د. فيصل عوض حسن
شاهدتُ مقطع فيديو لياسر العطا، عضو ما يُسمَّى مجلس سيادي، دعا فيه للمُحافظة على القُوَّات المُسلَّحة، وحماية السُّودان من الانهيار والتَشَقُّق القَبَلي والتَشَتُّت الشعبي، واصفاً بعض الكيانات بـ(العُنصُرِيَّة) التي يجب إخمادها، وأنَّهم في القُوَّات المُسلَّحة لا يعترفون بتلك الكيانات، مُؤكِّداً على أنَّ الإدارة الأهلِيَّة لإصلاح ذات البَيْن والجُودِيَّة، ومن يُريد أن يكون سياسياً عليه الانضمام للأحزاب السياسِيَّة.
العطا ورئيسه البُرهان آخر من يتحدَّثون عن القُوَّات المُسلَّحة أو سيادة السُّودان، أو العُنصرِيَّة والاصطفاف القَبَلي/الجِهَوي. فالقُوَّات المُسلَّحة تمَّ تدميرها عبر البشير وعصابته الإسْلَامَوِيَّة وأزلامهم أمثال العطا، بدءاً باستبدال عقيدتها وتنميط أُسُس الانتساب إليها، وانتهاءً بتحوير مهامها الأصيلة ومعايير الترقي فيها، وسحب سُلطاتها لمصلحة المليشيات المُختلفة، كالأمن الشعبي والطُلَّابي والدفاع الشعبي والجنجويد وغيرهم. وتمَّ تدمير القُوَّات المُسلَّحة حينما أشركوها في جرائم الإبادة الجماعِيَّة ضد السُّودانيين، وإدخال الجيش في دائرة (الارتزاق) الخارجي! وعقب اختفاء البشير وعصابته، ولا أقول (سُقُوطهم)، لأنَّهم ما يزالون يحكمون البلاد عبر أزلامهم البرُهان ورُفقائه، أُهْدِرَت كرامة الجيش أكثر وأصبح عاجزاً تماماً عن حماية السُّودان (الأرض والشعب)، ودونكم المجزرة البشعة التي جَرَت أمام القيادة العامَّة، واكتفاء ضُبَّاط وجنود الجيش بـ(الفُرجة) على قتل واغتصاب وقمع السُّودانيين، بعدما حَبَسَتهم المليشيات الإسْلَامَوِيَّة/الجنجويديَّة داخل ثكناتهم! وحتَّى (القِلَّة) من أولئك الضُبَّاط والجنود الذين تعاطفوا مع الشعب وانحازوا إليه، تمَّ تشريدهم ومُلاحقتهم والتشهير بهم! والقُوَّاتُ المُسلَّحة تَدَمَّرت حينما سيطر المُرتزق حميدتي على ثكناتها وسُلطاتها، بتواطؤ ومُساعدة ياسر العطا ورئيسه البرهان ورُفقائهم، الذين خانوا الوطن (الأرض والشعب) وتلاعبوا بكرامته وأهدروا سيادته!
العُنصرِيَّة عَزَّزها ياسر العطا ورئيسه البرهان ومن معهم من (سَقَطِ المَتَاع)، حينما واصلوا في جلب (مَقاطيع/مَطاريد) دول الجوار، ومنحوهم الجنسيات والأوراق الثُبوتِيَّة والأراضي (دون سُقُوف)، واستوعبوهم في مليشيات الجنجويد بصفةٍ خاصَّة استناداً للعامل (الإثني)، ثُمَّ إطلقوهم للنيل من الشعب السُّوداني في مُختلف المناطق. والعُنصُرِيَّة رَسَّخها ياسر العطا ورئيسه البرهان ورُفقائهم، حينما صنعوا اتفاقات جوبا (الكارثِيَّة)، التي يغلُب عليها المُجنَّسين والطَّابع القَبَلي/الجِهَوِي والأسري، خصماً على شعوب السُّودان (الأصيلة). تلك الاتفاقات التي تمَّ هندستها والإتيان بها من العدم، وإعطاء أطرافها من تُجَّار الحرب والمُجنَّسين أوزاناً وحقوقاً لايستحقُّونها. فما يُسمَّى جبهة ثورِيَّة أتت ببعض (الأراجوزات) من الوسط والشمال والغرب، وثُلَّة من المُجنَّسين عن الشرق لا علاقة لهم بالسُّودان من أساسه، ويكفي تلك الاتفاقيات (خزياً) أنَّ المُرتزق القاتل حميدتي كان أحد أطرافها، وهو الذي كان لا يزال أداة الإبادة في كل السُّودان.
