• محمد أبكر موسى
في مدائنِ
الشغف الساذج
وصرخاتنا الأولى
عند هوامش الأحلام
والمدن الزائفة
عند أقاصي الأمنيات
وأقنعة التعددّ
في دياري الصغيرة
ومسارات الرؤى
الحرب..
ألا يُرهِقُها الغباء
إنتاج نفسِها في جنون
ألا يُتعِبُها التكرار؟
لقد تعبنا من الحرب
ومن خطاياها
ومن وجوه شرورها؟
لماذا لا تملّ الحرب
من حالةِ الحرب
ورهن الجميع لللاشيء
ورهن ذاتها للتلاشي
ألا تفتقد نقيضها
لحظة التعريف؟
ألا يُرهِقُها
شعور الفقد
ولماذا لا تقيم عزاءً
لنصفِها المفقود؟
ألا يحاسرها الحزن
إحساس عقيم للصراخ
ورغبة كاذبة في البكاء
ألا يحاصرها الضياع؟
لماذا لا تموت من الفراغ
من عمق أنيابَ الظلام
من لزوجة اللحظة السوداء
والهدر في استبدادِها؟
لماذا لا تشذّبُها
أو تهذِّبُها
أو تأدبُها
أو تعيّدُ خَلقُها
رغبة الإنسان في الحياة
في الاحساس بالحُب
في الشعور بالوجود
وبالأمل في غدٍ مشرق
في دولة محترمة؟
لماذا لا تُفتِتُها الغُربة
أو يفتتها اشلاءً
شعورها
باغتراب ضميرها
في غربةِ روحٍ
عميقةٍ
أزليّة
أبديّة
بلا سطحٍ
بلا قاع؟
لماذا لا يشِلّها
أو يُسقِطُها
عمق هشاشتها السوداء
التي لا تنفك
تلتحِمُها
تأكلُ فيها
تنهِّشُها على الدوام؟
لماذا لا يندِّمُها
نهمُها المتكرر
والتحامها الدائم
لأرواحٍ بريئة؛
أطفالاً وأحلامهم
ثكلى وأحزانهم
معطوبين وأوجاعهم
مراهقون وطيشهم
عُشاق وخيباتهم
مرضى وآلامهم
فنانون وحماقاتهم
كُتاب وجرائمهم
شعراء وعُقدهم
وقادة وأكاذيبهم؟
لماذا تعيش الحرب فينا
كدِّينٍ مطلقٍ
كشعيرةٍ لا غبارٌ عليها
مثل مُعتقدٍ لازمٍ
كتقليدٍ أسطوريّ
لا يُمسّ
ولا يموت؟
لماذا كل الأبواب مشرعةً
لاستقبالها؛ مرحباً
وكل الأجنحة فاردة
لمعانقتها، ولو قسراً؛
لأن تدخل ديارنا
لأن تعيش معنا
لأن تأنسُ بنا وتضحك
لأن تلعب معنا وتلهو
مع صغارِنا
بأجيالِنا
لأن تتغذى من جباهنا
لأن تشبع من طعامنا
فنصبح لاحقاً
غذائها الشهيّ؛
أن نكون
فطورها الطازج
وغداؤها الدسّم
وعشاؤها الخفيف
وحتى طعاماً لضيوفها
الحاضرين الآن
أو الآتين بعد لحظة؟
لماذا لا تتأسى الحرب أبداً
على تشريدِنا
وتدمير مناطقنا
لماذا لا تندم على شتاتِنا
وحرقها لبيوتنا الآمنة
هنا وهناك..
لماذا لا تتحسر
على مخيمات النزوح واللجوء
التي تُقام لنا
نكايةً بنا؟
لماذا تجوع الحرب
وتظمأ
وتضعفُ كثيراً حدّ الاخماء
لماذا تئّن
على هامش تكرار نفسِها
وكم تتألم بشدةٍ
من جروحها
على جراحاتها
بجروحها
وكم تحتضر وتحتضر بعمقٍ
ولكن لا تموت؟
لماذا أصبحت الحرب
فكرةً لاهثةً ماتعة
تسيلُ إليها اللُعاب
فلا يمسُها الزمنِ
ولا تضعفُ ولا تزول؟
لماذا صِّرنا
أبناءَ الحرب وبناتها
وكيف؟
كيف أصبحنا
رُسلاً للحربِ
وآلهتها
وصُناع منطقها؟
كيف أصبحت
واحداً من تفاصيلنا؛
العاديّة
اليوميّة
الصغيرة والكبيرة
في كل حيواتنا
الآنيّة
الحاضرة
والبعيدة بعد حين؟
لماذا نقاط ضعفنا
تفاهاتِنا
هُراء أدمغتِنا
تُرهاتِنا
خزعبلاتِنا
حماقاتنا
هي ما تتغذى عليها الحرب
وتحيا وتعيش..
ولن تعرف الموت؟
لماذا أنين أوجاعنا
عميق صياحنا
رهق حناجرنا من الصراخ
هي كل ما تحيا عليها الحرب؟
لماذا أصبحنا
أوكار الخوف
وأعشاشها
وكيف تعدو فينا
أحصنة الفرار؟
لماذا الحرب
فوقنا وتفوقنا؛
بكل قوانيننا
ومبادئنا
معارفنا
مختبراتنا
آليات العنف لدينا
ونزعتنا العميقة في البقاء؟
لماذا تقف
أمام الجميع
عنيدةً
مقاومِةً
فلا تُقتل ولن تموت؟
لماذا تجثمُ
في صدورنا
وكم تعشعشُ في عقولنا
وتقودنا دوماً
إلى معاقلِها
إلى سجونِها
إلى مصائر منطقِها
إلى حتفنِا بأنفسنِا
بأيدينِا
بأقدامنِا
بخزعبلاتِنا
رغم قوتنا وقوانا؟
لماذا لا يلاحقها
قانون الحياة؛
تُولد
فتحبو
تعيش مراهقتها
ثم تعبر الأربعين
فتكهل دهراً
ثم في أي لحظةٍ
يدركُها الموت.. فتموت؟
لماذا لا تشيخ
وتتجاوز مفهوم الزمن؛
فتتلاشى في دهاليز العدم؟
كيف أوهامنا
هي ما تُحي الحرب
وتطيل حياتها
على حياتنا؟
لماذا نموت نحن
وكيف تقتلنا الحرب
ولا تموت هي؟.
6 ابريل، 2023، نيالا