د. فيصل عوض حسن
تَكَاثَفت تصريحات المُتأسلمين المُتناقضة عن السُكَّر ومشاريعه وحتميَّة التخلُّص منها، على نحو حوار المُتعافي بصحيفة الصيحة يوم 17 أكتوبر 2017، وترويجه للقطاع الخاص وقُدراته (الاستثنائيَّة) في استنهاض قطاعنا الزراعي بصفةٍ خاصة، وتغافله عن دور جماعته المأفونة، ودوره هو شخصياً، في تراجُع زراعتنا وتسليم مُقدَّراتنا للعالم الخارجي، وهو ما يسعون لتكراره الآن في مشاريع السُكَّر.
حَذَّرَ المُتعافي في حواره أعلاه، مِمَّن وصفهم بـ(جوكِيَّة) الاستثمار (وهو زعيمهم)، وطَالَبَ بإفساح المجال للقطاع الخاص، و(تخصيص) أراضٍ زراعيَّةٍ وصناعيَّةٍ للمُستثمرين بشروطٍ (مُبَسَّطة)، مُستدلاً بالأراضي الممنوحة للسعوديَّة وبتجربة الراجحي! وأكَّد على أنَّ مصنع سُكَّر النيل الأبيض وُلِدَ (فاشلاً)، ولم ولن يُحقِّق الاكتفاء الذاتي، وكذلك مصنع سُكَّر (مشكور)، مع إشارته لتراجُع إنتاج كِنَانَة وشركة السُكَّر السُّودانيَّة! وقال بأنَّ الزراعة في مشروع الجزيرة، ليست جَاذِبَة وعائدها ضعيف، مُقترحاً (رُؤىً وعلاقات) جديدة تجذب القطاع الخاص للمشروع! عن نفسي، لم اندهش من أكاذيب هذا الإسْلَامَوِي البغيض، لاقترانه بالفساد والإفساد، حاله كحال رُصَفَائه عبد الرحيم حمدي وعوض الجاز وأُسامة عبد الله ومُسْتَوْزِرْ الدولة للاستثمار، الذين أصبحوا رموزاً (حصريَّة) لكل خرابٍ اقتصاديٍ يَلْحَق بنا وببلادنا، هذا مع قناعتي (التامَّة) بأنَّ جميع المُتأسلمين لا يأتي منهم خير!
وبخلاف المُفردات السُّوقيَّة كـ(جُوْكِيَّة) وغيرها، فإنَّ حديث المُتعافي يَعِجُّ بالتناقُضات/الأكاذيب، ففي حين أكَّد (فَشَل) سُكَّر النيل الأبيض، كان مِمَّن (هَلَّلوا) لافتتاحه قبل اكتماله، وأطلق تصريحات مُضلِّلة بشأنه، لينتهى الأمر بفضيحة الـ(Software)! ومع ذلك، نسأل هذا المُتأسْلِمْ الكَذُوب، كيف يُفسحون المجال للقطاع الخاص، وعصابته الإسْلَامَوِيَّة تَدَّعي تطبيق التحرير الاقتصادي منذ التسعينات؟ أم تُرَاه يجهل (مضامين) السياسات التي يَدَّعون تطبيقها؟ وكيف يُقَارِن عصابتهم الإسْلَامَوِيَّة بالحكومات المُحترمة؟ ويُساوي بين قطاعنا الخاص الحالي، المُكوَّن (غالباً) من طُفيليي المُتأسلمين، بنظرائه في العالم المُحترم؟ فمُتطلَّبات/مُقوِّمات المُقارنة معدومة، خاصةً جانب الأخلاق والقوانين والتشريعات والمُسَاءَلَة والمُحاسبة، فضلاً عن (التخصُّصيَّة) ودونكم المُتعافي نفسه، الذي يتحدَّث الآن عن الاقتصاد، دون أن يدرسه أو يتَخَصَّص فيه! ثُمَّ كيف يُطالب بالـ(تبسيط) والسُرعة في ظل قوانين استثمارهم الكارثيَّة، التي تُتيح تسجيل المشروع في (24) ساعة فقط، بما يتقاطع وادِّعاءاتهم بمُحاربة غسيل الأموال؟! إذ يصعُب التأكُّد من (سَلامَة/نظافة) أموال المُستثمر في (24 ساعة)! وقمة التضليل والكَذِب، يعكسه استدلال المُتعافي بالأراضي الممنوحة للسعوديَّة وبتجربة الرَّاجحي، لأنَّ المُتأسلمين (يتكتَّمون) على شروط مَنْح أراضينا للسعوديَّة وغيرها، وكأنَّ هذه الأراضي ملكٌ لعصابتهم الشيطانيَّة! وبالنسبة لتجربة الرَّاجحي، فإنَّنا نتساءل عن مُساهمتها في تحسين دَخْلِنَا القومي واقتصادنا الوطني، أو مُستوى معيشتنا بالأرقام الدقيقة والمُوثَّقة! ولنسترجع (هَيْلَمَانَة) الإعلام الإسْلَامَوِي المأجور والجاهل، عن (قَمح) الرَّاجحي العام الماضي، وما انتهت إليه الأمور الآن لنُدرك تفاهتهم وانحطاطهم!
