بقلم عثمان نواى
فشل الساسة والمفكرين والباحثين والمثقفين السودانين وحتى الأجانب العاملين فى شئون السودان فى إيجاد إجابة شافية لهذا السؤال منذ سقوط الإنقاذ. وهو أحد الأسباب الرئيسية لحرب اليوم. كذلك فشل القوى السياسية والمدنية والقيادة العسكرية أيضا فى وضع تصور لكيفية التعامل مع نمو الدعم السريع هو أحد أسباب الحرب بكل تأكيد. كما أن اغراق الكثير من أوراق وكتابات السياسيين فى مصطلحات مثل “الإصلاح الامنى” والعسكرى دون تحديد تصورات عملية لكيفية تطبيق هذا الإصلاح هو مشكلة اساسية من أسباب الحرب. من ناحية أخرى فإن الحديث المكرر عن الجيش الوطنى الواحد وأهمية الدمج هو قضية محورية ولكنها كانت نقطة انفجار الحرب نفسها، نسبة للتعامل السطحى والخالى من المسؤولية تجاه هذه القضايا الحساسة والجوهرية لاستقرار الدولة .
وليس هناك اى من القادة السياسين السودانيين لديه اى أفكار واضحة او خطة فى اى من القضايا المتعلقة بمصير الدعم السريع لا قبل ٥ سنوات ولا الان. وغياب هذه الرؤية العملية الواضحة هو الذى يجعل الوصول إلى حل سياسي للحرب الراهنة امر ضبابي وغير مرجح. بل ما يمكن الوصول اليه هو صفقات معتمدة على أوضاع عسكرية وسياسية لحظية قد يتحكم فيها مصالح خارجية لدول أخرى او مصالح شخصية لأفراد أكثر من ان تتحكم فيها مصلحة السودان وشعبه ومستقبله . لحظية تلك الصفقات سوف تجعلها هشة وقابلة للانهيار مع اى خلل فى التركيبة التى فرضتها او مصالح الجهات الراعية لها.
وضيق الخيال السياسي السودانى فى كيفية استيعاب اوكيفية حل أزمة الدعم السريع هو نفس ضيق الخيال الذى ضيق على السودان خيارات التعامل مع ازمات عديدة من حرب الجنوب إلى حرب دارفور وجبال النوبة والان الحرب مع الدعم السريع. فلم يتمكن الفاعل السياسي السودانى من اجتراح حلول ولم يتمكن من صناعة رؤية تخرجه من تلك الازمات. وكان قطع الجغرافيا الذى حدث بانفصال الجنوب هو هروب من محاولة الحل وليس الحل.
الان الوضع مع الدعم السريع مختلف، فليس للدعم السريع جغرافيا ثابتة يمكن قطعها للتخلص منه. وان كانت دارفور تعتبر مصدر نشأة الدعم السريع، الا ان كل دارفور لا تنتمى للدعم السريع، وعانت دارفور وأهلها أكثر من اى منطقة من الدعم السريع. كما أن اندلاع الحرب فى الخرطوم جعل قطع الجغرافيا غير مجدى. ولكن تظل تلوح الان فى الافق سيناريوهات ليبيا واليمن، حيث فرضت الأوضاع على البرهان تبنى بورتسودان عاصمة بديلة، وتقبل هذا الواقع ولو بشكل مؤقت هو بذرة سيناريوهات عاصمتين وربما دولتين.
ولقد كان الدعم السريع دولة داخل الدولة، بإمكانيات مالية عالية وتمدد فى السيطرة على السلطة الإدارية وصل حتى استخراج الجوازات لملايين كما صرحت وزارة الداخلية مؤخرا، قبل أن تنفى تصريحها! . واستمرار الدعم السريع في الوجود رغم الخسائر العسكرية الكبيرة خلال الشهور الماضية هو دليل على مدى توسعه وانه يهدد بقاء السودان كدولة موحدة . هذا ناهيك عن الامتدادات القبلية والعشائرية للدعم السريع.
