د. الهادي عبدالله أبوضفآئر
ظلت سوءآت الحزب الحاكم خفي ومهملاً على غالبية الشعب إلى أن كشف جهل رئيس قطاع الفكر والثقافة للمؤتمر الوطني طريقتهم لإدارة الأزمات، رب رب رب لطباعة العملة حلاً للقضايا الإقتصادية، ورب رب رب لتشكيل حكومة كفآءات (كفوات) ، ورب رب رب خازوق الأستاذ لإسكات صوت الحق لتبقى الرحي تدور بقبضة الجبارين الأشرار ، ولكن صوت الحق ستظل ناطقاً تستعر في صدور الثائرين لتحرق حكومة الفساد وستظل شرف كلمة تسقط بس حاضراً في ضمير كل حي وشريف، تهز كبريآئهم وتقض مضاجعهم وتزلزل رفاهيتهم الزآئفة.
وإذا افترضنا رب رب رب العملة سرقة لمدخرات الناس وأكل أموال الشعب بالباطل، فإن رب رب رب حكومة (كفآءات) كفوات هي تدمير لما تبقى لنا من كرامة الإنسان، وبنفس طريقة رب رب رب تم إجازة قانون الطوارئ لمدة ستة شهور، و بنفس رب رب رب انتهكت حرمات البيوت، و تم تجاوز كل الحدود، متمثلا في سلب كرامة وحرية الإنسان، ناسين أو متناسين أن جميع الناس يولدون أحراراً متساوون في الكرامة والحقوق والواجبات، وعليهم معاملة بعضهم بعضا بروح الإخآء والمساواة، وان يمنح العقل والوجدان فرصة لكي يدرك أن كل شييء في الوجود المادي قابل لأن يعقل ويدار على حسب ظروف الزمان والمكان وفقا للمعايير الإقتصادية وشروط البيئة، ولكن هنالك عجز وقصور في عقول الكيزان، مما ادخلو نا في سموم وحميم، وظل من يحموم، لا بارد ولا كريم.
فالإنسان عندما ينشأ مقهوراً ويعيش مقهوراً ويرضى بالذل والهوان يصل إلى عجز لا يستطيع ان يحرر نفسه ويستسلم لقدره وينقاد على الطاعة المطلقة دون وعي أو إدراك، إذن لابد من مواصلة الثورة لتأسيس دولة حضارية تحرر الشعب من الاستعباد وتحرر قرارات ومقدرات وثروات البلاد من الاستلاب، فإي شعب لا تكتمل سيادته الا بامتالكه لقراره، كما أن الإستقلال ليس علماً ولافتات وشعارات بل هو استقلال سياسي واقتصادي ومعرفي واجتماعي يحرر الإنسان من قيود الرجعية ويطلق طاقاته الفكرية والثقافية والسياسية والإقتصادية كي يعبر بالمجتمع إلى أعلى مراتب الرقي والتقدم مما يؤدي إلى رفع مستوى الوعي وتطوير البنية التحتية والتعليمية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
تجارب الحياة علمتنا عندما لم يكن هناك نظام سياسي راشد ذو كفآءة ومقدر عالية في إدارة الأزمات ونظام اقتصادي متين يرتقي بحياة الناس إلى الأفضل والأسمى وأن يكون الخير والصلاح لكل الناس، بعيداً عن الاستغلال ونهب الأموال، فالبديل هو استخدام آلة القتل و القمع والقهر والاذلال والسجن والتعذيب لإسكات صوت الشعب الثآئر، وانشآء نظام بوليسي بديلا للحريات. يتضح هذا جليا في همجية العسكر ومطاردتهم للميارم والكنداكات في الشوارع وانتهاكهم الصارخ لحرمان البيوت اكبر دليل على فقدانهم قيم الشهامة والرجولة، ومؤشر حقيقي لسقوطهم الأخلاقي، فأصبحت القيم الأخلاقية التي يتحدثون عنها خصماً من حياتهم وليست قيمة مضافة لرصيدهم الاجتماعي. ولكن لم يكن يوماً الترويع قادراً على كسر وتطويع إرادة الشعب.
