أحمد كانم
لم تروي ظمأ سلطات أمن مطار الخرطوم ما ترتكبها من فظائع بشعة بحق القادمين إلي البلاد والمغادرين من المواطنين السودانيين الذين تواترت أخبار تعرضهم اليومي لمختلف أنواع الانتهاكات التي تتنافي مع مدلول إسم تلك المؤسسة الحيوية ، والتي تصل في بعض الأحيان إلى التصفية الجسدية مثلما حدث مع الشاب محمد أحمد العائد من دولة إسرائيل في نوفمبر 2016 ، و ما حادثة المواطن السوداني الأمريكي بشارة حسن جميل الله منكم ببعيد .
* باتت تلك المشاهد من الأمور المألوفة في عهد هذا النظام المتهالك ، لكن لم يخطر على بال أمهر جوكية الخيال العلمي يوماً أن تتهاوي أخلاق تلك الفئة المنحطة لتصل إلى هذه المستنقعات السحيقة ، حيث نقلت الصحف السودانية (التيار -الراكوبة- سودانيزاونلاين…
في منتصف يونيو الماضي خبرا مفاده أن ثمة تجاوزات لا أخلاقية تمارس من قبل أمن مطار الخرطوم الدولي بحق المواطنات السودانيات أثناء مرورهن بحواجز التفتيش بمطار الخرطوم قبل الوصول إلى صالة المغادرة وأحيانا قبيل صعودهن إلي سلم الطائرة ، مما يجسد حجم الفقر التربوي الذي يعانيه أولئك المنتسبون إلي هذه الأجهزة القمعية ،إذ أنهم عادة ما يستلذون بسماع أنين وشهيق المواطن الذي يتألم حسرة وكمدا علي أيديهم .
* وحسبما نقلته الصحف المذكورة عن بعض من تعرضن لهذا العمل المهين في مطار الخرطوم ، فإن سلطات أمن المطار تقوم باخضاع النساء المسافرات الى الهند الى تفتيش مهين، حيث يتم تجميعهن في نقطة معينة ومن ثم أخذهن الى مكاتب ملحقة بالمطار ويطلب منهن خلع ملابسهن بشكل كامل للتفتيش والجلوس على الارض لعمل بعض الحركات على طريقة (أرنب نُط)، وفي حالة ما إذا ادعت إحداهن عدم مقدرتها علي القيام بذلك لسبب عامل السن أو لأي مشاكل صحية أخرى، يطلب منها أن تستلقي على ظهرها وتفتح فخذيها (على طريقة الولادة الطبيعية) ويتم عمل الفحص الخاص الذي يجرى على النساء الحُمل ، أي بادخال الاصبع داخل الفرج للبحث عن قطع الذهب المهربة!!
* وتضيف ذات المصادر نقلاً عن إحدى ضحايا هذه الانتهاكات الذميمة أنها وعند تكملتها لإجراءات سفرها وحصولها على بطاقة الصعود الى الطائرة، نُودي على النساء المتوجهات الى الهند تحديداً وتم حصرهن في مكان محدد داخل المطار وكان عددهن حوالي 20 مسافرة وأُخذن في رفقة 4 من النساء الى مكاتب ملحقة بالمطار وهناك تم إجلاسهن ونُودي عليهن واحدة تلو الاخرى ، وعندما دخلت هذه السيدة طلب منها أن تتعرى وبشكل كامل وتقوم بالذي يُطلب منها إجراءه وإلا فانها لن تسافر مطلقاً ، ورغم محاولاتها المستمرة في إقناعهن الا أنها لم تجد بدا من القبول بطلبهم المهين ، ففعلت ، ووفقاً لروايتها فقد خرجت والدنيا مُظلمة أمامها. وحكت لها أخري أنها طلبت منهن( الشرطيات ) إعطاءها (ملايه) أو أي شئ تستر به جسدها لكنهن رفضن ذلك وبشكل حاسم ، كما أشارت إلى إرجاع راكبة أخرى على نفس الرحلة بسبب رفضها الاستجابة فعادت الى منزلها ، ووفقاً لرواية هذه الشابة أنها وبعد عودتها من الهند عرفت من صديقتها والتي سافرت في أواخر مارس الماضي إلى أنها خضعت الى نفس الفحص .
انتهي الخبر الذي ليته لم يبدأ !!
* أقنعت نفسي وقتها كغيري أن هذه الإجراءات علي وقاحتها لا تعدو كونها تصرفات فردية لا صلة لها بالمؤسسة الوزارية وقراراتها ، إلا أن ما حدث كان غير ، إذ أكدت أمس الأحد وزارة الداخلية الموقرة بملئ شدقيها أن هذه الإجراءات المتبعة (تفتيش الفروج) تأتي تنفيذاً للقرار الوزاري الصادر بهذا الصدد للحد من تهريب الاقتصاد السوداني إلي الخارج ، ليزيد دهشة المواطن حبتين ، لما لهذه القرارات السمجة من تعدي مبالغ فيه علي آخر معاقل خصوصية المواطن ومهد كرامته !!
* فإذا سلمنا جدلاً بحقيقة أن بعض النساء يقمن بحشر شيء من سبائك الذهب فى تلك الأمكنة بغرض التهريب والتربح بها خارج الأطر القانونية ، فكم يا تري تبلغ حجم تلك السبائك الذهبية ؟!
كيلو .. إثنان .. مئة كيلو .. أم مئة حبة …!!
وهل تساوي تلك الكميات إن -وجدت – ما يقوم بتهريبه أقرباء البشير وآله وأصحابه من القناطير المقنطرة من الذهب عبر الطرق الرسمية وعلي عينك يا مواطن ؟!
أم هل فكر وزير الداخلية المحترم غداة استصداره لمثل هكذا القرارات المسخة حول إمكانية مرور إحدى قريباته -بناته – خالاته – زوجاته الحسناوات المخضبات بالحناء السوداء يوماً بذات الحجرة التي أدخلت فيها حريم غيره وأخدعتهن قراراته لهذا الذل والاغتصاب ؟!!
أياً كانت الدوافع والأسباب فإن هذا الفحص اللا أخلاقي مرفوض حتي ولو يهرب كل ذهب السودان ، وعلي وزارة الداخلية والسلطات الأمنية إعادة النظر فوراً حول هذه القرارات الخرقاء ، والتفكير في جلب أجهزة فحص تكشف مخابئ الممنوعات بدل هذه الهمجية وقلة الأدب .