من ناحيةٍ ثانية، نَشَرَت العربي الجديد في 22 أكتوبر 2017، تأكيدات لجنة التصرُّف في القطاع العام بالسُّودان، على (خصخصة) خمس شركات تتبع لشركة السُكَّر السُّودانيَّة، قُدِّرَت قيمة أُصولها من الأراضي والسيَّارات والمباني والماكينات بملياري دولار، وفق دراسةٍ (إدَّعت) اللجنة إعدادها عن الشركات المُزمع خصخصتها، بعدما خصخصوا 143 شركة منذ عام 1990، بقيمة نحو 1.88 مليار جنيه (300 مليون دولار)! وهذا (يثبُت) جَلِيَّاً بأنَّ المُتأسلمين شرعوا في نهب مشاريع السُكَّر، لأنَّ مبلغ (2) مليار دولار كقيمة لخمس شركات، أقلَّ بكثير من القيمة الفعليَّة/السُوقيَّة للـ(أراضي) وحدها، دعكم من بقيَّة الأُصول الأُخرى! كما يتقاطع مبدأ (خَصخَصة) وتفكيك شركة السُكَّر السُّودانيَّة، مع ما نَشَرَته اليوم التالي في 17 أكتوبر 2017، ووعود وزير الصناعة بتحقيق الاكتفاء الذَّاتي من السُكَّر بالبلاد، خاصَّةً وأنَّ هذه الوعود الوزاريَّة، جاءت في الاجتماع الدوري لشركة السُكَّر السُّودانيَّة، وبحضور مُديرها العام الذي أَمَّنَ على انطلاق موسم 2017-2018 في الأوَّل من نوفمبر، بكلٍ من الجنيد وحلفا وسِنَّار، ثم عَسَلَاية يوم 20 من ذات الشهر، وذلك عقب صيانة المصانع، ودراسة وتحليل مشاكل الموسم السابق ومُعالجتها.
التناقُضات الإسْلَامَوِيَّة (المُوثَّقة) أعلاه، تُثبت حقيقتين هامَّتين، أُوْلَى هذه الحقائق أنَّ لجنة (نهب) المرافق العامَّة، ستَتَخَلَّص من مُؤسَّسات السُكَّر، بتوجيهاتٍ مُباشرةٍ من رؤوس الفجور الإسْلَامَوِي، وفق خطواتٍ معلومة ومُتَّفقٌ عليها مُسبقاً، وما تناقُضات المُتعافي التي أشرنا إليها أعلاه إلا دليلٌ على ذلك. والحقيقة الثانية، أنَّ وزير الصناعة ومُدير شركة السُكَّر وغيرهما، يعلمون هذه الحقيقة و(يعملون) لتنفيذها، طبقاً لأدوارهم التي رَسَمتها لهم عصابتهم المأفونة، وجميع إفادات الوزير وتابعيه عن الاستعدادات والمُعالجات والخطط الإنتاجيَّة، عبارة عن أكاذيب ريثما تكتمل خِيَانَتهم الوطنيَّة! وهذا ينطبق أيضاً، على ما نَشَرَته اليوم التالي في 24 أكتوبر 2017، بشأن اتفاق وزارة الماليَّة وشركة سُكَّر النيل الأبيض على استصلاح (15600) فَدَّان، وتصريحات وزير الصناعة بشأن (التوسُّع) في مصانع السُكَّر التي تُوفِّر (50%) من حاجتنا الحاليَّة! وتزداد الخِيَانَة الإسْلَامَوِيَّة وضوحاً، إذا تأمَّلنا (جوهر) قرارهم الأخير، القاضي برفع الرسوم الإنتاجيَّة المفروضة على السُكَّر المحلي، والتي تُؤكِّد (تَعَمُّد) المُتأسلمين إفشال مشاريع السُكَّر (سابقاً)، لبيعها وتسليمها للمالكين المُرتقبين (خالية) من أي مُعيقات! وبذلك تُصبح خسارتنا (مُركَّبة)، حيث يُنتِج الآخرون من خيرات بلادنا، ويأخذونها ونحن (محرومين) منها، وهذا كله لينجو البشير وعصابته المأفونة!
