الرحمة والمغفرة لشهداء الموت المجاني بالجنينة دار اندوكة، مسؤولية الامن تقع على عاتق الحكومة من البرهان نزولاً لاصغر شرطي بحي اردمتا، وما بين المسؤول العظيم والجندي الصغير يوجد وزير الداخلية ورئيس جهاز الأمن والمخابرات والوالي، ولا يوجد منطق يسند الرامين باللوم على الموقعين على اتفاق السلام لأنهم لا يشغلون منصباً تنفيذياً حتى هذه اللحظة، وتصريحات الدومة كوالي شابها كثير من الخلط وعدم المهنية والتخبط، اذ انه كاد أن يدخل البلاد في ازمة دبلومساية مع دولة جارة بتصريحه الفطير حول دخول مواطني هذه الجارة للاراضي السودانية واشتراكهم في الاقتتال الذي دار، وتأزيمه للاحتقان القبلي باستخدامه لكلمة (عرب) في وصفه لاحد ضحايا الشرارة الاولى لهذه الحرب اللعينة، ما كان يجدر برجل يمثل اعلى سلطة بالولاية ان يزج بمثل هذه المفردة التنميطية في وصف المواطن السوداني الجنيناوي، الطريقة التي تعامل بها الوالي مع ملف ازمة الجنينة الاخيرة تستوجب اقالته، على الرغم من انه سوف يقال قريباً بحكم التكليف الذي اتى به الى مدينة الجنينة والياً، ووصف مراقبون التصريحات التي ادلى بها الدومة انها صبت الزيت في نار الفتنة التي حصدت العشرات من الارواح.
المؤامرة وارهصاتها لا تخلو منها الكارثة الانسانية التي اصابت هذه الولاية الخضراء، فهناك الكثير من التشعبات والتداخلات التي لابد وان تلقي بظلالها على المشهد الانتقالي وصراعات النفوذ التي احدثتها اتفاقية جوبا للسلام، فتجاذبات المكونات القبلية والعشائرية للفاعلين السيايين في الاقليم عموماً لها اثرها البالغ في حدوث هذه الكارثة المؤسفة والمحزنة، لكن هذا لا يمكن بأي حال من الاحوال ان يعطي مبرراً للمسؤولين الحكوميين للتذرع برواسب الغبن العرقي الموجود اصلاً في نفوس المواطنين، فحق الناس على ولي امرهم الاطعام من الجوع والتأمين من الخوف، ومحاسبة الاجهزة الامنية والعسكرية المقصّرة من واجبها في الاستجابة لوضع حد فاصل بين المحتربين، وتقديم الضالعين من افراد هذه القوات في الاصطفافات القبلية لمحاكمات عسكرية سريعة يكون الاعدام رمياً بالرصاص اقل ما يجزى به فاعل هذا الجرم المنكر الشنيع، المستخدم لنفوذه السلطوي في تأجيج نار الفتنة ومخالفة القوانين الوضعية والشرعية باستعماله لبندقية الحكومة في قتل المواطنين العزل، ماحدث بالجنينة مقدمة لسيناريو قاسي وفظيع بدأ المجرمون رسم ملامحه، والتحدي الاكبر سيكون من نصيب حاكم الاقليم الموحّد الذي سيأتي من صميم حركات الكفاح المسلح التي رفعت راية العدالة والمساواة وتحرير الانسان.
الاقليم برمته يفور ويمور بالسلاح غير المرخص وبالمتفلتين والخارجين عن القانون، وبرفقاء الكفاح المسلح غير المنضوين تحت لواء اتفاق السلام، المتفلتون يمكن حصرهم واستئصالهم من تراب الاقليم عن طريق القوة الرادعة لقوات حفظ السلام المشتركة، اما الرفاق القابضين على زناد بنادقهم سيكونون القشة القاصمة لظهر بعير السلطة الانتقالية للاقليم الموحّد اذا لم يلحقوا بركب السلام، فايما سلطة حكومية موجودة على سطح البسيطة لا تتسامح مع التمردات المسلحة، وهذا هو المتوقع حدوثه وذلك لسبب واحد هو عناد الطرف المسلح الرافض لوثيقة جوبا برمتها ومعه حلفاء آخرين، ستجد حكومة الاقليم الموحّد وحكومة الانتقال المركزية نفسيهما في مواجهة عسكرية لا مفر منها مع المتمردين رفقاء درب الامس، وذات السيناريو سيحدث بجبال النوبة وسوف يرفع الكباشي وتاور البندقية في وجه الحلو المتمرد استجابة لمطلوبات السلطة المركزية التي اصبحوا جزء منها، تماماً مثل الحرب مع اثيوبيا التي فرضها المكون العسكري على المكون المدني اكراهاً، ففي عالم الساحرة الخبيثة لا مكان لاصحاب النوايا الطيبة والقلوب البيضاء، نفس المآلات التي جعلت جبريل ومناوي يضعا يديهما على يد حميدتي، بعد ان كانوا جميعهم يجوسون خلال الديار بحثاً عن بعضهم البعض ليقتل كل طرف الآخر، ستفرض هذه المآلات نفسها على مناوي وتجبره على أن يقاتل عبد الواحد.
الحال المأزوم الذي نشهده اليوم لم يكن يخطر على بال الشاغلين لكرسي الحكم الانتقالي، لم يكن أحد منهم يدرك عظم الواجب الوطني وثقل التكليف السلطوي الا بعد اعتلاء ظهر الاسد والامساك باذنيه، ولم يكن الانقاذيون عديمي حيلة سياسية ولا ناقصي حنكة قيادية ولم يكونوا فاقدين للكفاءة المهنية، لقد كان فيهم الطبيب والمهندس والضابط الاداري والخطيب المفوّه والدبلوماسي الانيق، لكنهم فشلوا في تشخيص المرض لذلك حقنوا الجسد السوداني بالعقار الخطأ فسالت الدماء ومازالت في كل ربوع الوطن الحبيب، اعتمد الانقاذيون على العلاج بالرقية الدينية ففشلوا وقبلهم جرّب اللينينيون لقاح موسكو فذاقوا الامرين، وحاول تلاميذ الاستاذ محمود على سبيل النظرية تقديم طرحهم القائم على ذات الرقية الدينية التي اعتمد عليها الانقاذيون، لكن عصفت رياح التنافس بين الرقيتين بزعيمهم الأوحد، وفشل احفاد الامام ومريدي ابي هاشم لولوجهم السياسة من باب الطريقة الصوفية، اما المولعون بناصر وعفلق فقد فقدوا الهوية واصبحوا غرباء في اوطانهم، الطريق الصحيح وهو تقديم الخدمات وليس الاعتماد على الدعوات، ومدخل الباب الفسيح هو تأمين المواطن في حله وترحاله لا ترويعه، والقول الصريح أن يحصل المواطن في حلفا والجنينة على (قفة الملاح).
اسماعيل عبد الله
[email protected]
22 يناير 2021