ومن الأمور المثيرة للقلق هو استمرار العمليات العسكرية للدعم السريع فى غياب شبه كامل لقائده منذ الشهر الأول للحرب. وضعية انعدام القيادة الموحدة والمعروفة للدعم السريع داخل ال دقلو او خارجها مقبل الايام يهدد بالتعامل مع مراكز قيادة متعددة او قيادة خارجية ربما، فى كلا الحالتين، فإن المنظومة السياسية السودانية سوف تجد صعوبة أكبر فى الوصول إلى حل سياسي فى غياب حميدتى او فى حال نشأة قيادات متعددة. سيناريو القيادات المتعددة نتج عن استعانة الدعم السريع بكيانات قبلية ومجموعات من داخل وخارج البلاد مما يجعلها قوة لا تخضع لأوامر راسية.
تعدد القيادة واستمرار الدعم السريع كمليشيا رغم غياب راسها، له علاقة بتاثير الحرب على الحاضنة الاجتماعية للجنود الذين تانى منهم غالبية قوات الدعم السريع. وتولد شعور بالحاجة لحماية الذات لدى بعض الحواضن جعل استمرا أبنائها فى القتال هو معركة بقاء فى حد ذاتها، ناهيك عن شعارات الدعم السريع الأخرى. واى حل سياسي لا يمكنه الهرب من التفكير فى تلك الحواضن وأسباب دعم بعضها للدعم السريع وعدم دعم البعض أيضا له أهمية فى تشكيل المستقبل السياسي للسودان.
ان الحسم العسكرى بعد ٥ أشهر من الحرب لازال بعيد المنال، واذا كان للجيش القدرة على تكرار سيناريو إثيوبيا فإن ذلك كان ممكنا لو ان الحرب كانت خارج الخرطوم. لان تعبئة إثيوبيا لشعبها حدثت حماية للدولة من دخول التقراى إلى أديس قبل عامين. الان الدعم السريع مسبقا فى الخرطوم. وسيناريو اليمن عندما احتل الحوثيين صنعاء واستولوا على الدولة لم يكتمل للدعم السريع. لان الجيش لازال متواجدا فى الخرطوم. رغم انه يدافع عن معسكراته والمناطق المحيطة بها بشكل أساسي.
ان الوضع السودانى متشابك ويكاد يعتمد فى تغييره نحو اى اتجاه على الحظوظ والعوامل الخارجية أكثر من الداخلية،رغم ان عوامل داخلية قد تحدث اختراقات سلبا او إيجابا. مثلا نشوب صراعات داخل القيادة المتعددة للدعم السريع قد تسرع من هزيمته عسكريا. كما أن حدوث انقلاب داخل الجيش قد يؤدى إلى تحقيقه انتصارات او هزيمته أيضا.
فى كلا الحالتين السودان وصل إلى مرحلة حكم المليشيات التى كان يخشاه الجميع منذ توقيع الوثيقة الدستورية، دون إيجاد خطة عملية، وليس مجرد لغة انشائي، حول إصلاح الجيش ودمج المليشيات.
الواقع انه لااحد يمتلك خطة ولا احد لديه إجابة على سؤال ماذا نفعل بالدعم السريع الان كما هو الحال بعد الثورة. حيث لم يكن لدى احد خطة للتعامل مع جهاز الأمن بعد سقوط البشير. وكانت العملية العسكرية لهيئة العمليات اوائل عام ٢٠ هو دليل على فوضي كبيرة فى الرؤى. ومن السخرية ان الدعم السريع هو الذى سيطر بشكل كبير على تمرد هيئة العلميات وقتها.
ولكن الخطوة الأولى نحو إيجاد إجابة السؤال حول مصير الدعم هى الاعتراف بعدم معرفة الإجابة. وعدم ادعاء معرفة زائفة. والكف عن المراهنة على المجهول من قبل القوى السياسية التى لم يكن لديها حل بالأمس وليس لديها حلول اليوم. ستكمن معظم الإجابة عن هذا السؤال فى التواضع والاعتراف بالجهل بالحل والاستعداد لايلاء المسألة لأهل العلم والتخصص للبحث الجاد وايضا لأهل المصلحة من مواطنى السودان بمختلف مكوناتهم لكى يسهموا معا فى إيجاد حل يحمى البلاد وأهلها ومستقبلها ولا يحمى مصالح خارجية او مصالح ومطامع أفراد فى السلطة. وبين الجدل السطحى والمحصور فى الكلمات وليس الأفكار بين البلابسة والحرابلة، تضيق فرص السودان الحقيقية فى إيجاد حلول تنهى الحرب وتحفظ الوطن وترحم هذا الشعب المكلوم.