الشعارات وحدها لا تكفي أطلقوا شعار (نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع) وما زلوا يستوردون حتى التوم من الخارج، ورفعوا شعار التعليم والايمان فاختفى الايمان من قلوبهم واضحت المؤسسات التعليمية في المؤخرة والدرجات العلمية تمنح بلا رقيب ولا حسيب، فالشعارات وحدها لا تصلح لقيادة عجلة الحياة وتقديم الأفضل لحياة الناس ما لم يمتلك النظام الحاكم منظومة سياسية واقتصادية واجتماعية متكاملة من الإجرآءات والقوانين والقواعد المنظمة لمثل هذا الفعل السياسي، ستكون مجرد أفكار عامة وشعارات مبهمة إلا أن تمتلك الدولة إطارا إجرآئيا واضحة المعالم يمكن الاعتماد عليها وتطبيقها على حياة الناس لتحقق حياة اقتصادية واجتماعية أفضل.
ظنت حكومة الجبهة الإسلامية مجرد النعيق بالأفكار العامة والشعارات البراقة كفيلة بان تملآ الفراغ السياسي والاقتصادي، وكأنما الأرض والسمآء والجبال والبحار وما عليها في قبضتهم فأصبهم الغرور حد العمى وفقدان البصر والبصيرة. ثلاث عقود أمطرنا الإنقاذ بشعارات حتى جعلت منها وحدها الهدف فتاه في معتركها حد الغثيان، ولكن بمجرد صعودها سلم السلطة وجدت نفسها بلا خطة اقتصادية أو سياسية تقود بها حياة الناس للأحسن فحاولت استدعآء أحداث تاريخية من الماضي وإسقاطها على الواقع المعاصر دون وعي أو إدراك. فأصبح لا حماية للدولة من تغول الأشكال الدينية عليها ولا توجد مسافة مشتركة لمكونات المجتمع فصار معيار التمكين السياسي هو الانتمآء الحزبي وليس العلم والمعرفة والخبرة وخدمة المجتمع، هذا النوع من التفكير هو الذي أدى إلى تدمير الدولة وانهيارها.
لم تسأل حكومة الكيزان نفسها هل الإسلام الذي يريده قادراً على جمع الناس في دولة واحدة، ألم يكفي انفصال جزء عزيز من الوطن، وكما لم تسأل نفسها هل الإسلام يبيح سفك دماء الأبريآء وغاب عنها الرؤية الفاحصة لمعرفة الأسباب الحقيقية والموضوعية للانهيار فقط إحالتها إلى الإبتلآءات، متجاهلاً الأسباب التى أدت إلى حصارها وعملهم عن المجتمع الإقليمي والدولي. ولم تسأل نفسها هل لديها مخزون من الأفكار الحية لم تقدم بعد ثلاثين عام عجاف لإنشاء مجتمع مستقر، لم تسأل نفسها عن عيوب القرار في الدخول في الحروب مع الذات وهل كان القرار مناسباً ومدروساً وهل كان ممكناً حل الأزمة بطرق اخري أقل تكلفة من إراقة الدمآء والنزوح والتشريد والإغتصاب، ولكن ثلاثون عاما شعارات مرفوعة بالنفاق ومنصوبة بالفقر والعوز ومجرورة بالفشل، خائضاً في بحور الدغمسة والفساد، متشابهاً ومتطابقاً مع داعش وبكو حرام، تبادلاً وتوافقاً مع النصب وتكاملاً وتفاضلاً مع الاحتيال، عام بعض عام تعودنا ان ندفع الثمن دماء ولا نقبض العآئد خبرة كي نرحلها للأجيال القادمة لبنآء دولة المواطنة.
نريدها دولة مواطنة وفق برامج مدنية برؤية بشرية لا تدعي نزول الوحى بها وعلى الشعب أن يختار من يمثله، نريدها دولة مستقبل تنظر إلى الأمام للالتحاق بركب الدول المتقدمة لا دولة رجعية تنظر إلى الورآء لتقود بها المستقبل، دولة تعترف بالعقل الإنساني كمحرك لصناعة الفعل والقرار، دولة لا تنتظر المعجزات خارج نسق قوانين الله في الكون الذي لا يحابي أحداً فمن يعمل سوء يجز به، نريدها دولة تحسن إدارة الاختلاف العرقي والتنوع داخل المجتمع. وأخيراً استعادة حيوية المجتمع ليست في تغيير الأشخاص إنما في تغيير الأفكار.