يبدو لي هذه المرة أنني أكثر تفاؤلا بانتخاب الرئيس الصومالي الجديد محمد عبد الله فرماجو، وهو ما قد يعطي بارقة أمل لإعادة صياغة المشهد الجيوستراتيجي ليس فقط في الصومال ولكن في عموم القرن الأفريقي. ما هو الجديد في انتخاب الرئيس التاسع لجمهورية الصومال؟ فرماجو، وهو اسم الشهرة يبدو لحبه للجبنة الايطالية ، ينتمي للماريحان إحدى عشائر الدارود. يحمل جواز سفر أمريكي حيث حصل على درجة جامعية في التاريخ وماجستير في العلوم السياسية من جامعة ولاية نيويورك في مدينة بافلو . وقد اكتسب فرماجو خبرات عملية واسعة حيث عمل في بلدية مدينة بافلو وفي قسم المواصلات بها، كما أنه عمل دبلوماسيا في سفارة بلاده في واشنطن. لم يكن فرماجو الذي يبلغ من العمر 54 عاما غريبا عن المشهد الصومالي بتعقيداته المختلفة حيث تبوأ مقعد رئاسة الوزارة لمدة وجيزة بين عامي 2010 و2011 حيث ظهرت ملامح رؤيته الاصلاحية واضحة للعيان، وهو ما يجعلنا نتفاءل بشأن المستقبل.
ماهي العوامل التي ساعدت على تغيير الوضع القائم في الصومال منذ محنتها في عام 1991 وخروجها من دائرة فساد السياسة في الداخل عن طريق الأخوة الأعداء ومناورات الخارج عن طريق قوى إقليمية متربصة؟ على الرغم من أن العملية الانتخابية تجرى بشكل غير مباشر وعادة ما تشترى فيها الأصوات بالمال ، فإنها هذه المرة كانت ذات مصداقية نسبيا الأمر الذي أدى إلى انتقال سلمي وسلس للسلطة. نستطيع الإشارة إلى ثلاثة عوامل مهمة :
العامل الأول: يتمثل في الخروج من عبثية صراع أولاد العم والعودة إلى مفهوم الحلم الصومالي الجامع. لقد كنا نتحدث دوما عن الاستثناء الصومالي في السياق الأفريقي حيث تنعم الأمة الصومالية بالتجانس العرقي واللغوي والثقافي وحتى في إطار المذهب الديني الشائع. بيد أن جشع الساسة في الداخل وتكالب الخارج أدى إلى تفتيت الموحد، بل وسمعنا عجبا عن “الصوملة” على وزن “البلقنة” كرمز دال على الانقسام والتفتت العرقي والسياسي. جاء فرماجو ليذكر أبناء الصومال بهويتهم الجامعة فحصل على تأييد غير مسبوق من مختلف العشائر والبطون ولينهي محاولات البعض الابقاء على تميز أبناء أبغال الذين ينحدرون من عشيرة الهوية . لقد كان الاستياء واضحا من تحالف عشائر أبغال / الهوية و ماجيرتين / الدارود الأمر الذي سمح لهم بالسيطرة على معظم المناصب السياسية الكبرى في الصومال.
العامل الثاني يتمثل في دور عنصر الشباب ولاسيما العناصر المقيمة في المهجر. فلو نظرا إلى التشكيلة الحالية للبرلمان الصومالي لوجدنا ان نحو 165 عضوا من إجمالي 283 هم من الشباب دون سن 35 عاما. ويبدو أن بعض هؤلاء لديهم ارتباط بتوجهات اسلامية مسيسة تنظر إلى الوجود الأجنبي بعدم ارتياح وتأمل في أن يسترد الصومال عافيته ويدافع عن كرامته وسيادته. كان هذا العامل بلا شك ضد الرئيس السابق الذي نظر إليه على أنه تابع لأثيوبيا ويسمح لها بالتدخل أكثر من اللازم في الشأن الصومالي.
ثالثا ثورة التوقعات المتزايدة بين الصوماليين والرغبة في الخروج من النفق المظلم الذي أدخلهم فيه تجار السياسة وامراء الحرب ومن شايعهم في الخارج. فقد استفاد فرماجو بذكاء شديد من الحماسة الشعبية والرغبة في التغيير من خلال تقديم نفسه باعتباره الشخص المناسب الذي يمكنه بناء جيش وطني صومالي قوي ليحل محل قوات اميسوم، ويعمل على دعم استقرار ووحدة الصومال من خلال التصدي للتدخلات الأجنبية وكبح دول الجوار
وعلى الرغم من كل ما سبق فإن شعبوية فرماجو وثورة التوقعات المتزايدة قد تتحول إلى احباطات متزايدة مالم تتوخى الحكومة الجديدة الحذر في تعاطيها مع ملفات الداخل والخارج. فعلى المستوى الداخلي يحتاج فرماجو إلى تحقيق رؤيته الخاصة بمحاربة الفساد وتفكيك شبكات وروابط الدولة العميقة المستفيدة من بقاء الوضع على ما هو عليه. وعلى المستوى الإقليمي لابد من الحذر وعدم استعداء اثيوبيا التي يساورها القلق من عودة وتنامي العامل العربي في الصومال. إن تكالب القوى الدولية والإقليمية على منطقة القرن الأفريقي ولاسيما بعد تنامي دور الجماعات الراديكالية الجهادية وزلزال ما سمي بالربيع العربي يتطلب براعة سياسية فائقة أشبه ما تكون بفن الرقص على الحبال.
ندعو الله أن يوفق الرئيس فرماجو ويعيد للصومال عافيته واستقراره.