يبدو أن الأحلام التي كانت تداعب مخيلة ضحايا جرائم الجزار المخلوع عمر البشير بدأت تتهاوي شيئاً فشيئا في ظل ما تشهده الساحة العدلية من إستهبال واستحمار للعقول بإختزالها جميع جرائم السفاح في مبلغ قيمته 113 مليون دولار من الأوراق النقدية بثلاث عملات مختلفة تم العثور عليها في مقر إقامته بواسطة فريق من الاستخبارات العسكرية وجهاز الأمن والمخابرات والشرطة والنيابة العامة
عقب الإطاحة به ، حسبما أعلنه الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس الانتقالي في نيسان/ابريل المنصرم لفضائية فرنسية 24 .. استندت عليها المحكمة لاحقا كبرهان لأكبر جريمة إرتكبها عمر البشير طوال فترة حكمه .. ليواجه بموجبها تهمة حيازة النقد الأجنبي والكسب بطرق غير مشروعة ، ما يعني أنه بريئ من كل ما سواها .. في محاولة دراماتيكية سمجة ترمي إلي تجنيبه مواجهة العدالة الحقيقية التي لطالما انتظرها الملايين من ضحاياه ممن كتبت لهم النجاة من محارق الهولوكوست البشيرية التي ظلت ولا تزال ترتكبها مليشياته في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق الذين ما انفكوا مرغمين علي الاحتماء بمخيمات الذل والخوف والجوع في مابان ، و إيدا ، وكلمة ، وأبشوك ، وزمزم ، وأردمتا ، ومورني ، وقاقا ، وعطاش ، و نيم ، وجبل ، وبردجن، وترجن ، وطلوم ، واردمي ، وكنوكقو ، وام نبق ، وملح.. وغيرها من معسكرات النزوح واللجوء التي تكتظ بأكثر من أربعة ملايين مواطن/ة سوداني/ة ، و كل أملهم أن تأتي تلك اللحظة التي يشاهدون فيها جميع جلاديهم في قفص العدالة الصادقة يحاسبون علي كل ما اقترفوه من قتل واغتصاب وحرق .. لا القفص المسرحي الإستهتاري .
* ومع يقيني المسبق أن السفاح عمر حسن احمد البشير لم يدخل المعتقل مطلقا إلا لإلتقاط صور السيلفي لإيهام الناظرين أنه هناك يعاني من الباعوض والقمل والمرقود والعفن وأكل العدس ، يأتي ظهوره الأنيق بكامل هندامه وإبتسامته الساخرة و”شدوقه” المنتفخة ليؤكد للجميع أنه لم يكن معتقلا .. ولن يكون طالما ثمة هيئة مكونة من عشرات المحامين من أبرز أتباعه الفاسدين مسموح لها بتلقي التسهيلات و الدعم اللامحدود من جهات رفيعة في المجلس السيادي بغية تضليل الشعب وإيهامه ببراءته .
ولن يكون البشير في المعتقل طالما أن القضية قضية فلوس منحة خليجية ، وستكون نهايتها ذات المصير الذي آلت إليه دولارات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التي اختسلها الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك ، سيما وأن الطرف الثاني (المتظلم) مجرد شهود اثنان منهم محققان كانا ممن قاموا بتفتيش مقر إقامته والآخر مجرد مصرفي .
ولن يبقي البشير في سجن كوبر طالما سمح القاضي الصادق عبد الرحمن لهيئة الدفاع _وبكل طاعة _ بإحضار طلب مكتوب للنظر في إلتماس الإفراج عنه بضمانة عادية في الجلسة القادمة بعد أن تقدم المحامي هاشم أبوبكر بذلك .
* وبين هذه وتلك ، تبقي الأسئلة التي ستظل حاضرة بإلحاح علي أذهان المتابعين من الشعب السوداني لما يجري أمامه من مهازل :
– من المسؤول إذاً عن تلك الأرواح المزهقة طوال فترة حكم البشير الدامية ؟
– هل نسي المتحري العميد شرطة احمد علي أن قبور شهداء ثورة ديسمبر الذين تساقطوا كالجراد من الشباب العزل علي أيدي مليشيات المخلوع البشير لا تزال رطبة لم تجف بعد ؟!
– أما خطر ببال النيابة العامة أن هذا المبلغ المالي المتواضع لا تساوي قطرة من بحار الأموال السودانية المنهوبة المصدرة إلي بنوك ماليزيا وتركيا وقطر والامارات وكندا ؟!
– وأين سيختبئ البشير من ضحاياه بعد إنتهاء مسرحية محاكته التي سوف تخرجه كالشعرة من العجين كما صرح بذلك احمد ابراهيم الطاهر رئيس برلمانه الأسبق الذي يترأس حالياً ما سميت بهيئة الدفاع عن الرئيس المعزول ؟
– وهل هذه هي النزاهة التي ظل يتمشدق بها الفريق أول البرهان كلما سئل عن المحكمة الجنائية الدولية ؟
– وهل هناك استفزاز لذوي الضحايا اكثر من السماح باستمرار هذا العبث ؟
– ألا يعتبر هذا التهاون من قبل المجلس السيادي إزاء ما يجري تعاونا مكتمل الأركان لمخارجة السفاح البشير من كلابيش المحكمة الجنائية الدولية أو محاكم الثورة السودانية المنشودة في هتافاتها المرعبة للطغاة _حرية، سلام، عدالة ؟
أخشى أن يحفز هذه الممارسات الحكومة الجديدة لارتكاب أبشع مما أرتكبته الأوائل .
ختاما :
غداً ستكشف الأيام ما سكتت عنه الأقلام
أحمد محمود كانم
المملكة المتحدة
26 اغسطس 2019