إنَّ اتِّهام أهلنا البجا والنوبة بالعُنصُريَّة، اتِّهامٌ (خائب) كخيابة مواقف العطا ورئيسه البرهان ورُفقائهم، الذين فشلوا في حماية السُّودان و(فَرَّطوا) في سيادته واستقلاله. فأهلنا البجا والنُّوبة، تجاوزوا المظالم التاريخيَّة والآنِيَّة الواقعة عليهم في كافَّة الأصعدة، وتصدُّوا بجسارة وشرف لحماية (كل) السُّودان من غزو/استيطان الإريتريين، الذين غالوا في استعداء وكُره كل ما هو سُّوداني، حتَّى الجيش السُّوداني، الذي يتدثَّر به العطا ويتباكى عليه، لم يسلم من (تسفيه) الإريتريين المُجنَّسين على اختلاف فئاتهم! وبعبارةٍ أُخرى، فإنَّ مَزَاعِمِ العُنصُرِيَّة التي ساقها ياسر العطا، تعكس (اختلالاً) مفاهيميَّاً كبيراً، لأنَّ العُنصُرِيَّة تعني الشعور بالتفوُّق والإقصاء/التمييز بين البشر، على أساس اللون أو الانتماء العرقي، وهذا ما لم يفعله أهلنا البجا والنُّوبة مع الإريتريين، الذين يحملون حقداً كبيراً تجاه السُّودان، ولا يخفون انتماءهم وولاءهم المُطلق لإريتريا ويتباهون بذلك! فأهلنا البجا والنُّوبة يستحقُّون التكريم والاعتذار عن المظالم السابقة والحالِيَّة، لأنَّهم ضَحُّوا وأصبحوا (دَرَقة) لحماية السُّودان، حينما (تخاذل) العطا وصحبه عن القيام بهذه المُهمَّة، ثُمَّ وصفوا هذا النضال وتلك التضحيات العظيمة بالعُنصُرِيَّة!
أمَّا حِجَّة التَدَاخُلِ القَبَلي بين السُّودان ودول الجوار، التي يستشهدُ بها لشَرْعَنة المُجنَّسين وتعزيز سُطوتهم فهي مردودة، لأنَّنا مع التَواصُل (إنْ صَحَّت العلاقات الجينيَّة)، ولكن بشرط الاحترام المُتبادل لحقوق وحدود كل دولة. كما أنَّ حسم الوجود الأجنبي ومُراجعة الهُوِّيَّات والمُطالبة بتعيين (أبناء البلد) في المناصب الحسَّاسة، ليس جريمة أو سُبَّة على نحو ما يُحاول البعض إظهاره، وإنَّما نَهْجٌ ونظامٌ (صارمٌ) تَتَّبعه جميع الدول المُحترمة لحماية سيادتها الوطنِيَّة! والمُقارنة بالمُهاجرين في الغرب وما يحدث في السُّودان عموماً، وفي الغرب والشرق خصوصاً لا تستقيم، لأنَّ المهاجر الذي ينال جنسيَّة أي دولة غربِيَّة يلتزم بقوانين تلك الدولة، ولا يَدَّعي (تَبَعِيَّة) أي جُزءٍ من أراضيها لدولته التي (هرب) منها جائعاً وعارياً، ويحترم مُواطني الدولة التي منحته جنسيتها ولا يُخاطبهم بكراهِيَّة، بعكس ما يفعله مُجنَّسي السُّودان عموماً، والمُجنَّسين الإريتريين خصوصاً!
