لم تكن المأساة التي تدور رحاها الآن في ولاية غرب دافور حاضرة الجنينة وتحصد العشرات من الأرواح البريئة من كل حدب وصوب هي طفرة فجائية؛ بل حالة معلومة الأسباب والنتائج، وهي تتجدد من وقت لآخر لذات المسببات، إما لجريمة ذات نزعات فردية لشخصين يتشاجرا في محل ست الشاي أو لاي سبب آخر تؤدي لإزهاق روح أحدهما، وهذا امر طبيعي يمكن أن يحدث في أي تجمع بشري تحكمها علاقات الانسجام أو التناحر، ويكون الفيصل هو الاحتكام لسلطة القانون في أجهزتها العدلية والقضائية التي من أجلها وُجدت.
وليس خاف على الجميع، أن التدابير الوقائية الأمنية أولي من التدابير والإجراءات اللاحقة لاستتباب واسترداد الأمن والطمأنينة ؛لان كان بمقدور السلطات الأمنية بالجنينة اتخاذ ما يلزم من التدابير الاحترازية لحيلولة دون وقوع ما يحدث الآن من الفوضى الأمنية ولا سيما أن هنالك حالات مماثلة وبذات السيناريوهات بل تكاد تكون نمطا منتظما لارتكاب الانتهاكات ،وقد نما لعلم السلطات الرسمية بالولاية بحادثة قتل مواطن طعنا بالسكين إثر شجار شخصي ، وقامت بالقبض علي الجاني واتخاذ الإجراءات القانونية في مواجهته ،وبما أن السلطات وما تتوفر لديها من قاعدة معلومات وتجارب سابقة أن مثل هذه الحالات تؤدي الي الانزلاق الأمني ،فكان يجب عليها أن تتخذ كل التدابير الاحتياطية والوقائية لمنع وقوع الجريمة وذلك بنشر القوات الأمنية في وحول مسرح الجريمة ،وخاصة تأكد وجود تجمهر لأفراد يحملون السلاح خارج الأطر الرسمية للدولة ،وسبق بذات السيناريو ارتكاب انتهاكات واسعة المدي لحقوق الإنسان في وحول معسكر كرندق للنازحين ،ولكن بتوافر كل هذه المعلومات لم تتحرك القوات النظامية بفرض هيبة الدولة بل تواطأت وساعدت علي ارتكاب الانتهاكات ،وقد ذكر الوالي نفسه ، وبما انه رئيس اللجنة الأمنية بالولاية ، والذي يحق له توجيه واستصدار أوامر للجيش وجميع الأجهزة النظامية الأخرى بغرض حفظ الأمن والطمأنينة بالولاية ، إلا أن الأمر المحير والمحزن في الوقت ذاته، ذكر؛ انه لم يكن هناك استجابة فورية من قائد الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى للتدخل في احتواء الموقف علي الرغم من منحه لهم سلطة استخدام القوة لحسم التفلتات الأمنية بالولاية ،وهنا يثور سؤال جوهري ،لماذا تكون الأجهزة العسكرية والأمنية بالولاية رهينة توجيهات العصابة الإجرامية المتمثلة في المجلس العسكري بالخرطوم ؟ وماذا تريد من انتشار الفوضى والهلاك بالولاية؟ وما معني وجود سلطة بالولاية لا تستطيع القيام بمهام ادني واجبات الدولة التقليدية وهو توفير الأمن والاستقرار للمواطنين؟
بصرف النظر عن القوة العسكرية المتواجدة في المنطقة ،فان الأجهزة الشرطية والأمنية من صميم واجباتها مكافحة الجريمة بكل أشكالها ،وبما أن مسالة استخدام القوة اللازمة في مواجهة ظاهرات حمل السلاح غير المشروع وممارسة الإرهاب والتخويف للمواطنين ولأجهزة الدولة بشكل علني امر لا يحتاج لاي إذن ، فيستطيع ضابط الشرطة أن يستخدم القوة حتي دونما الرجوع لأخذ الإذن من وكيل النيابة في دائرة الاختصاص ،كون أن يحمل المواطن السلاح ويمارس كل صنوف الانتهاكات ولمدي يومين متتالين علي مسمع ومرآي السلطات الرسمية يشير الي اقصي درجات غياب وتآكل الدولة ،وكون وجود سلاح غير مشروع علي يد المواطنين وفشل الدولة في نزعها هي مكمن الخطورة الاجتماعية وعامل الأساسي في الفوضى.
كون تبرير قيادة الجيش بالمنطقة علي عدم تلقي تعليمات من المركز باستخدام القوة يفتح نقاشا كبيرا ليس علي مستوي ولاية غرب دافور بل علي نطا ق إقليم دافور كله ،هل يمكن التعويل علي هذه الأجهزة العسكرية في أمن واستقرار الإقليم أم هناك إمكانية لتأسيس جيش إقليمي يتمتع بسلطات وصلاحيات واسعة لا تكون رهينة لأهواء وأمزجة السلطة المركزية في الخرطوم ،وتحدد الإقليم طريقة إدارته وتسليحه وتدريبه وله ميزانيته الخاصة من موارد الإقليم ،ويكون لولاة ولايات الإقليم سلطات واسعة في استخدام هذه القوة العسكرية والأمنية لأغراض الأمن والحماية .
عبد العزيز التوم
[email protected]