استشعاراً لمعاناة شعبنا الطاحنة، وضرورة وضع حد لها ولعهد التفريط والتمزق وسفح الدم والفساد والاستبداد؛ وسعياً لتحقيق الحل السياسي السلمي المتفاوض عليه باستحقاقاته كآلية نقرها للتغيير، توأماً للانتفاضة الشعبية الجماهيرية؛ وللتوقيع على خريطة الطريق التي قدمتها الوساطة الإفريقية في مارس الماضي وجرت حولها تفاهمات عديدة لضمان استصحاب تحفظاتنا عليها، ومن ثم دخول فصائلنا المسلحة في مفاوضات لوقف العدائيات وفتح ممرات الإغاثة باعتبارها أولى خطوات تهيئة المناخ؛ يليها الملتقى التحضيري الذي يتفق على استحقاقات حوار شامل ذي مصداقية، اجتمعت قوى نداء السودان بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا في الفترة 8-14 أغسطس الجاري. ونود إعلان الآتي: أولاً: بالنسبة لخريطة الطريق: لقد جاءت خريطة الطريق في سبع بنود تحتوي على نقاط تفصيلية؛ رحبنا بها وأمنا على ست من بنودها لاشتمالها على اعتراف بضرورة الاجتماع بيننا وبين النظام للاتفاق على الإجراءات الضرورية لحوار شامل ومنتج، ونصها على أولوية وقف العدائيات وفتح ممرات الإغاثة للمدنيين المتضررين. ولكننا تحفظنا على نقاط في بند واحد من الخريطة (البند “3”) وامتنعنا بالتالي عن التوقيع حتى تزال أسباب تحفظاتنا التالية: 1. في البند (3) ورد تعريف مبهم لحوار بدأ برئاسة البشير. طالبنا بتوضيح أن ذلك ليس هو “الحوار الوطني” الجاد والمنتج ذي المصداقية، المنصوص عليه في قرارات مجلس السلم والأمن الأفريقي في جلستيه رقم 456 و539 وهي القرارات التي تشكل مرجعية العملية السلمية الحالية، بتسهيل الآلية الأفريقية التنفيذية رفيعة المستوى؛ وقلنا إننا لا نمانع في اعتبار مخرجات حوار الوثبة كمداخيل للحوار يحملها النظام ومن يمثله؛ ولكننا لا نقبل اعتباره (الحوار الوطني) أو التخطيط لإلحاقنا به, 2. نص البند (3-1) على شمولية الحوار الوطني، وسمى أربعة من تنظيمات نداء السودان باعتبار إضافتها تضمن الشمول؛ وقد أوضحنا أن القوى المدنية والمسلحة المطلوب مشاركتها أوسع من ذلك وينبغي لضمان الشمول مشاركة الجميع داخل وخارج نداء السودان بدون إقصاء لأحد. 3. أوضحنا حول البند (3-2) أن اللقاء الذي سيجري في أديس أبابا، ليحدد الخطوات اللازمة لجعل الحوار شاملاً وذي مصداقية، يعني اللقاء التحضيري، ويجب ان تحضره كل تنظيمات قوى نداء السودان، وليس التنظيمات الأربعة المذكورة فحسب. 4. وكذلك تحفظنا على تمثيل الحكومة كما ورد في ذات البند (3-2)، والذي اقتصر على لجنة السبعتين (7+7)، بينما الطرف الموقع على الخريطة هو الحكومة، التي تمثل بنصف مقاعد تلك اللجنة بحسب تكوينها، مما يثير شكوكاً حول التزام الحكومة، المعتادة على نقض العهود، بمخرجات اجتماع لم تكن طرفاً فيه بشكل مباشر. 5. وتحفظنا حينها إجرائياً على استباق توقيع طرف واحد بدون محاولة لبحث التحفظات المذكورة والمتسقة مع قرارات جلستي مجلس السلم والأمن الأفريقي المرجعيتين للعملية. عقب أربعة أشهر من النقاشات المستمرة، وبمبادرة قوى نداء السودان بتقديم حلول تمثلت في مقترح مذكرة تفاهم للآلية الأفريقية في يونيو 2016م، حددنا فيها النقاط المذكورة والحلول المطلوبة، تجاوبت الآلية عبر خطاب رئيسها في 23 يونيو 2016م، ورسالته عبر كبير موظفي الآلية إبان اجتماعات نداء السودان بباريس في يوليو الماضي، باقتراح المعالجات الآتية:
1) في خطاب رئيس الآلية لقوى نداء السودان بتاريخ 23 يونيو قدم تعهداً رسمياً بإدراج مطالب النداء المتعلقة بضمان شمولية ومصداقية الحوار الوطني والخطوات اللازمة لتحقيقه ضمن أجندة اللقاء التحضيري المنصوص عليه في البند (3-2).
