهول الذي لم نكن نود الخوض فيه حول شخصية تلفون كوكو .