تقرير: حسن اسحق
يدخل السودان عامه الثاني بعد سقوط حكومة الرئيس السابق عمر حسن البشير، تختلف الآراء والكلمات حول ما قدمته حكومة الفترة الانتقالية بقيادة قوي الحرية والتغيير والجيش، يعتقد كثيرون أن هذه الحكومة تحقيق الأهداف التي جاءت من اجلها، أبرزها الملف الاقتصادي، ووجهت تهم الي الاحزاب المشاركة بدأت تنتهج سياسة التمكين، وتستبدل تمكين انقاذي بتمكين (قحتاوي)، أما محللون يري العكس، انها حققت اشياء ملموسة، أبرزها، العودة الى حضن المجتمع الدولي.
هناك فشل في محاربة الفساد، ومحاكمة من مرتكبي مجزرة القيادة العامة، وقوي الحرية والتغيير أنها وقعت في فخ المشاركة مع الجيش، و تريد كرسي الحكم والتشبث به، يرفض اخرون مظاهر التبعية للخارج والتحالف مع الجيش، والمطالبة بمحاربة المظاهر الحزبية السالبة، والاشارة الى تلكوء إلى حكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك وترددها، وعملها الواضح بمبدأ المحاصصة البغيض.
ديمقراطية الأحزاب
يضيف الكاتب والصحفي صديق الزيلعي ’’ إننا لا نعادي الاحزاب، ولا نطالب بالغائها، لانه لا ديمقراطية بدون احزاب، ونعرف تماما ما تعرضت له الأحزاب خلال الانظمة الدكتاتورية المختلفة. ولكن الممارسة الراهنة توضح أنها لم تستوعب دروس الماضي، وها هي مظاهر التكالب و المحاصصات والتكويش والتبعية للخارج والتحالف مع العسكر تتم أمامنا، وحتى الأحزاب الجديدة التي توقعنا أن تقدم نموذجا مختلفا ظهر انها نسخة مكررة من الأحزاب القديمة، أما الحركات المسلحة التي ناضلت من أجل قضايا أهلها لسنوات طويلة، نرى انشغلت تماما المحاصصات‘‘.
يؤكد صديق انه يوجد مخرج وهو الصراع ضد كافة المظاهر الحزبية السلبية، وفي سبيل تطوير الأحزاب لتصبح أحزاب قوية وديمقراطية حقا وتملك برامج لتطوير الوطن، ويتم ذلك على مستويين: داخل الاحزاب نفسها، وفي الفضاء الوطني العام، ويؤمن بضرورة تصدي عضوية أي حزب لقضية تطويره وتقويته وجعله أكثر ديمقراطية، وطالب برفض سيطرة البيوتات، الانتخاب الدوري للقيادات وليس تعيينها ، فتح المجال للحوارات الداخلية حول مختلف القضايا، عقد المؤتمرات العامة الدورية، إعداد برنامج للحزب يطرح للجماهير وغيرها من قضايا الإصلاح والتجديد.
الخروج من حالة الصمت والمحاصصة في الائتلاف الحاكم
أشار الكاتب الفاضل عباس محمد علي ليس هنالك أي شك في أن حكومات حمدوك المتعاقبة، وحاضنتها السياسية ظلت تتلكأ وتتردد، والعمل بمبدأ المحاصصة البغيض، ولكن ليس ذلك مبرراً للعودة لظلام العهد الإخواني الشيطاني، وعهد بيوت الأشباح واغتصاب الرجال والنهب الخرافي الممنهج لموارد وأراضي بلادنا، عهد الفساد غير المسبوق في تاريخ السودان، بل وتاريخ الشرق الأوسط برمته.
واوضح الفاضل في الحقيقة، لن تحدث أي نكسة من هذا القبيل، وطالب بممارسة النقد الموضوعي والنقد الذاتي، ووجه رسالة نصح إلى رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، وقادة قحت مغادرة الصمت والصهينة، وعليهم أن يتوجهوا إلي جماهير الشعب بخطاب مطول ومفصل، شارحين فيه التحديات ونقاط الضعف (مثل كارثة المحاصصة وما ترتب عنها من سلبيات، ومثل تعطيل العدالة الانتقالية، وتوضيح خططهم وبرامجهم لما تبقى من المرحلة الانتقالية.
العودة إلى حضن المجتمع الدولي
تقول المحاضرة في جامعة الخرطوم تماضر الطيب ان الحكومة الحالية حققت الكثير من الايجابيات، ساهمت بعودة السودان إلى حضن المجتمع الدولي، وازالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وليس هذا وحده، هناك ملف تحسين العلاقات الاقليمية والدولية، يعتبر انجاز هذه الحكومة، ولم تنسي ايضا عملية توحيد الحكومة لسعر الصرف، وهذا يساعد الدولة في استقرار اقتصادها في القريب العاجل، وكذلك عملية السلام، ملفها حقق اشواطا كبيرة، واتفاق المبادئ الأخير، ابرز هذه الانجازات.
تشير إلى إخفاق وتباطؤ قوي الحرية والتغيير في العديد من الملفات، أبرزها ملف العدالة وضحايا مجزرة القيادة العامة، وحقوق الشهداء وفساد أعضاء النظام السابق، تقول ان ملف العدالة لم تتخذ فيه أي خطوات جادة حتى هذه اللحظة، والاحزاب المشاركة تجامل، وتتجاهل الاغراض التي قامت من أجلها الثورة، وتنصح الحكومة أن تحقق كل شعارات الثورة.
