كارلوس لوبيز
ترجمة عبدالحكيم نجم الدين
قراءات افريقية
قبل أيام قليلة من تسرب “أوراق بنما”, أطلقت اللجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة التقرير الرابع للإدارة والحكم في إفريقيا بعنوان “قياس الفساد فى افريقيا – مسائل البعد الدولى”, وكانت رسائل التقرير الأساسية تتوافق بشدة مع ما جاء في أوراق بنما المسربة.
كانت التسريبات تؤكد حقائق هامة: أولا, وجود ممارسات واسعة في النشاط المصرفى لغرض التهرب من دفع الضرائب وغيرها من الأنشطة غير المشروعة. ثانيا, أن ضخامة حجم هذه المعاملات المالية السرية: حوالي 215,000 شركات وهمية فى الخارج, وأكثر من 14,000 عملاء, وأكثر من 11.5 مليون وثيقة مع ملايين الدولارات المخفية وراءها.
يتضمن التقرير عددا من الرسائل الأساسية. أولا, هناك حاجة لإعادة التفكير فى الفهم الحالي والتدابير القائمة حول مقاييس الفساد فى إفريقيا؛ لا يمكنك فهم المدى الحقيقى للمشكلة – بذكر الأسماء وفضح المتورطين فقط – وكيفية معالجتها.
ثانيا, عدم الاعتراف بما فيه الكفاية لدور الجهات الدولية الفاعلة فى ممارسات الفساد, بما فى ذلك التدفقات المالية غير المشروعة (IFF) – كما نرى مع موساك فونسيكا ومعاملاتها الماسية فى إفريقيا.
ثالثا, ستعزز مكافحة التدفقات المالية غير المشروعة تعبئة الموارد المحلية فى القارة. رابعا, هناك حاجة لتحسين إدارة المؤسسات وضمان تأكيد نظام عادل للضرائب من أجل مكافحة الفساد والتدفقات المالية غير المشروعة وتعزيز تقديم الخدمات العامة والاندماج الاجتماعى.
وأخيرا, من الأهمية بمكان أن نقوم بإصلاح التعاون الدولى – ولا سيما فيما يتعلق بالقضاء على الملاذات الضريبية والتشريعات السرية وتنفيذ استرداد الأصول.
لكي تنجح الجهود التى تبذلها الدول الإفريقية لمكافحة الفساد فإن البعد الدولى للفساد بحاجة إلى الفهم بوضوح. ومن المعروف أن الشركات المتعددة الجنسيات غالبا ما تستغل الفجوات والثغرات فى الأطر القانونية والتنظيمية الأفريقية, وخاصة فى القطاع الاستخراجى, واستخدام أساليب غير شفافة لتأمين العقود مع الحكومات. وعلى مر السنين, اعتمدت الشركات المتعددة الجنسيات تدريجيا طرقا أكثر تطورا, مما أتاح لها كسب مبالغ مالية ضخمة من الإيرادات المعدنية من القارة دون دفع مستحقاتها. وتشمل هذه الطرق التلاعب بالسوق والتجارة الداخلية والتلاعب بأسعار وفواتير التجارة, والتسعير التحويلي وتحويل الأرباح, ودفع تبرعات سياسية غير مشروعة والاختلاس والتزوير ودفع رشاوى وعمولات.
فى حين يبدو وكأن وسائل الإعلام ركزت انتباهها بذكر أسماء الموظفين العموميين والمشهورين في أوراق بنما, غير أننا نحن الأفارقة, ما زلنا نشعر بأن الثغرات المؤسسية والتنظيمية العالمية الأساسية التي تسهّل التهرب من دفع الضرائب والتدفقات المالية غير المشروعة لم تتلق الاهتمام الذى تستحقه. حسب جميع التقديرات, فإن إفريقيا هي الجزء الأكثر ضحية من غيرها في العالم نتيجة للمبالغ المالية الضخمة التي لا تزال تُنقل من القارة بصورة غير مشروعة، والموجهة إلى البنوك في الخارج.
