حسن اسحق
ايها العجوز، هل رأيت يوما فانوس سئ السلوك، هكذا بدأت السيدة نفيسة مع بشة ذاك الشاب شبه الوسيم الذي تبدو من ملامحه الاولي، انه ملتزم، لكن الامطار لا تأت في الربيع ابدا، تضرعوا جميعا للحاكم سرا، افواههم مليئة بالكلمات، والعبارات والتمنيات، وفي حقيقة الامر من يجرؤ ان يقول ان ام الرئيس مطلقة.
الفانوس مغرم بست الشاي، فتاة جميلة في بداية عمرها، مزة عبارة يطلقونها عندما تأتي لهم بالشاي والجبنة، مليئة بالحيوية والحركة الرومانسية، رؤيتها تفتح بابا للحياة، رغم الاصرار علي اغلاقه عمدا من جانب مالكو الشجرة الاوغاد، يجلسون تحتها مجبرون علي الجلوس، يشتمون ويسيئون سرا باقذع العبارات، هي السبب تبا لهم، وتبا لذلك الشهر اللعين، هو من ادخلنا في نفق، لا اول له، ولا اخر .
اه اه اه هكذا الشبلي في سره يكررها بالمئات والالوف والملايين صباح مساء، قلبه انكسر، وفؤاده انحسر، وجيبه انشطر، ويردد سرا مقطع من قصيدة لاحد الشعراء المهاجرين من اوطانهم قسرا، من قال ان النفط اغلي من دمي، مادام يحكمنا الجنون، سنري كلاب الامن تلتهم الاجنة في البطون، ويرد عليه صاحبه بشة بسؤال مفاجأ لم يتوقعه في تلك اللحظة المحزنة الكئيبة، هل توجد بطون حتي تلتهم ياصديقي، فاقد للذاكرة مؤقتا، التهمت منذ الثلاثين من يونيو قبل عقدين وخريفين كما اعلم ،نعم تعلم، لكنك تتحاشي قولها خوفا من الزج في حقول الحياة البائسة، ويحدث لك، كما قالت سوسن اثناء جلسة الجبنة والنرجيلة في سوق العذبات للعم موسي كتمت فيهو، عندما تجرأ قائلا فصلوني دون حقوقي، وانا لن اصمت، واطعن في خيال الفيل، وهو امامي، الان اختفي من ساحة الفوانيس ،لا اثر ،لا حس ،لا خبر.
صوتك سبب اذاك، لكن الاذي في، افضل شئ صوتك يكون مسموع، وراسك مرفوع، يابرقو، انت الخوف في شنو، تبدو حظوظك لايار الجميلة اتضحت معالمها، وانكشف المستور في غياهب الكمبو الليلية، وتسيئ لجمعة المسكين الصامت، والنعيم الخال الهادئ، عينك ياتاجر، اخجل شوية، من استحي غادر الحياة ،رد عليه الشبلي، وفنجان القهوة في فمه كاد ان يسقط ويشوه بنطاله الوحيد المخصص للعقدات.
الفانوس الكبير يرغي في الكلام، انه مولع بالحب، المشككون كثر، منهم من يصرح دون خوف، ان لسانه السليط كالموس لا يترك شاردة ولا واردة، اذا وقعت في فخه، سموها شبكة الفوانيس، اذا تعثرت قيامتك اندلعت، وتوجه لك دافع التجريح، وفتح دفاتر الماضي شبه القريب، عقارب تنتهز فرصة القيولة لتمارس غواية التشويه، ولهيبها سيغدقك بالفضائح والمسكوت عنه من مخازن العقدات وشراب الجبنات من الكمبو وحي فور، والرحمانية، وود الكامل وحي المزاد، والمصانع، وشارع السينماء، سيل من الفضائح ينهمر دون توقف، الويل اذا ازعجته.
الكل يخشي ان يصطدم معه، ستات الشاي في سوق العذبات، اغلبهن يشعرن بالفرح، حال جلوسه قربهن، فوانيس يتحركون معه، الجلسة معه تكشف وترفع النقاب عن جزيرة الاسرار.
في جلسة فانوسية تحت الشجرة التي سموها اثناء تناولهم القهوة شجرة الفوانيس، الكبير كان غائبا في جولة عمل ليلية سرية غامضة، في حقيقتها شهوانية جسدية، اقسم احدهم، وضحك ساخرا، انه متيم بالفار الجديد، مصطلح استهتاري، واستخفاف بفتاة تعمل في السوق بالقرب من موقف طابت الذي يضج بالمارة والباعة، وبعض دكاكين الحلاقين النادبين للحظ المقيت، واليوم الذي وجدوا فيه الام سرية، وحبيسة عن البوح في ظل اسرب الكلاب التي تتحرك سرا وتلبس الاقنعة المدنية، انه مغرم بها، ويخشي التجرؤ بضوء الحب الذي اجتاحه فجأة، والسخرية مهيأة للتداول، اذا فكر في ذلك، همس له احدهم علي اذنه الطويلة، اعقلها، وخوض المعركة الرومانسية مع الفأر الجميل، رد عليه غاضبا، اخاف ان يستهتروا بي، ويصفوني بملك الفئران.
مر اسبوع علي غياب الفانوس الكبير، زعيم الشلة، عاد حزينا، الدموع احرقت ثيابه، تبدو في عينيه حديقة من البؤس والشفقة، زهور تناثرت علي قارعة الطريق، هواء المساء يدحرجها نحو الرصيف المتسخ بالقاذورات، وبقايا الاطعمة الشعبية، سيدة عجوز تندب حظها العاثر دائما في الحياة التي غدرت بها،هي وابنتها، زوج ابنتها هرب، وترك لها مليشيا من الاطفال عشرون، دون سند ، ودعم معنوي علي اقل تقدير، او بندول يذهب عنها البكاء، من يعينها، موظف المحلية ذو الكرش المنتفخة، والمؤخرة التي تخزن شمحا يكفي للاطفال في كمبو المحالج، جاءها اريد حق النفايات، واخر اريد حق الصحة، صرخت فيهما، اغربا عن وجهي ايها الاحمقان، الا تشعران بي، اني اعيل اسرة بها عشرون طفلا، ذهبت يوما لبيت مال الفقراء، قالوا لي انه للموالين، والعاملين عليها، والبقية عليهم ان يوفقوا اوضاعهم المستقبلية، او انتظار زوج الابنة بالعودة، وتمني صاحب الكرش الكبيرة بعدم عودته حتي تكون رصيدا للشجرة المشؤومة اللعينة هكذا خرجت تجرجر ملابس الخيبة.
الطفل في البيت ينتظرها، حبوبة اننا جوعي، بالامس لم نأكل واليوم ايضا، الصغير لا استطيع ان اتحمل، اريد ابي، والام علي السرير المكسور تتألم من جرح الغياب الزوجي، والمرض الجسدي، واخرون يجمعون مال النفايات والصحة، وام الاطفال فارقت الحياة، في انتظار حياة اخري، اذا كان رصيدها الدنيوي يؤهلها للنعيم.