2) حل قضية إلزامية مقررات هذا الإجتماع للحكومة السودانية عبر خطاب تلقته الآلية من رئاسة الجمهورية بتاريخ 18 أبريل 2016 يفيد بإلتزام الحكومة التام بمخرجات الاجتماع، والذي سيشاركون فيه ضمن وفد آلية 7+7 بحيث يكون الوفد ممثلا للحكومة وحلفائها في حوار الوثبة. وكذلك قبولها بشمول الاجتماع التحضيري لقوى المعارضة دون تحديد.
3) حل قضية تمثيل قوى المقاومة في الاجتماع التحضيري عبر التزام قطعته الآلية الإفريقية لقوى نداء السودان في إجتماعها معهم بتاريخ 8 أغسطس الجاري، بأن توجه الدعوة لقوى نداء السودان والتي ستتولى تشكيل وفدها التفاوضي حسب ما تريد دون تدخل أو تحديد من أحد، وهو الشيء الذي أعلنه الرئيس أمبيكي رسمياً عند التوقيع على الخريطة في الثامن من أغسطس الجاري. حزمة الحلول هذه جعلتنا نطمئن إلى أخذ مآخذنا بعين الاعتبار، مما مهد لتوقيع الأربعة على الخريطة، لينفتح الطريق أمام الإجراءات التمهيدية للحوار حسبما نصت عليه الخارطة والتي تبدأ بتفاوض بين قوى المقاومة المسلحة ونظام الخرطوم حول وقف العدائيات وفتح ممرات الإغاثة. إن توقيعنا على الخريطة جاء بطريقة أفلحت في تحويل التوقيع من حدث إلى عملية سياسية مثمرة، نسير فيها بكل عزمنا لهزيمة محاولات الإجهاض الحكومية التي تحاول وضع مارد الإرادة الشعبية في قمقم حوارها الميت والإيحاء بأن الموقعين قادمين للالتحاق بكراسيها المهلهلة. ونؤكد أننا إما أن نحقق العملية التفاوضية التحولية المطلوبة مثلما حدث من قبل في دول كثيرة في أمريكا اللاتينية وجنوب أفريقيا وأوربا، وإما أن تكون التعبئة المصاحبة للعملية وقوداً للانتفاضة الشعبية التي يغلي مرجلها منذ حين. لن نشارك في حوار الوثبة، ولن يجلس أحدنا على كراسي حكومة التمزيق والضياع الوطني. ثانياً: بالنسبة لمفاوضات وقف العدائيات وإيصال الإغاثات: بعد التوقيع على خريطة الطريق بدأت مباحثات وقف العدائيات بين النظام والحركة الشعبية (مسار المنطقتين) من جهة، وبينها وحركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة (مسار دارفور) من جهة أخرى، وطوال أيام المفاوضات أظهر النظام حرصاً واضحاً على إفشال هذه الجولة وذلك بإنتهاج تكتيكات متنوعة لإضاعة الزمن وللحيلولة دون التوصل إلى اتفاق: 1. فى مسار المنطقتين هدف لتمزيق الاتفاق الإطاري الذى تم التوصل إليه بعد إحدى عشرة جولة تفاوضية سابقة، كما أراد القفز فوق مطلوبات وقف العدائيات إلى تدابير الاتفاق النهائي لوقف إطلاق النار، في شكل اتفاق استسلام توقعه الحركة الشعبية دون مخاطبة لجذور الأزمة التي أنتجت الحرب، وفى ظل المواقف الموضوعية للحركة الشعبية تراجع النظام تراجعاً تكتيكاً وذلك بالقبول بالإتفاق الإطاري كأساس للتفاوض ولكنه كان يضمر إنهاء الجولة بالضربة القاضية إذ أصر على عدم القبول بكافة المقترحات المقدمة لضمان انسياب الاغاثة إلى المتضررين من كوارث الحرب الإنسانية، عبر مسارات لا سلطة للنظام عليها وعلى الرغم من قبول الحركة الشعبية بمسارات داخلية للمساعدات الإنسانية فى حدود 80% واقتراحها لمسار خارجي وحيد من أصوصا الإثيوبية، إلا أنه رفض هذا المقترح، متمادياً في استخدام المدنيين الجوعى والمرضى دروعاً بشرية ومقاتلة شعبه عبر سلاح الحرمان من الطعام. 2. فى مسار دارفور هدف النظام فقط لاستسلام الحركات المقاتلة هنالك، فتمسك بمطلوبات خيالية تتمثل فى تحديد مواقع القوات بالاحداثيات، وبالسيطرة على مسارات الإغاثة، كما أظهر تعنتاً مريباً فى مسألة الأسرى رافضاً الإفراج عنهم بلا مبرر موضوعي.