توضح تماضر أن هناك بعض العثرات في هذا الوقت، تعتقد انه طبيعي، بسبب السنوات الطويلة التي حكم فيها نظام الرئيس السابق عمر البشير، الانجازات خلال العامين، تعتبر انجازات ضخمة جدا، والسودان يتجه الي الاستقرار، وهذا التدهور الاقتصادي، وضع طبيعي، تسببت فيه النظام السابق، مشيرة الى الاوضاع قد تتحسن، عندما تكون هناك إصلاحات، والتنمية المتوازنة في كل أقاليم البلاد.
مساومة بين المجلس السيادي والمدني
الناشط السياسي خالد ادم يشير الي ان بعد سقوط الحكومة السابقة التي كان يقودها الحزب المحلول المؤتمر الوطني، ان قوى الحرية والتغيير التي تشكل الائتلاف الحاكم الآن، أنها وقعت في فخ المشاركة مع الجيش، يعتبر أن المشاركة خصمت من الأهداف التي قامت عليها الثورة، واتهمها انها تريد كرسي الحكم والتشبث به، اكثر من التغيير نفسه، وكل هذه العوامل إلى عدم انسجام بين المكونين في الحاكمين في الفترة الانتقالية.
يرى خالد أن الحكومة لم تنجح في إدارة الاقتصاد، وأين تجد حلول لصفوف الخبز والبنزين؟، وأن أسباب ذلك ترجع إلى عدم وجود رؤية لإدارة الحكم، وفي حال استمرار التدهور الاقتصادي، ربما يخرج السودانيين مرة اخرى الشارع ضد هذه الحكومة، وألمح أن التمكين الجديد الذي تقوم به هذه الأحزاب، وهذه العوامل تخصم من الثورة التي أسقطت نظام حكم 30 عاما.
قوي الحرية والتغيير تعرقل مسار الثورة
وأشار عبدالسلام نورين القيادي الشاب في الحركة الشعبية- شمال بقيادة عبدالعزيز ادم الحلو ان المجموعة الحاكمة في البلاد، اتفقت على هدف واحد اسقاط نظام الرئيس السابق عمر البشير، الا انها اخفقت في إسقاط السودان القديم، ويعتقد أن ليس لها المصلحة في ذلك، تريد أن يبقى الوضع كما هو عليه، وترفض عملية التغيير الجذري، لذلك تسعى بتكرار على المتاريس التي تعرقل أي مسار التغيير في السودان، التي يقودها رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال، بقيادة عبدالعزيز ادم الحلو.
ويتهم عبدالسلام الأحزاب العقائدية من العروبيين والإسلاميين، التي يصفها بأحزاب السودان القديم، وايضا الجيش، اوضح انه يضعون عراقيل، ولم يقف الأمر عليهم وحدهم، اشار بأصبع الاتهام إلى أجسام الجبهة الثورية الموقعة على اتفاق سلام جوبا، مبينا ان ليس قاعدة شعبية تنطلق منها، يعتبرها تمثل فقط مكونات قبلية، ولا تملك الشجاعة على طرح قضايا الأساسية التي سببت الصراع في السودان، يبين انها تريد الاكتفاء بالمحاصصة مع المليشيات، لذلك الآن اصبحت جزء من الازمة.
يوضح عبدالسلام ان الثورة فشلت في تحقيق الحرية، وقمع السلطات ما بعد الثورة، يستمر في قمع الحريات، وقادة التطرق العقائدي يسيطرون على عقول العامة من المواطنين، والحكومة الحالية ترفض أي عمليات الإصلاح، وتشوه فكرة العلمانية، التي يعتقد انها تعمل على إتاحة الحريات الفردية والجماعية، والفشل في تسليم مرتكبي الابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية في دارفور إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، في ظل هذه الأوضاع، يضيف عبد السلام أن الجيش والمليشيات هي من تتخذ القرارات الكبيرة في البلاد.
فوضى الاسعار
في ظل هذا التوتر والخوف من الحاضر والمستقبل، يظن سيف النصر جابر أن حكومة الثورة قامت بأشياء ممتازة في فترة توليها مقاليد السلطة، أولها استطاعت قوى الحرية والتغيير الانفتاح على العالم الخارجي بعد سنوات من الانغلاق الداخلي، وثانيا النجاح النسبي في ملف السلام، يقول لكن هناك فشل باين للعيان في الملف الاقتصادي، هذا الفشل قاد إلي فوضي في الأسواق السودانية، وتجليات ذلك معاناة المواطن السوداني المتكررة كل يوم، يبدو أن الأمل في هذا الجانب بات ضئيلا للغاية.
يضيف كذلك أن حكومة الفترة الانتقالية أهملت قضية توفير الأمن للمواطن السوداني، وانعكس ذلك سلبا على حياتهم، وأبرز مثال للفشل الأمني، داخل العاصمة السودانية نفسها، حيث نشطت عصابات خطيرة، تهدد حياة المواطن وتقتل الطلاب داخل أسوار الجامعات، حتي قيادات كبيرة تتعرض لهذا النوع من المخاطر الامنية، ويطالب الدولة ان تعطي أولوية لتطوير اقتصاد السودان، وثم الاهتمام بالإنتاج المحلي.