لندن _ صوت الهامش
سلط تقريرٌ دوليٌ جديد الضوء على الاهتمام الدولي الذي يحظى به الدعم الروسي للنظام السوداني، في الوقت الذي تدخل فيه الاحتجاجات الداعية لتنحي الرئيس عمر البشير في السودان شهرها الرابع.
وقال موقع “وورلد بوليتك ريفيو” في تقريره الذي تناول تطورات ومنعطفات العلاقات الروسية – السودانية أن الكثير قد كتب عن النشاط الروسي، سواء علنيًا أو سريًا، في أماكن عدة مثل سوريا وجمهورية إفريقيا الوسطى وفنزويلا، ولكن حتى الآن، لم يتم إيلاء اهتمام يذكر نسبياً لمشاركة موسكو في السودان، والذي يعد ركيزة أساسية لنهج روسيا تجاه أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ، وهو السبب الرئيسي لاستمرار تمتع السودان بالدعم الروسي على الرغم من الصراع الداخلي.
وتجدر الإشارة إلا أن علاقة روسيا بالسودان ليست جديدة، حيث تقوم موسكو بتصدير كميات كبيرة من المعدات العسكرية إلى البلاد منذ عقود، خارقةً بذلك حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة في عام 2005 غلى السودان، كما يتميز السودان بأنه أول دولة في المنطقة تشتري طائرة روسية من طراز Su-35.
لكن ما تغير مؤخرًا وفق تقرير “وورلد بوليتك ريفيو” هو عمق التزام روسيا، والذي يشمل الآن مصالح اقتصادية كبيرة ويؤكد اعتماد موسكو على السودان كنقطة انطلاق لأهدافها الإستراتيجية الأوسع في إفريقيا، ألا وهي الوصول إلى البحر الأحمر والموارد الطبيعية، إلا جانب التوسع العام في تأثيرها الإقليمي.
وكشف التقرير أن الوصول إلى البحر الأحمر أصبح مصدر قلق بالنسبة لروسيا، حيث تحاول التنافس مع القواعد الأمريكية والصينية في جيبوتي، وبعد أن رفضت جيبوتي طلبًا روسيًا لحقوق الأساس، كان السودان وإريتريا هما البديلان الوحيدان القابلان للتطبيق في المنطقة.
كما أشار مسؤولون روس وسودانيون إلى وجود “قاعدة عسكرية” قيد العمل، بالإضافة إلى اتفاقيات تسمح للسفن البحرية بالرسو في موانئ بعضها البعض.
وفي الوقت نفسه، فإن تأمين الموارد الطبيعية، وخاصة الوقود الأحفوري والمعادن، يشكل حصة متزايدة من النشاط الروسي في السودان.
فعلى الرغم من فقدان 75% من احتياطياتها المؤكدة من النفط بعد حصول جنوب السودان على الاستقلال في عام 2011، يحتفظ السودان بالبنية التحتية لجلب نفط جنوب السودان إلى السوق.
كما رجح التقرير بأن تسهل الاتفاقيات الأخيرة بين البلدين تدفقًا أكبر للنفط عبر السودان، بالإضافة إلى صفقات التنقيب عن النفط مع جنوب السودان، كما تعمل روسيا حاليًا على إنشاء مصفاة في السودان لمعالجة النفط قبل تصديره.
وأدى اكتشاف احتياطيات كبيرة من الذهب في عام 2015 من قبل شركة روسية إلى زيادة الاهتمام الاقتصادي بالسودان، كما منح البشير إذنًا لشركة مرتبطة بالكرملين لبدء عمليات التعدين خلال اجتماعٍ عام 2017 مع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” في سوتشي.
وأفاد التقرير بأنه بالإضافة إلى الفرص الاقتصادية، فإن التواصل الروسي الأعمق مع السودان يجعل من السهل على روسيا متابعة مصالحها الأخرى في المنطقة.
فبعد اجتماع البشير مع بوتين في نوفمبر 2017، وصل عدد المواطنين الروس الذين يدخلون السودان على أساس ربع سنوي إلى أعلى مستوى على الإطلاق، حيث يعزى جزء من هذا التدفق إلى وصول المرتزقة الروس الذين يعملون لصالح مجموعة “فاغنر” المرتبطة بالكرملين، والذين تم إرسالهم لحماية المنشآت الروسية وتدريب قوات الأمن المحلية، وهو ما أظهرته لقطات مسربة خلال شهر ديسمبر الماضي لمدربين روس يعملون مع أفراد من الجيش السوداني.
ويتناسب السخط بين السكان السودانيين طرديًا مع ارتباط روسيا المتزايد بالسودان، وهو ما يتم مناقشته بشكل متزايد في العديد من المحافل المحلية والدولية،على خلفية كفاح الاقتصاد السوداني تحت وطأة ارتفاع أسعار الوقود والتضخم والفساد على نطاق واسع، وهو ما مثل شرارة انطلاق للاحتجاجات العارمة التي ضربت البلاد منذ ديسمبر الماضي.
وفي أعقاب اندلاع تلك الاحتجاجات، أعلنت السلطات السودانية حالة الطوارئ وقمعت المظاهرات من خلال استخدام الغاز المسيل للدموع والهراوات والذخيرة الحية، كما تقول الحكومة أن أكثر من 30 شخصًا لقوا حتفهم في الاشتباكات، إلا أن جماعات المعارضة تقول إن العدد أعلى بكثير.
هذا وأشار التقرير أن في ظل هذا الزخم، لم يكن لدى الكثير من شركاء السودان الكثير ليقولوه في الدفاع عن النظام في الخرطوم، لكن روسيا ظلت حليفًا قويًا.خلال الأزمة، وواصل بوتين ومسؤولون روس كبار آخرون عقد اجتماعات رفيعة المستوى مع نظرائهم السودانيين، حتى أنهم ذهبوا إلى حد دعوة البشير شخصيًا لحضور قمة روسيا – إفريقيا الأولى المقررة في أكتوبر.