نور تاور
فى الواحد وستون عاما هى عمر الاستقلال فى السودان , كانت الديمقراطيات أقل من أثنى عشر عاما.. وتلك الديمقراطيات توزعت على ثلاثة مراحل.. وفى الثلاثة مراحل حكمها الصدق المهدى…. و فى كل مرة يقاوم السودانيون الانظمة العسكرية ويضحون بالغالى و النفيس ويأتون بالصادق المهدى رئيسا للوزراء عن طريق صناديق الاقتراع ينقّض عليه العسكر وينتزعوا منه كرسى السلطة.. و مبرر هذا الفشل المتواصل كما صرح الصادق المهدى بأن العسكر لا يمهلونه..و لكن الحقيقة هى ما أن يعتلى الرجل كرسى السلطة حتى يوزع وقته بين أعادة ما سلبه العسكر من حزب الامة من عدد النخليل وعدد الافدنة والعمارات والفلوس , ثم تضرب الفوضى أطنابها فى دواوين الحكومة.. ثم الكلام والخطب والتصريحات التى تصدر من الصادق المهدى حتى يخيل اليك أن الرجل يعانى من ال
bipolar depression
و الصادق المهدى رغم أنه الرجل الوحيد فى سودان ما بعد الاستقلاق الذى حكم بالديمقراطية الا انه عسكرى دموى من طراز فريد..فقد دخل بالانصار من ليبيا فى فترة جعفر نميرى بغرض الانقلاب..الانقلاب الذى اسماه السودانيون انذاك بأنقلاب المرتزقة..ولكن جعفر نميرى ضرب الانصار ضرب غرائب الابل و مزقهم اربا اربا..
وهو أيضا صاحب معسكر الانصار فى اسمرا حينما كانت المعارضة تناوش الانقاذ عسكريا من اسمرا, ولكن المعسكر اقفل وعاد الرجل الى حضن الانقاذ ومارس كثيرا من الكر و الفر مع الحكومة حتى أرهق شعب السودان بهذا السلوك المتأرجح.. وما زال يتأرجح بين المعارضة والحكومة….
ولكن أهم فترة عسكرية فى تاريخ الصادق المهدى هى الديمقراطية الثالثة حينما أعلن حرب المراحيل فى جبال النوبة..وقد كانت الحرب تحديدا ضد قبائل النوبة..تلك الحرب لم يكن لها أى مبرر..وتلك الحرب لم يكن لها أى معنى..و لكن الرجل قرر اعلان تلك الحرب بغرض الفنتازيا و الاعجاب بالنفس مثل أى طاؤوس..
تلك البذرة الشريرة والخطيرة هى التى تنهش فى جسد جبال النوبة حتى اليوم . فقد أستقل الصادق المهدى ولاء البقارة له, وأنتمائهم لحزب الآمة ونفذوا له الحرب بكل حذافيرها وبقيادة فضل الله برمة..
فى تلك الحرب أعلن الصادق المهدى للبقارة أن النوبة عبيد وأنجاس ومناكيد..ثم منحهم العتاد العسكرى والرتب و الصلاحيات الكاملة لانتزاع حلال النوبة وحرق ما لا يستطيعون حمله … سبى نساؤهم والاعتداء عليهن.. ومعاملة النوبة كأسوأ ما يكون..ثم و الاخطر من كل ذلك أعادة الرق الى المنطقة..ولنقرأ كتاب عشارى وعلى بلدو عن مذبحة الضعين..
ثم الرق الذى حدث فى أبيى..فجأة تحولت المنطقة الامنة الى قاع جهنم..وأصاب الناس الهلع..وهرب من بقى على قيد الحياة الى أى جهة يمكن أن تنّجيه من بطش الصادق المهدى أنذاك..كل ذلك لماذا ؟ كل ذلك لآن بعض الاشقياء من النوبة أعتدوا على مركز للشرطة وقتلوا أربعة من العسكر.قضية جنائية واضحة ومحددة..و لكن الصادق المهدى الذى كان يبحث عن فرصة لابادة النوبة استقل تلك الحادثة وقرر أنه سوف يضرب الضربة القاضية عام 89 لولا أن عمر البشير لم يمهله..ثم قرر الثانى مواصلة ما بدأه الصادق المهدى… و مازالت الحرب مشتعلة حتى الان…
تلك الحرب هى بداية نزوح النوبة جنوبا والانضمام الى الحركة الشعبية والعودة للانتقام..الان ورغم الجهود المبذلوة من قطاعات عريضة فى جبال النوبة لرأب الصدع و أعادة تلك العلاقات الجميلة بين النوبة والبقارة الى أصلها, الا أن هناك كثيرا من النفوس المشحونة بالغبن..سواء من النوبة أو البقارة..و العلاقات لم تعد الى سابق عهدها..كل الذى يحدث هو المحاولة تلو المحاولة و لا ندرى الى أين سوف نصل..أضافة الى أن حزب الامة قد فقد أنصاره فى الولاية بعد أن قرر الانصار من البقارة بأنهم سوف لن يحاربوا بالوكالة مرة أخرى…
الصادق المهدى و فى سابقة خطيرة جدا طرد الشيوعيين من البرلمان, ثم أعتذر بعد ثلاثة عقود ولكنه اعتذار أى كلام..
ديمقراطية الصادق الثالثة هى من قامت بالانقلاب على نفسها..لآن الصادق المهدى وعثمان الميرغنى فى انشغالهما بمذكرة الضباط العشرة منعا للانقلاب, كان حسن الترابى يسلم الحكومة للاخوان المسلمين..
خلاصة الآمر..
الصادق المهدى عبقرية فى الفشل..عسكرى دموى أسوأ من كل العسكر الذين أنقضوا عليه وخلعوه لانه يتوارى وراء الديمقراطية..و يتلون بألوان قوس قزح..و الصادق المهدى عنصرى من الطراز الآول ونرجسى عاشق لنفسه..و بعد أن فشل ثلاثة مرات فى قيادة السودان بعد الاستقلال وحطم أحلام الشعب السودانى , ما يزال الرجل يمد أياديه الملوثة للشعب السودانى ويخطط مع نداء السودان لمستقبل السودان. أى مستقبل هذا ؟ لا مستقبل للصادق المهدى فى السودان بعد الان..و أمام حزبه تركه من سياسات زعيمهم الفاشلة عليهم تصحيحها…. فالشعب السودانى تحّمل من حزب الآمه ما لا يخطر على بال..
فقد آن أوآن تأسيس دولة المواطنة وليس دولة العقائديات و الطائفيات و العنتريات و الانظمة الشمولية الدكتاتورية التى تتلون بألوان الديمقراطية..