بقدرما يحرص الشعب السوداني الثائر الصامد علي إيجاد فرص للتقارب بينه والمجلس العسكري علي اعتبار أنه الشريك _المفترض_ في إنجاح ثورة ديسمبر ، نجد المجلس يهرول مبتعدا عن الشعب ، مصرا علي الإستفراد بالحكم ، والاستمرار في ضخ الدماء الي شرايين نظام المؤتمر الوطني و إعادة إنتاجه وتقديمه في ثوب جديد ، لينطلق مجدداً في الضحك علي العقول لثلاثة قرون أخري .
و لأن نجاح أي إتفاق صادق يرغم بالضرورة المجلس العسكري علي التنازل عن التزاماته التنظيمية كونه نفس اللجنة الأمنية الحامية لنظام المؤتمر الوطني قبيل السقوط ، كان من البديهي أن يحذو المجلس العسكري هذا الحذو متدثرا بثياب من اصطلح علي تسميتهم بالمندسين والملثمين والسكاري والانقلابيين وما إلي ذلك لقطع الطريق أمام تنفيذ ما تم التوصل إليه من اتفاق .
إذ لا وجود لأي ملثم أو مندس أو سكران البته ، كما لا حقيقة لمحاولة انقلاب أو إعتقالات حقيقة لرموز النظام السابق.. فكل ما تم كان وفقا لخطة وضعتها اللجنة الأمنية المسماة بالمجلس العسكري وبإشراف من مدير الأمن المقال صلاح قوش وآخرين .
وإلا لماذا يختفي هولاء القناصون والملثمون والمندسون أثناء المسيرات التي ينفذها أنصار الجنجويد و المجلس العسكري مثل مواكب جماعة المستشيخ عبد الحي يوسف وموكب شكر حميدتي في الخميس الماضي وغيرهما !!؟
* إن مجزرة ال29 من يوليو تموز الحالي بحق الطلاب العزل بمدينة الأبيض و ما سبقها من إعلان ما خرجت به لجنة فتح الرحمن سعيد من نتائج حول مجزرة 29 رمضان بميدان الاعتصام بهذه الطريقة الهزلية الدراماتيكية التي جاءت متزامنة مع اللقاءات شبه النهائيه بين المجلس العسكري وقوي الحرية والتغيير ، لم تكن مجرد مصادفة ، و لم تكن مجرد محاولة لتبرئة قادة المجلس العسكري الفاعلين الحقيقيين لفض الاعتصام ، كما لم تكن تهدف لإنكار واقع المذبحة كما ظن البعض..
لكن وبكل أسف أتت كل شيء وفق خطة مدروسة بعناية ، بغرض إستفزاز مشاعر المواطنين واجترارهم الي الشارع ، ومن ثم التصدي لهم بمزيد من القمع المفرط بغية إشاعة العنف وانتشار الموت والذعر وثقافة الانتقام ، بحجة إنتفاء صفة السلمية التي ظل يحلم بها المجلس و بالتالي إعلان حالة الطوارئ في بعض أجزاء البلاد كخطوة أولية ، علي أن تعمم لاحقا في جميع أنحاء السودان وفقا لتلك الخطة .. وهو بدأ يحدث فعليا ، فقد أصدر والي ولاية شمال كردفان المكلف اللواء الركن الصادق الطيب عبد الله فور وقوع مذبحة الأبيض القرار رقم ٨٠ لسنة ٢٠١٩ القاضي باعلان حظر التجوال المفتوح بمدن الولاية ،الابيض ،ام روابة ،رهد ابو دكنة ،بارا.. اعتبارا من يوم الاثنين التاسع والعشرين من يوليو تموز ابتداء من الساعة التاسعة مساءا وحتي الساعة السادسة صباحا .
يؤكد ذلك ما تبعه من تعليق للدراسة في جميع أنحاء البلاد .
* بقي أن نلفت نظر القارئ العزيز إلي ما سبقت مجازر الثامن، والعاشر من رمضان ،والثاني والعشرين، والتاسع والعشرين منه من تفاهمات وتقارب لوجهات النظر في المفاوضات الجارية بين “قحت” و المجلس العسكري الرافض أساساً لأية إتفاقية.. ثم الاعلان المفاجئ من قبل المجلس بإلغاء الاتفاقية وتجميد التفاوض قبيل أن يتراجع المجلس العسكري مرغما بعد مليونية ال30 من يونيو حزيران الماضي .
فهلا أعاد قادة الثورة السودانية النظر حول موقفهم من المجلس العسكري وسحب بساط الثقة من تحت أقدامه ، وإعلانه العدو الأول للثورة السودانية باعتباره النسخة الجديدة لنظام المؤتمر الوطني الذي لم يسقط بعد !!
احمد محمود كانم
المملكة المتحدة
Amom1834@gmail.com
31يوليو 2019