مهما مرت السنين والعقود والأجيال لا يمكن أن تنسي أفريقيا قادتها وزعمائها الذين كافحوا كفاح الأبطال حتي تتحرر وحتي تنعم شعوبها بخيراتها ومن هؤلاء القادة الذين حفروا أسمائهم في قلوب وعقول الافارقةالزعيم الغاني كوامي نكروما صاحب العينين المليئتن بالحزن والإصرار والتحدي والذي آمن بأن أبناء أفريقيا هم من سينتزعون حريتهم وسيصنعون مستقبلها المشرق والذي سعي جاهدا كي تكون بلاده غانا مهدا للحرية لأفريقيا بأسرها .
مولده :
ولد فرنسيس كوامى نكروما فى غانا فى 18 سبتمبر 1909م فى قرية نكروفول و التى تبعد (2200 )
عن العاصمة أكرا من قبيلة (نوى) يوم السبت وطبقا للعادات الأفريقية التى تقتضى أن يطلق على المولود اسم اليوم الذى ولد فيه أطلق عليه اسم (كوامى) أي السبت وهو اليوم الذي ولد فيه وسمى (بنكرو) باسم القرية التى ولد فيه نشأ من أسرة ً بسيطة وكادحة حيث كان والده يعمل حدادا وأمه تمارس التجارة وساعدت هذه الاسرة البسيطة ان ينشأ نكروما قويا .
تعليمه وثقافته:
مع نشأته الأسرية البسيطة ُعرف نكروما بذكائه الشديد فأصر والده أن يبعده عن مهنته وعمل على توفير نفقات تعليمه بأى ثمن، وبالفعل الحقه بمدارس الارساليات الكاثوليكية حتى تخرج فى دار المعلمين بأكرا عام 1930م، واشتغل بالتعليم فى مدرسة أولية حتى عام 1934م وشغفه بالعلم هو الذى جعله يسافر الى الولايات المتحدة عام 1935م، والتحق بجامعة لنكولن فى بنسلفانيا حيث حصل على درجات الماجستير والدكتوراة مع المعاناة التي كان يالقيها من اضطهاد عنصري ففي إحدى المرات سأل مواطنا في مدينة (بليتمور)عن أحدي الأمكنة التى يستطيع أن يشرب منها الماء فإذا بالأمريكي يشير له لإحدى أماكن شرب الحيوانات ولم يؤثر هذا علي عزميته وإصراره فبدأ أول نشاط سياسى له فى الولايات المتحدة بتكوين اتحاد للطلبة الأفارقة بأمريكا وكندا حتى انتخب رئيساً لمنظمة الطلاب الأفارقة فى أمريكا خاصة أنه تأثر فى ذلك الوقت بكتابات الزعيم الزنجى (ماركوس جارفى) صاحب دعوة العودة الى إفريقيا.
ومن هذه اللحظة بدأ يفكر فى مغادرة الولايات المتحدة فودع تمثال الحرية وقال: (لقد فتحتم عينى على الحرية وقررت أن أحمل هذه الرسالة الى أفريقيا).
بعد أن وضعت الحرب العالمية أوزارها فى عام 19455م سافر الى لندن لدراسة القانون والاقتصاد وانتخب نائبا ً لرئيس اتحاد طلبة غرب أفريقيا، وفى خريف 1945م انتخب كأحد أمناء المؤتمر الأفريقي الخامس المنعقدة فى مانشستر، وقد حضر اجتماع مؤتمر الجامعة الأفريقية السادس وهناك نظم السكرتارية ً الوطنية لغرب أفريقيا التى اتخذت قرارا للسعي بإنشاء اتحاد غرب إفريقيا وذلك في عام 1946.
مرحلة النضال:
فى عام 1947م دعاه حزب مؤتمر ساحل الذهب المتحدة UBCC لكى يتولى أمانته العامة وبالفعل ًعاد الى غانا بعد غربة استمرت اثنى عشر عاما.
لكن أهدافه كانت واضحة ، وأخذ فى تنظيم الحزب ً وفقا لمبادئ جديدة حتى كثر أنصاره وبدأ فى تطبيق المبادئ الجديدة التى تعلمها فى الخارج وفى مقدمتها (العمل الإيجابي ) فى النضال من أجل الاستقلال حتى ثارت الاضطرابات فى عنف لم تشهده البلاد قط وانتهى الأمر بالقبض عليه عام 1948.
بعد أن خرج من المعتقل عام 1949م وجد أن اتجاه الحزب لا يتفق مع أمانيه الوطنية ولذلك وجه اهتمامه لان يجعل لهذا الحزب قاعدة شعبية كبيرة ففتح الحزب لجميع طوائف الشعب وأنشأ لجانًا في جميع انحاء البلاد
وأستخدم أساليب جديدة للدعاية، لم يكن للبلاد عهد بها من قبل وبذلك لم يمضي وقت طويل حتى اصبح الحزب هو القوة الرئيسية فى البلاد.
