الفاشر – صوت الهامش
قبل مغيب يوم “الخميس” قبل الماضي، غادرنا مدينة الفاشر، حاضرة ولاية شمال دارفور، رفقة حاكم إقليم دارفور، رئيس حركة/جيش تحرير السودان، مني أركو مناوي في رحلة طويلة وشاقة تجاوزت ال300 كيلو، قاصدين مناطق ظلت على الدوام في طي النسيان والإهمال من قبل الحكومات المتعاقبة، لم تجد تلك المناطق النائية الإهتمام اللازم وحظها من التنمية من قبل من حكموا السودان، يكابد المواطن فيها لان يعيش بكرامة، في وطن أزلت فيه كرامة الإنسان وبات سفك الدماء عند النظام البائد أسهل من أي شئ، فكانت هذه المواقع مسرحاً للعمليات العسكرية في سني حكم نظام المؤتمر الوطني، فقضت الحرب التي اندلعت بدارفور في العام 2003 على الأخضر واليابس، الاف المواطنين تم تشريدهم ما بين نازح في مدن إقليم دارفور ، ومنهم من تمكن من عبور الحدود السودانية التشادية، قاصدا المعسكرات المنصوبة في شرق تشاد.
مناطق الحرب
محليات “أمبرو، كرنوي” بولاية شمال دارفور ، من أكثر الاماكن تضرراً من الحرب، ارتكب فيها النظام البائد الاف الجرائم التي إرتقت لمصاف الجرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي والإبادة الجماعية، الان عقب التوقيع على اتفاق السلام في جوبا يأمل مواطني تلك المناطق في أن يتم استثمار السلام في مشاريع خدمية يستفيد منها الإنسان في مأكله ومشربه وصحته وتعليمه.
“كرنوي” الجريحة
عقب إنتهاء زيارة حاكم إقليم دارفور لمحلية “أمبرو” التي أمضى فيها ليلة واحدة، توجه موكبه ليقصد محلية “كرنوي” تحديدا رئاسة المحلية مدينة “كرنوي” هي الأخرى بدأت التعافي من الامها وجراحاتها بسبب الحرب، ما خلفته الحرب من معاناة في هذه المنطقة لايمكن تعويضه بأي حال من الأحوال، سنوات من عمرهم قضوها تحت “القصف” المتواصل لطيران البشير لم يحميهم من بطش الالة العسكرية، سوى “الجبال” التي يلجأون إليها مع كل “غارة” علها تقيهم من بطش ووحشية الالة العسكرية التي تقتل بلارحمة.
حكايات عن “كرنوي”
مواطني المنطقة ما زالوا يتذكرون سنوات المعاناة التي عاشوها أبان فترة الحرب، ويقول الصحفي وأحد أبناء المنطقة مبارك موسى أبوسن أن كرنوي من المناطق الكبيرة بولاية شمال دارفور تمتاز بطبيعة غلابة، ولها ارثها التاريخي وزاخرة بالخيرات وتعد معبر للشاحنات الكبيرة التى تأتي من دولة تشاد بإعتبار أن بها محطة جمارك كبيرة.
ويشير في تعليق ل”صوت الهامش” أن المنطقة تأثرت بالحرب الطاحنة التى اندلعت بدارفور عام 2004 ؛ مبينا أن الحكومة السودانية قذفت المنطقة بالصواريخ وطائرات الأنتوف شردت أهلها ونزحوا منها فلجأوا لمعسكرات شرق تشاد ، اصبحت مهجورة بسبب الحرب.
ويبين أبوسن أنه حتى عهد قريب كانت الحكومة تعتبرها احد مناطق التمرد بإعتبار اغلب ابنائها إلتحقوا بالثورة ابان تأسيس الحركات المسلحة وحرمتها من الخدمات الأساسية واصبحت منطقة تفتقر ابسط الخدمات من المياه والصحة والتعليم ويضيف أنه بعد سنين اصبح هناك عودة جزئية وشبابها اطلقو مبادرات منها صندوق تنمية اعمار دارقلاء ومبادرة تطوير محلية كرنوي ساهموا من حر مالهم وقطعوا شوط كبير للنهوض ببلادهم وجلبوا بعض المعدات للمشفي وساهموا في التعليم وغيرها.
وأكد بأن هناك الكثير من الاسر تضررت من الحرب وتابع” تجد بعض العائلات فقدت اكثر من ثلاثة ابناء من منزل واحد ، اغلب شبابها اما ماتوا في الثورة او هاجرو لاوربا”.
رداءة الإتصالات
رغم أننا نعيش في عصر التكنولوجيا والتطور الرقمي، الا أن هناك مناطق في السُودان تعاني صعوبات الحياة القاسية، منقطعون عن العالم الخارجي، مدينة “كرنوي” العريقة تعاني من ضعف في شبكة الاتصالات، لا يمكن لمواطني المنطقة التمتع بخدمات الإنترنت لضعف الشبكة التي عادة ما تخرج عن الخدمة لساعات طويلة، حاكم إقليم دارفور مني أركو وعد أهالي كرنوي بتقوية الشبكة لربط المنطقة اسفيريا مع العالم.
المنطقة “المنسية”
اكثر توصيف يمكن أن توصف به تلك المناطق بأنها مناطق “منسية” يعيش أهلها في عُزلة تامة عن الحياة، رغم ذلك كيفو أنفسهم على تلك المعاناة. جُل هذه المناطق بما فيها “كرنوي” تعرضت لاستهداف ممنهج من قبل النظام البائد، الذي قتل وشرد مواطنيها ودمر منازلهم وحولها لأطلال، كثير من الناس عادو لتعمير ما دمرته عقب الاستقرار النسبي وتوقف الحرب بدأوا حياتهم من الصفر في ظل ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد، يسرد المواطنين معاناتهم في سنوات الحرب اللعينة وكيف كان نظام المؤتمر الوطني المُباد يقصف المدارس والمستشفيات وحتى دور العبادة لم تسلم من تلك الغارات، ورغم ذلك تناسوا المرارات وبداؤا في إعمار ما دمرته الحرب عبر جهد ذاتي يعملون بهمة ونشاط لإعمار الديار وعودة من تم تهجيرهم قسراً في سنوات الحرب.
عقب وصول حاكم إقليم دارفور لمحلية “كرنوي” عقد لقاءات مكثفة مع مواطني وأعيان المنطقة، لمناقشتهم حول مطالبهم الأساسية التي ينادون بها، كرنوي مثلها وبقية المحليات الغربية بولايات شمال دارفور تفتقد لخدمات الصحة والتعليم ومياه الشرب، تلك هي كانت مطالب المواطنين الأساسية، ووضع مناوي حجر الأساس لعدد من مشاريع التنمية في رئاسة المحلية لعل أبرزها مدرسة كرنوي الإبتدائية ومستشفى “الشهداء” الخاص بالنساء والتوليد، لإنهاء معاناة النساء في عسر الولادة وأشرف مناوي على إنجاز بعض المصالحات الضرورية لبناء السلام، وتعهد بإنشاء مراكز لبسط الأمن الشامل .
وأعلن عن تبرعه ب15 سيارة لنقل الطلاب مع التخطيط لبناء داخليات سكن طلابية بالمحلية، ودشن مشروع حفر الآبار والسدود الممول من بعثة “يونيتامس”، وأكد أنه سيشرع بالجلوس مع شركات الجنيد والصادق للطرق والجسور لتكملة مشروع ربط طريق الفاشر-كرنوي-الطينة.