اعلم يا ياسر العطا أنَّ القُوَّات المُسلَّحة دَمَّرها المُتأسلمون الذين رعوك واحتووك أنت وأمثالك، وواصلت أنت ورئيسك ورفقائكم في إضعاف هذه القُوَّات حينما سمحتم بتمدُّد المُرتزقة و(المَقاطيع) وسيطرتهم على ثكنات الجيش ومُقدَّارته. والعُنصُرِيَّة يُغذِّيها رئيسك يا العطا بمُعاونتك أنت ورُفقائك، حينما تحالفتم مع المُجنَّسين والسُفهاء وتَجَّار الحرب. أمَّا أهلنا البجا والنُّوبة فليسوا طُلَّاب مناصب أو انتهازيي سياسة، رغم أحقِّيتهم المشروعة في إدارة وتسيير السُّودان، لكنهم آثروا سلامة البلاد والتضحية لأجل سيادتها وكرامتها، لأنَّهم شعوب (أصيلة) وأصحاب تاريخ مُشرِّف هو أساس هذا السُّودان. وليعلم أهل السُّودان أنَّ ما يجري في شرق البلاد ليس صراعاً قَبلياً أبداً، وإنَّما مُناهضة لغزو استيطاني إريتري بدعمٍ مفضوح من العطا ورئيسه ورُفقائه وأزلامهم، الذين كشفوا سِتْر السُّودان و(فَرَّطوا) في سيادته واستقلاله.
إنَّ الأوطان يبيعها الخونة والسفلة، وفاقدي الشرف والكرامة والنَّخوة، مُقابل (فتات) الموائد المسمومة، والرَّاجحُ عندي أنَّ العَسْكَر يُخططون لاستكمال (خيانتهم) للسُّودان عموماً، والشرق خصوصاً في مُقبل الأيَّام، وأن تصريحات العطا لم تأتِ من فراغ، وإنَّما وفق مُوجِّهات مُحدَّدة ومُمرحلة، وستتبعها إجراءات عملية أكثر جُرأة وانحطاطاً. فالعطا ورئيسه ورُفقائهم وأزلامهم، عبارة عن عُملاء و(أدوات تنفيذيَّة) للنَّيْلِ من السُّودان (الأرض والشعب)، ويُنفذون كل ما يُطلب منهم دون سُقُوفٍ أخلاقِيَّة أو إنسانِيَّة، وهذا يُحتِّم على جميع السُّودانيين (الأصيلين) الانتباه، والتضامُن مع أهلنا البجا والنُّوبة الذين تصدُّوا للدفاع عن السُّودان تاريخاً وحاضراً ومُستقبلاً.
إنَّنا كشعب ظللنا ندفع التكلفة وحدنا، وستزداد هذه التكلفة مُستقبلاً وليتنا نترك عواطفنا ونتَدَبَّر بعقولنا، ونعي بأنَّ المُشكلة ليست شخصيَّة، وإنَّما وطنٌ وسيادة وأمنٌ واستدامة. فالمُخطَّط أكبر من مُجرَّد قتالٍ أو صراع وقتي، وإنَّما هو غَزْوٌ واستيطانٌ واستعمار، يجب حسمه كلياً ومنعه مُستقبلاً، وهذه مسئولِيَّة (جميع) السُّودانيين (الأصيلين) وليس فقط أهلنا البجا والنُّوبة، فلنُعزِّز تَلاحُمنا ونحمي بعضنا، ضماناً لأمننا الاجتماعِي وسيادتنا الوطنِيَّة ومُستقبل أجيالنا القادمة.. وللحديث بقيَّة