ً ومن هنا لم يجد المستعمر مفرا من اعتقاله مره أخرى عام 19511م وقد أدى هذا الى تحويله أسطورة فى وجدان الشعب الغانى، وباتت العلاقة قوية بينه وبين شعبه ،ً وكان مصمما علي ان ينال الشعب الغاني استقلاله وكانت له ثالث شعارات وهى التى نقشت أسفل التمثال المقام له الان فى البرلمان وهى:-
1 .يجب أن نسعى أول لتحقيق السيادة السياسية وبعد ذلك سيتحقق كل شئ.
2 .نحن نفضل المخاطره فى ظل الحرية على الاستقرار فى ظل العبودية.
3 .أن تخليص أفريقيا من قيود الحكم الأجنبي هو الضمان الوحيد للاستقلال.
أدى ذلك لفوزه فى إنتخابات المجلس التشريعى عام 19511م عن دائرة أكرا، ووصله هذا النبأ وهو فى السجن فازداد إيمانه بالشعب حيث يرى فى استقباله على باب السجن مائة ألف مواطن غانى، وفى عام 1952م أصبح رئيسا للوزراء ومن هنا قام بإجراء اتصالات عديدة مع الحكومة البريطانية أسفرت عن دستور جديد تم تنفيذه اعتبارا من أبريل 1954م فأصبحت الوزارة كلها أفريقية ومن ثم إنطلقت الحكومة الوطنية فى طريق محدد لتحقيق استكمال السيادة الوطنية، فقد حقق انتصارات متتالية أسفرت عن حصول حزبه على 72 ً بينما لم تحصل أحزاب المعارضة كلها إلا على 23 مقعدا ً فقط بنسبة تقل عن ربع إجمالى المقاعد.
ميلاد دولة غانا:
فى 6 مارس 19577م أعلن رئيس وزراء المملكة المتحدة فى مجلس العموم أن جميع حكومات دول الكومنولث قد وافقوا على استقلال شاطئ الذهب تحت اسم غانا فدخلت غانا فى مجموعة الدول المستقلة وتبادلت غانا التمثيل الدبلوماسي مع غيرها من الدول وفى يوم الاستقلال قال نكروما:“إليكم عنا، فهذه بلادنا، ونحن أصحابها، ونحن جديرون أن نتوالها، لقد ولدنا اليوم، ولكننا ولدنا أقوياء“.
اهتم منذ توليه حكم البلاد بالعمل على تحقيق العديد من الانجازات.
على الصعيد الداخلى:
كان نكروما يتلهف لدفع عجلة التقدم فى بلاده بسرعة فكانت رغبته لتحقيق كل شئ وكراهيته لكل ما يعوق تنمية بلاده هما سر ضعفه وقوته فى نفس الوقت وعمل على تحقيق الوحدة الوطنية بين مختلف القبائل حيث أنها من أعقد المشاكل التى واجهها فى السنوات الأولى من الاستقلال، ولكن بالرغم من ذلك فقد استطاع أن يكون الشخصية القومية التى حلت محل النزاعات القبلية وبدأت هذه القبائل تتعاون مع الحكومة المركزية ، بالإضافة لجهودها في رسم القواعد البرلمانية وتدعيم الاقتصاد الغانى والاهتمام بالتعليم ونشر الثقافة وتطوير ً الزراعة والصناعة وبهذا قام بتحصين بلاده داخليا
وتميزت رؤيته بثالثة أوجه:
-1 .ثورة الشباب ضد الجيل القديم
-2 .ثورة الشعب ضد الرؤساء المحليين الذين نالوا سلطتهم بالإقطاع
– 3 .ثورة الوطنيين ضد الاستعمار.
ً أمام هذا الوضع الجديد أعد نكروما دستورا يتناسب مع هذه التطورات فأجرى استفتاء وافق عليه الشعب فى مايو 1960 ،وفى السابع من سبتمبر 1962 أنتخب نكروما كأول رئيس للجمهورية الجديدة للبلاد مدي الحياة كما وافق البرلمان على أن يكون رئيسا
وبعد عامين تم إلغاء جميع الأحزاب ما عدا حزب نكروما والذى منح لنفسه سلطات استثنائية مما دفع المعارضة الى تجميع شتاتها لمواجهته.
