عندما ترتبط العبادة بالغرض السياسي تكون قد افرغت من محتواها الروحي السامي، درج انصار حزب المؤتمر الوطني المحلول على استغلال شعائر الله من صوم وحج وصلاة وزكاة في تحقيق المكاسب السياسية، في عهدهم عقدت المؤتمرات الاقليمية الشاحذة لهمم المسلمين من أجل الاحتشادات الداعمة لأسباب بقائهم وحفاظهم على السلطة، حوّرت كل الفعاليات الدينية لديهم لغرض الفعل السياسي الدافع لعجلة سلطة حزبهم البائد، ومنذ ان كانوا شركاء في الحكم المايوي ما فتئوا يداومون على اقامة معسكرات الصوم الطوعي لاطلاع الناشئة على كتيبات حسن البنا الصفراء، مفهوم أمة الاسلام ينحصر في حدود جماعتهم بحسب فكرهم القاصر دون اعتبار للملل والنحل والطوائف والجماعاتالأخرى، ترى هذا في معاني هتافهم (عائدون عائدون نحن نحن المسلمون) الذي يحمل دلالة عميقة على انهم يحصرون زمرة المنتمين للأمة الاسلامية في اطار جماعتهم، ويشترك معهم في هذا الادعاء كل الجماعات الدينية الأقصائية المتطرفة، وهي ذات الشعارات الناسفة لقيم الاسلام السمحة، هذا الاسلام البريء كل البراءة من الاعيبهم، ومن الشعارات المشجعة على تفتيت عضد المسلمين بترسيخ مفاهيم الخلاف المذهبي وتعميقها.
الافطار الرمضاني المقام تحت اشراف ورعاية الحزب البائد يصنف كنشاط سياسي، وجميعنا يعلم ما اتخذته الحكومة الانتقالية من قرار تم بموجبه حل هذا الحزب الذي نكل بالانسان السوداني، هذا التنظيم الثيوقراطي الذي يَمْثُل رموزه الآن أمام المحكمة المختصة في محاكمتهم بجرم الانقلاب على الشرعية الدستورية وتقويض النظام الديمقراطي القائم آنذاك، وقد تم تنظيم نفس الافطار الرمضاني في العشرية الأولى من شهر رمضان الجاري، وهتف المفطرون باسم شعاراتهم القديمة المطالبة باقامة دولة الاسلام الراشدة التي فشلوا في اقامتها وبناء اركانها، ولن يسمحالشعب الكريم الطيب باقتطاع ثلاثة عقود من عمره مرة ثانية لاعادة انتاج الوهم والزيف، ولكي يعلم الناس أن المدة الزمنية للرسالة المحمدية منذ نزول الوحي على سيد الأولين والآخرين، وحتى لحظة انقطاعه بموت الرسول (ص) لم تتجاوز الثلاثة وعشرين عاماً، في حين قضى الرساليون المزعومون ثلاثين عاماً في محاربة الله ورسوله والمؤمنين بارتكاب الموبقات والكبائر، فقسموا المجتمع لجماعات مهووسة متناسلة لم تخدم نفسها ناهيك عن خدمة الاسلام والمسلمين، وفي آخر عهدهم نسفوا وحدة الوطن ببتر جزء عزيز من ترابه وأججوا نيرات العصبيات العرقية.
لابد من فصل الافطارات الرمضانية عن السياسة، لأن الصوم والفطر المرتبط بالحشد والتعبئة السياسية يعتبر اساءة بالغةلسماحة ديننا الحنيف، ذو التوجيهات الرافضة لادعاء امتلاك حفنة معينة من المسلمين للحق العام المسلم، يجب ان تمنع اقامة اي عبادة دينية تحت غطاء أي حزب أو تنظيم سياسي، وذلك حفاظاً على قدسية الدين وحمايته من تغول الساسة وطلاب السلطة والمال والجاه، فمن أراد أن يصلي ويصوم ويقيم الليل فليجتهد ما شاء الله له من الاجتهاد بعيداً عن الزج بتوجهاته السياسية من خلال بوابة الدين، لقد قضى شعبنا الطيب المسالم عشرات السنين لا يفرق بين واجب رجل الحكومة والسياسة من جانب وامام المسجد وقس الكنيسة من الجانب الآخر، وآن الأوان لكي يعي هذا الشعب الطيب أن الشأن الحكومي والسياسي منوط به توفير الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والخبز والدواء والمحروقات والمياه الصالحة للشرب والصرف الصحي، وأن أئمة المساجد وقساوسة الكنائس واجبهم تقديم النصح والارشاد والمواعظ والمحاذير وتهيئة الفرد والجماعة ليوم الوعيد، دون أن يستغل هذا الامام أو ذاك القس محراب المسجد وجرس الكنيسة في الدعاية الانتخابية لحزب ما.
الحكومة الانتقالية عليها واجب حفظ أمن وامان المجتمع، من عبث ايدي مثيري الكراهية الدينية والمحرّضين على الفتنة لضرب تماسك نسيج التسامح السوداني، بحسم فوضى اتخاذ الساحات العامة منابر للتشاحن والتباغض والتنابز الطائفي والمذهبي المسيّس، وساحة الشهداء هذه حري بها أن تكون مكاناً فسيحاً للناس ومتنفساً للأسر والاطفال، لا ميداناً لسل السيوف من اغمادها بالتهديد والوعيد، فمنظمات المجتمع المدني المعنيّة بالأمر ووزارتيالثقافة والاعلام والشئون الدينية تقع على اكتافها تبعات التقصير التوعوي والقصور الاعلامي، وعليها أن تقوم باعادة (ضبط المصنع) للمنظومة المفاهيمية للشباب الذين خُرّبت عقولهمبواسطة رموز حزب المؤتمر الوطني المحلول حينما قاموا بتسييس المنبر الديني، فالواجبات التربوية والتوعوية والوطنية لم تؤدهاهذه الجهات المعنية في منظومة الانتقال، على الرغم من مرور عامين على التغيير، لقد فتكت حاويات المخدرات المستوردة عن طريق البائدين بعقول الشباب، واعمل البائدون مفعول افيون دجلهم الديني المسرّب عبر منابر المساجد في حرف مسار قيم وسلوك الفرد السوداني العفوي، فواجب هذه الجهات المعنيّة هو تنظيفالساحات العامة والعقول، مما علق بها من تشوهات الفلول.
اسماعيل عبد الله
30 ابريل 2021