وإذ نعلن للشعب السوداني انهيار هذه الجولة الخاصة بوقف العدائيات لأسباب التعنت الحكومي المذكورة، فإننا نؤكد على عزمنا إنجاح المسار التفاوضي متى ما توافرت إستحقاقاته، وقد أبلغتنا الوساطة الإفريقية بتأجيل المباحثات إلى وقت لم يحدد بعد، ونهيب بكافة قطاعات شعبنا الإحاطة بمخطط التسويف والمماطلة وصرف الأنظار الذي تتخذه الحكومة، واتخاذ كافة وسائل الضغط والمقاومة المدنية لحمل النظام على تحقيق مطلوبات السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الكامل، فالحقوق لا تمنح بل تؤخذ، وشعب أكتوبر وأبريل ورماة الحدق قادر على تطويع أعتى الجبابرة لإرادته. إننا إذ نملك شعبنا هذه الحقائق نؤكد على أننا في قوى نداء السودان نخوض معركة الحل السياسي الشامل هذه بذات البسالة التي واجهنا بها هذا النظام في ميادين أخرى لأكثر من ربع قرن من الزمان، نبدى فخرنا واعزازنا بالرجال والنساء من شعبنا الذين يناضلون كل يوم فى الساحات المختلفة ونخص بالتحية طلاب جامعة الخرطوم المفصولين عن الدراسة، والمناضلين الذين يواجهون عقوبات تصل للإعدام فى المحاكمات الجائرة: عماد الصادق وعروة الصادق ومحمد بقارى وعاصم عمر وصباح الزين وبخيت عبدالكريم، والمعتقلين تعسفياً من معسكرات سورتني ونيرتتي وموظفي مركز تراكس، ونحيي جميع الأسرى والمعتقلين والمحكومين سياسياً، كما اننا ننظر بعين التقدير للمذكرة التي قدمتها لنا مجموعة من الناشطين في مجال التعليم والثقافة والفنون ونؤكد لهم أن القضايا التي طرحتها مذكرتهم هي ذات ما ننادي به ونعمل له، وأنها لن تسقط من أجندة قوى نداء السودان في نضالها اليومي من أجل وطن يسع بنيه جميعاً دون إقصاء أو هيمنة، ونمد حبال الشكر أيضاً للسودانيين والسودانيات الذين قد شهدوا مباحثات أديس أبابا من مبدعين وصحفيين وسياسيين ومهتمين بالشأن العام ممن كانوا عوناً لنا بالرأي والنصح والمشورة، ونؤكد بأنهم سيضيفون بعداً مهماً للنقاش حول مسار الحل السياسي الشامل بحيث يصبح عملية شعبية تمتد نقاشاتها إلى كافة قطاعات المجتمع السوداني ولا تصير محض حوارات فوقية بين النخب داخل الغرف المغلقة, كما نرحب بطلب منظمات النازحين واللاجئين بالمعسكرات انضمامهم لقوى النداء، ونؤكد على تكوين لجنة لبحث الصورة المثلى لتمثيلهم في مؤسسات النداء، ليشاركوا في أجسام ووفود قوى نداء السودان بصورة تعكس الاهتمام الأقصى بهم وبقضاياهم, كما نشكر قوى المستقبل للتغيير على مبادرتها بلقاءنا أديس أبابا، وتكوين لجنة لبحث شكل العلاقة الأمثل بينها وبين نداء السودان.
ختاماً، فإننا ندعو كافة شركائنا من القوى الديمقراطية الوطنية لتوحيد الصف وتجاوز مكبلات العمل المشترك، ونقول لهم: لقد شهدتم بأعينكم وسمعتم بآذانكم أننا في أديس أبابا لم ولن نساوم في قضايا السلام والتحول الديمقراطي، على عكس ما حاولت بعض أبواق النظام ترويجه لتشتيت صف المقاومة ودق إسفين الشقاق بينها، ونؤكد على أن العملية التي ابتدأت تحتاج لتشميرنا جميعاً السواعد ولتنسيق كافة الجهود دون وضع تعارض متوهم بين أدوات النضال السياسي المختلفة. كما ندعو كافة قطاعات الشعب السوداني لتصعيد المقاومة والاشتراك في التعبئة الشعبية إصطفافاً حول مطالب الشعب ذات الأولوية القصوى وعلى رأسها قضايا السلام ووقف قصف المدنيين والاغتصاب والتشريد، وقضايا الغلاء وإتاحة الطعام والصحة والماء والكهرباء، وقضايا الحرية والعدالة والتي نهض نداء السودان من أجلها، وكلنا ثقة أن أوان التغيير قد أزف وأن شعبنا موعود بمستقبل أفضل عبر عملية تغيير سياسي شامل تستخدم أدواتنا السياسية المدنية المجربة لشعبنا، نحو انتفاضة جماهيرية تسقط عرش الطغيان أو حل سياسي شامل يفكك دولة الحزب لصالح دولة الوطن.
قوى نداء السودان
أديس أبابا – 15 أغسطس 2016