تعرض نكروما لخمس محاولات إغتيال ولكنها باءت كلها بالفشل ً خاصة أنه كان هدفا من أهداف الاستعمار والتى عمل على تحطيمها حتى وقع انقلاب عسكرى بقيادة الجنرال أنكرا وذلك فى أثناء زيارة نكروما للصين فى فبراير 1966 مما جعله يلجأ الى غينيا مواصلة كفاحه وليكون قريبا من غانا وقد ً رحب به ” احمد سيكوتورى“ وجعله شريكا له في الرئاسة بصفة رمزية، وأخذ نكروما يدعوا الغانيين الى التمرد ضد الزمرة العسكرية و نجح فى تدبير انقلاب مضاد لكنه لم يستمر أكثر من تسع ساعات
حيث كان فى أخطر أيام الحرب الباردة ولقد اكتشف أن للمخابرات الأمريكية دورا ً كبيرا في عدم رجوعه
لحكم غانا مرة أخرى فلم يكن زعيما حيث لم ترتبط أفكاره بحدود دولته وإنما كانت له رؤى عالمية تجاوز حدود القارة السمراء.
أبرز جهوده على الصعيد الخارجي :
بدأ نكروما فى ممارسة نشاطه على الصعيد الدولى والسعى لتحقيق حلمه فى الوحدة الأفريقية والعمل على مكافحة الاستعمار ومساندة حركات التحرر فى البلاد حيث قال في خطاب (سوف يكون استقلالنا ناقصا ً إذا لم يرتبط بتحرير البلاد الأفريقية كلها).
عمل نكروما على تأييد القوة الحيادية فى العالم لارساء قواعد جديدة للعلاقات الدولية والعمل على تحقيق التضامن الإفريقي فدعا الى عقد مؤتمر للدول المستقلة فى العاصمة أكرا فى عام 1958 ومنها: (مصر، إثيوبيا، ليبيا، الغرب ، تونس، السودان، ليبيريا) ،وكان الغرض من المؤتمر وضع سياسة مشتركة للشئون الخارجية والثقافية والإقتصادية، وبعدها بأشهر نظم مؤتمر شعوب سائر أفريقيا.
واتفق مع أحمد سيكوتورى فى عام 1959 على إنشاء إتحاد غانا على أمل ان يكون هذا الاتحاد نواة لوحدة أكبر غير أنه لم يحظ بتأييد لفكرته القائمة على تكوين حكومة لكل قارة فقد فضلت الدول الأفريقية صيغة منظمة الوحدة الأفريقية والتي تأسست عام 1963 فى أديس أبابا. وفى 29 أبريل 1961 كونت غانا وغينيا ومالى (اتحاد الدول الأفريقية ) وهو إمتداد للاتفاقيات السابقة بين تلك الدول خاصة فيما يتصل بالسياسة العسكرية والاقتصادية وقد كان من المعارضين لسياسة التفرقة العنصرية ولذلك قرر مقاطعة (اتحاد جنوب أفريقيا) اقتصاديا وذلك تطبيقا لقرارات مؤتمر الدول الأفريقية المستقلة فى أديس أبابا ،كما قطع علاقاته الدبلوماسية مع بريطانيا نظرا لموقفها من قضيه روديسيا وإعلانها الاستقلال من جانب واحد، ودعا إلى محو البيض من القارة الإفريقية مقابل دعوة بريطانيا العنصرية بمحو السود من بريطانيا.
نظريات نكروما:
كان لكوامى نكروما العديد من النظريات ومنها:
نظام الحكم:- كان يهدف الى إيجاد دولة موحدة ذات حكومة مركزية قوية لان أهم ما تحتاج اليه الدولة
الناشئة هو تنمية الوعى القومى وهو ما تعرقله النزاعات الإقليمية كما أن النظام الفيدرالى لم يكن يصلح لدولة مثل غانا ولهذا كان يرى فى المعارضة ً خطرا خاصة إذا ما استندت الى تأييد إقليمى، ومن ثم يعتقد أن المهمة الأساسية أمام الشعوب الحديثة العهد بالاستقلال فى أفريقيا هى إقامة نظام إجتماعى عادل تقدمى يوفر الماكل والملابس والمسكن لمواجهة حاجات الشعب الأساسية.
الاشتراكية:- يؤكد نكروما ان الاشتراكية هى النمط الوحيد الذى يستطيع أن يحقق الحياة الطيبة للشعب فى أقرب وقت ممكن ومن رأيه أن اى حديث عن الاشتراكية والتعمير الإقتصادى والاجتماعى ليس سوى الفاظ جوفاء إذا لم تكرس جميع الجهود الشعبية لأحداث ثورة زراعية، حتى أنه توصل لمعادلة خلص بها فلسفته:. ش=م+ذ+و حيث أن التحليل الرياضى للإشتراكية الأفريقية أن الاشتراكية = المادية + الوعى الذاتى + الوحدة. وبهذا تنطلق رؤيته من خلال معالجة كل فرد لغاية ونهاية فى ذاته وقد سماها(الوجدانية )وقد اعتبرت تلك الأفكار نظرية للثورة الأفريقية وسر فلسفة الدكتور كوامى نكروما.