لقد فَصَّلْتُ وشرحتُ، من قبل، مضامين برامج التكيُّف الهيكلي والإصلاح الاقتصادي، ومن ضمنها الخصخصة المُتعلِّقة فقط بالمُؤسَّسات/المشروعات (الخاسرة)، وبالطبع فإنَّ مشاريع السُكَّر لا تنطبق عليها الخصخصة لأنَّها ناجحة تماماً، وبإقرار وزير الصناعة أعلاه، حينما ذكر بأنَّها تُنتِج نصف حاجة الدولة من سلعة استراتيجيَّة كالسُكَّر! ومن جهةٍ ثانية، فإنَّ جميع المُعطيات العالميَّة والإقليميَّة، (تُؤكِّد) أهمِّيَّة السُكَّر كسلعةٍ (استراتيجيَّةٍ)، وتُجْبِرْ الدول المُحترمة على امتلاك مُؤسَّساته الإنتاجيَّة. فوفقاً لكلٍ من مُنظَّمة السُكَّر الدَّوليَّة، ومُنظَّمة الأغذية والزراعة للأمم المُتَّحدة، بلغت تجارة السُكَّر العالميَّة نحو 56 مليون طن، يُمثِّل الخام نحو 60% منها. وارتفع العجز العالمي من السُكَّر، لنحو 6.2 ملايين طن في 2016-2017، مع توقُّعات بنمو الاستهلاك السنوي، خاصةً في أفريقيا والوطن العربي، بنحو 2.5%، علماً بأنَّ فجوة السُكَّر العربيَّة نحو 59.28%، وستزداد بازدياد مُعدَّلات نمو السُكَّان وارتفاع مُستوياتهم المعيشيَّة. كما سيزيد استيراد الخام عقب (تَوسُّع) صناعات التكرير ونجاحها، خاصَّةً السعوديَّة والإمارات، اللَّتان تستوردان الخام وتُكرِّرانه، وتأخذان حاجتهما وتُصَدِّرا ما يفيض! وهذه الثوابت والحقائق العلميَّة مُجتمعة، تُؤكِّد أنَّ قطاع السُكَّر (ناجح) واستراتيجي، ولا (يُخَصْخِصه) إلا الخَوَنَة والعُملاء، كما تُؤكِّد ما قلته سابقاً بأنَّ المُستفيدين من رفع العقوبات الاقتصاديَّة، هم الآخرين الذين اشتروا و(سيشترون) مُقدَّراتنا الوطنيَّة، ولن ينال السُّودان وأهله نصيباً منها.
واضحٌ جداً، أنَّ البشير وعصابته يُضَحُّون بالسُّودان وأهله لينجوا بجرائمهم دون مُسَاءَلَةٍ أو عقاب، وسبيلهم الوحيد هو (تفكيك) البلاد وإهدار مُقدَّراتها، وهي الفرصة التي انتهزها الطَّامعون الخارجيُّون، فاستغلُّوا حُجَّتي القروض والعقوبات، وكلتا (الحِجَّتين) لا علاقة لنا بهما كشعب. فالقروض نَالَها البشير وعصابته باسم السُّودان، وأحالوها لمصالحهم وقَدَّموا أراضينا ضماناتٍ لها، والعقوبات كانت لأخطائهم (المُتعمَّدة) ومن خلالها أهدروا مُقدَّراتنا ونهبوها، والآن يُسلِّمونها لسادتهم الخارجيين! وعليه، فإنَّ صمتنا على إهدارهم لما تَبقَّى من بلادنا لن يُنجينا، بل سيُعقِّد أوضاعنا أكثر، والحل الأمثل هو مُناهضتهم بكل ما أُوتينا من قُوَّة و(وسائل) ودون سُقوفٍ مُعيَّنة، وإلا سنتلاشى نحن وبلادنا، وسيهربون للبلاد التي يحملون جوازاتها.
نحن السُّودانيُّون (وحدنا) المعنيُّون بإيقاف نزيف مُقدَّراتنا، وكما وقف أهلنا ببورتسودان ودارفور وكجبار وأمدوم ولقاوة، ومُؤخَّراً الجزيرة والمناصير وغيرهم، فَلْنَمْنَع تسليم مشاريع السُكَّر الاستراتيجيَّة للمُغامرين والطَّامعين، ولتمتد مُقاومتنا ويتَّسع طموحنا لاقتلاع هذه العصابة. ونُجدِّد التحذير للمُوصوفين بـ(الأشقَّاء) وللقطاع الخاص داخلياً وخارجياً، بأنَّ البشير وعصابته سيذهبون عاجلاً أم آجلاً، وسيجدون أنفسهم في مُواجهة كل السُّودانيين، وسنُلاحقهم دولياً وإقليمياً ومحلياً لتحالفهم مع المُتأسلمين ونهبهم لمُقدَّراتنا، التي سنستعيدها منهم مع تعويضاتها.