محمد أحمد عمر ” حبوب ”
كنا معلمين في المدراس الابتدائية حديثي عهد بالمهنة،وتم اعلان الاضراب المفتوح في الثاني من يناير 1979م،وكنت ضمن المعلمين الذين إستضافهم سجن كوبر حتي الثاني عشر من فبراير 1979م، وحدثت طرائف اثناء الاضراب عندما تم إيقاف مرتب شهر يناير، وكل من يكسر الاضراب يصرف له مرتبه كوسيلة لتقويض الاضراب.كان صديقنا المرحوم سليمان هباش يقول لكل من يقابله:( لو غلبك الصبر أصبر شوية) وصار الجميع يتناقلونها يشجعون بها بعضهم البعض.
دائماً ما أتذكر كلمات الشاعر المرحوم معين بسيسو التي قالها لأحد الشعراء والذي لم يستطع أن يصبر شويه:
” الشاعر الذي مضي وغاب ثم عاد
كطائر من الرماد…كحزمة من الدخان
وكان تحت قبة الظلام في وداعه الصباح
تذوده الاشجار عن غصونها ويبصق الصياد”
الي أن يصل الي هذا المقطع من قصيدته:
” حزار حزار
من حصاد افاق
من فرط الخوف الكذاب
من لص الحقل
حماه بسياج جراد
يا أخوني كفاكم وكفاني
نفخاً في الاكفان ”
العائدون كثر في هذه الايام، منهم من رمي في تاريخ سابق علي المقابر السلاح، وكانت تلك حقيقة العودة الاولي ولم يكن هذا مهماً في عالم السياسة السودانية، فهنالك من يلد الضحايا. وفي أواخر القرن الماضي كانت العودة الثانية في ايام اقتحام مدينة كسلا بشرق السودان، وضاعت من الذاكرة تلك المأثورة منذ قديم الزمان ( لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين).
ثم أستمعنا عبر وسائل الاعلام للعودة الثالثة، هل ستكون عودة طاؤوس من الرماد داخل سحاب من الدخان؟ وهل سيلدغ من نفس الجحر مرة أخري.
نحن الان في مفترق الطرق فاحدهما مفتوح علي السلام والاخر علي قهقهة السلاح،ولقد صبرنا علي الاخير ستة سنوات وكنا ومازلنا متمسكين بشوية الصبر. وكما قال عنتره بن شداد للذي تحداه في عض الاصبع وصرخ ” لو انتظرت قليلاً لصرخت أنا “.
المؤلم للنفس أن الانسان في هوامش السودان وحتي حواضره، فقد ابسط حقوق الانسان المعترف بها دولياً وأقليمياً ولا يمكن أن اضيف كلمة محلياً، الا وهو ( الحق في الحياة)، فالقتل والنهب المسلح والاغتصاب والسجن والتعزيب وحرق القري وقصف الطيران الحربي والمدفعية وغيرها حتي الكيميائي المحرم دولياً تلقي بثقلها علي المواطنيين كبيرهم وصغيرهم من الجنسين في حوادث يومية تذكرنا بتاريخ مكتوب في الصفحات السوداء للمجتمع البشري في غابر ايامه، في أزمنة الهمجية والبربرية والفاشية.
وعندما يلوح في اخر النفق بصيص ضوء نتيجة للصبر والتضحيات بوعي يتجاوز حد المعقول ويلامس المستحيل يحدث الارتباك وفقدان الاتجاه لبعض اصحاب العقول التي لا تستطيع التمييز عند وصول النضال الي مفترق الطرق،فتختار درباً قصيراً بفعل الغشاوة في العين رغم أن درب السلامة مهما طال الزمن قريب بكل الصعوبات والتحديات التي تواجه حرب التحرير الطويلة الاجل والنضال السلمي الصبور.
مازلنا نراوح وندور حول منصة التأسيس،ومازال السؤال الذي يتحاشاه من تعاقبوا علي حكم السودان قبل وبعد انفصال جنوب السودان وتكوين دولته، وهو كيف يُحكم السودان؟ ولن يتصالح السودانيين في داخل بلدهم ومع بعضهم البعض دون الاجابة علي هذا السؤال بطريقة موضوعية وصحيحة،فنذر التمزق والتلاشي لدولة كان أسمها السودان يلوح في الافق، ولا يستطيع أحد أن يتنبأ بشكلها القادم في خارطة جغرافية العالم…ولنا عودة