نكروما وحرية الفرد:
كان لنكروما رأى فى حرية الفرد فهو يجافى فكرة الجماعية التى تبناها وغيره من قادة أفريقيا مثل سيكوتوري ويقول أن هدف فلسفته التعامل مع كل فرد كغاية في ذاته وليس باعتباره وسيلة لتحقيق خير المجتمع وبهذه عندما ينادي بهذا الرأي فهو يريد أن يعلن للناس أن المبادئ التي تقول بها كتب اليسار شي والواقع الافريقي شي أخر .
الكاريزما والتواضع:
ً يعتبر نكروما رجلاً جماهيريا من الطراز الاول وكانت له كاريزما خاصة فى التأثير على الشعب ففى إحدى خطبه يقول: (إننا نريد من الشعب ً أن يخلص فى عمله وأن يتعلم كل شئ استعدادا للتضحية، أننا ضعاف بدون تلك القوى التنظيمية والوحدة هى القوى الديناميكية التى تساعد فى نجاح أى خطة كبرى). فبالرغم من الكاريزما التى يتحلى بها إلا أنه يتميز بالتواضع، فقد كان عميق ً الايمان بأهدافه وبالشعب وواثقا من طريقه ومن الهدف الذى يسعى اليه قال فى إحدى خطبه: (إن أول شئ أريد أن أقوله لكم، أن أعرف بينكم ً بإسم كوامي نكروما مجرداً من كل صفة ). حياته الشخصية:
تزوج كوامى نكروما مرتين، المرة الاولى .. وهو طالب وله من زوجته ولد، أما المرة الثانية.. من سيدة مصرية وهى
السيدة فتحية رزق وكانت تعمل فى إحدى البنوك وتقدم للزواج منها إلا أن غانا )ساحل الذهب( لم تكن معروفة فى ذلك الوقت وهنا تدخل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، حيث كانت تربطه علاقة قوية بنكروما فتم الزواج عام1957
كان لزوجته العديد من الاسهامات فى إقامة العديد من المنظمات النسائية والأعمال الخيرية وله منها ثالثة أولاد . دكتور/جمال نكروما ويعمل فى جريدة الأهرام ويكلى، ونبيل يعمل فى غانا وسامية.
نكروما والألقاب :
لقبة الشعب الغني بالعديد من الالقاب والمسميات ومن أشهرها: P.G ويعنى خريج السجون
Prison Graduat حيث سجن مرات عديدة في مرحلة الإستعمار . وسمى (الكا متانكو)، أى المعصوم من الضلال. (والاسوندو يهين)، أى الموافق والمصالح ، ً هذه الالقاب ناداها بها شعبه حبا في زعيمهم الذي أفنى حياته من أجل الوطن . مؤلفاته: له العديد من المؤلفات منها: – (أتكلم عن الحرية )وقد أهداه لروح الزعيم (باتريس لومومبا)، والى كل المكافحين فى سبيل الوحدة الأفريقية .
الإستعمار الجديد وقد نشره الأهرام فى عام 1966. – (يجب أن تتحد أفريقيا). – نشرت له السيرة الذاتية بعنوان (غانا). – كتاب (الوعى بالذات). – وقد تبنى نكروما إصدار الموسوعة الأفريقية
African Encyclopedia وذلك إعادة كتابة
تاريخ إفريقيا. الجوائز وشهادات التقدير منها:
• حصل على قلادة الجمهورية من جمهورية مصر العربية.
• حصل على الدكتوراة الفخرية من جامعة القاهرة عام 1958.
•منح كوامى نكروما ميدالية ذهبية فى مؤتمر القمة الإفريقية ضمن إجراءات تخليد ذكرى مؤسسى منظمة الوحدة الإفريقية.
وفــاتـه:
توفى نكروما فى 27 مارس 1972 في برومانيا حيث كان مصابا بالسرطان ، فقد كان غريبا في ارض رومانيا ولم يطلب شيئا سوي ان يدفن في افريقيا بعد ان عاش 63 عامآ علي ارضها مقاتلا عاد جسمانه الي ارض افريقيا ميتا ، فدفن في غينيا .
ثم أعيد دفنه فى غانا، حيث جرى تشييع جسمانه فى مشهد مهيب نكست فيه الاعلام بجميع البلاد وحضره العديد من رؤساء الدول ووفود 25 دولة من دول العالم ثم دوت مكبرات الصوت بتسجيلات من أقوال نكروما عن الحرية والوحدة الأفريقية. ً
هذا هو كوامى نكروما ولد عملاقا في غرب افريقيا وتوفي نبراسا ً على صدر القارة السمراء، بطل الاستقلال فى غانا وأحد دعائم القومية الحديثة وأحد مؤسسى منظمة الوحدة الإفريقية .
المصدر : صوت الهامش مجلة افريقيا