يقدّر ثابو مبيكي – قائد فريق رفيع المستوى من الاتحاد الإفريقي واللجنة الاقتصادية لأفريقيا حول التدفقات المالية غير المشروعة – خسائر إفريقيا بما يتراوح بين 50- 60 مليار دولار سنويا. هذا المبلغ – على سبيل المصادفة – تساوي حجم المساعدات الخارجية التي تستلمها هذه الدول. كما أن الدول وخصوصا الأكثر فقرا فى القارة هي التي تحس بأثر هذه التدفقات غير الشرعية.
كيف يمكن لزعماء إفريقيا ومؤسسات العالم كبح تنامي مشكلة تدفق المال غير المشروع والممارسات ذات الصلة بالفساد في القارة؟
أولا، للقضاء على فرصة تدفق المال غير المشروع، ينبغي على الدول الأفريقية ضمان أن بإمكان الجمهور الوصول إلى المعلومات حول الميزانية الوطنية ودون الوطنية، وأن العمليات والإجراءات لإعداد ومراجعة الميزانية مفتوحة وشفافة. فالمشتريات الحكومية غير الشفافة وسلاسل التوريد قد توفر فرصا للتدفقات المالية المتعلقة بالفساد. فعلى الحكومات الإفريقية أن تتبنى التعاقد المفتوح لوقف الفساد من خلال عمليات المشتريات الحكومية.
ثانيا, يجب على الدول الإفريقية اعتماد صك معياري في شكل إعلان الالتزام بمكافحة التدفقات المالية غير المشروعة وحث الإجراءات المماثلة على المستوى العالمي. نظرا للدور الحيوي و الإيجابي لمنظمات المجتمع المدني بما في ذلك وسائل الإعلام في الجهود المبذولة للحد من التدفقات المالية غير المشروعة، فمن الضروري أن تحصل كل من هذه المنظمات على مساحة العمل القانوني المطلوبة لعرض الآراء والنشاط والبحوث في هذا المجال.
ثالثا, تتطلب المعايير العالمية لمكافحة الفساد وغسل الأموال من المؤسسات المالية أن تخضع حسابات بعض الأشخاص والشركات إلى مزيد من التدقيق والمراقبة, بما فى ذلك كبار مسئولي الحكومة وزعماء الأحزاب السياسية والمسؤولين التنفيذيين فى الشركات المملوكة للدولة وغيرهم من القادرين للوصول إلى كميات كبيرة من أصول الدولة وتوجيهها من خلال تعزيز قواعد “اعرف عميلك” (KYC). بإمكان الحكومات الإفريقية مساعد المؤسسات المالية فى هذه المهمة عن طريق نشر قوائم الأشخاص المعرضين سياسيا, وكذلك إعلان أي أصول أودعها الأشخاص والمعلومات حول ما إذا كانت قوانين البلاد تمنع أو تقيد قدرتهم لإجراء الحسابات المالية فى الخارج.
رابعا, ينبغى للمجتمع العالمى اتخاذ جميع الخطوات اللازمة للقضاء على التشريعات السرية, وتقديم الشفافية فى التحويلات المالية لمكافحة غسل الأموال. وعلى الاتحاد الإفريقى ومجموعة العشرين, وصندوق النقد الدولى ومنظمة التعاون والتنمية فى الميدان الاقتصادى, توفير القيادة المطلوبة فى هذه الجهود. كما أنه ينبغي إصلاح الاقتصادى وهياكل الإدارة المالية لتيسير التعاون والمشاركة المنتظمة بين إفريقيا والجهات الفاعلة العالمية كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى ومجموعتي “الثمانى” و “عشرين” للمساعدة على ضمان قدر أكبر من الشفافية فى النظام المصرفى الدولى, مع مطالبة البنوك للتحقق من الهوية ومصدر الثروة وبلد المنشأ للمودعين وودائعهم.
وأخيرا, على هذه الهياكل والمؤسسات ذوات الصلة بها أن تكون أكثر ترابطا فى معالجة التدفقات المالية غير المشروعة باعتماد سياسة موحدة لمنع التدفق ووضع المسالة بحزم على جدول الأعمال العالمى, لتحقيق التماسك بين جميع الجهود المبذولة فى هذا الصدد.
لقراءة المقال الأصلي هنا.