الخرطوم _ صوت الهامش
قاد الشباب في السودان معارك عنيفة وضارية ضد نظام الإنقاذ البائد، ووقفوا ضد الحرب العدواني التي شنها على أقاليم النيل الأزرق “الفونج” وجبال النوبة ودارفور، بالمظاهرات الضخمة، وكذلك بالأغنيات والموسيقا التي تندد بالعدوان وتدعو للسلام.
ولعبت الموسيقى والغناء، دورا مهما في إدانة الحروب على مدى التاريخ الإنساني ، وعبرت عن مقاومة الشعوب للأنظمة الشمولية والاستعمار وعن الآمال الشعوب لتحقيق السلام والعدالة والمساوة، وكان لفرقة “صوت جبال النوبة” القدح المعلى في مقاومة ظلم النظام البائد والتعبير عن أمال السودانيين وخاصة في المناطق المهمشة فيه لتحقيق العدالة واحلال السلام.
وساهم أعضاء الفرقة بالأبداع في مجال الموسيقى والغناء والتمثيل في المقاومة، وفي زمن قصير انتجوا العديد من الأغنيات فضلا عن الأفلام، ويمتاز أعضاءها بأصوات قوية عالية وتملئهم الطاقة والحماسة في العمل الفني.
وأوضحت أغنياتهم وكلماتها وموسيقاهم الصاخبة، عن جيل عنيد غير قابل للخنوع، وندد بعدوان القوات الحكومية على المدنيين في مناطق الحروب بدارفور والنيل الأزرق وجبال النوبة، ولطالما هم فنانين حساسين ومرهفين بالأحداث المأساوية، من الطبيعي تخرج أعمالهم صادقة، كما في مقطوعات اغنياتهم التي تصور مأساة الناس والأمل بوضع حد لها.
وعن رحلته الفنية، يقول المغني وعضو فرقة صوت جبال النوبة، جانجا محمد على، لـ “صوت الهامش” “كنت بحب الموسيقى والأفلام، ولدي أفكار كثيرة بخصوص الكتابة الشعرية والموسيقى، ولكن لم نجد شخصا يساعدني في تنميتها”، مضيفا التقيت مع أعضاء الفرقة في منطقة كاودا بجبال النوبة، وأسسنا مركزا وبدأنا نساعد بعضنا من خلال شرح الأفكار التي تدور في اذهاننا عن الفن، حيث قطعنا أشواطًا طويلة بعد بناء المركز.
ويستمع جانجا للموسيقى وللفنان الجمايكي بوب ماري، واخرون، الذين يغنون للحرية، ويعزف على آلة “الكمبلا”، كان يذهب للنوادي والحفل، وطرأ تحولا كبيرا عندما وصل سن الـ 15 وعندها بدأت تجربة كتابة الأغنيات على حد قوله.
ويقول جانجا انه ذهب لكاودا بجبال النوبة والتقى هناك بعدد من الشباب وناقشوا أفكارهم حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، وتمخض عنها بناء مركز يساعد الأهالي، بهدف انتاج الأفلام، وكان يأتي الشباب لمشاهدة أفلام سينما الموبايل، حيث كتبوا عددا من القصص عن المشاكل التي تواجه المجتمع وعن الأحداث التي تقع في جبال النوبة.
ويمضي جانجا قائلا: “انتجنا اول فلم سميناه المحتالين” بمساعدة المخرج حجوج كوكا، وتدور فكرة الفلم حول عمليات السرقة والتسلق في المنازل، وأردف قائلا: “انبهرنا بالفيلم بعد ان شاهدناه، وارتحنا شديد عندما رأينا أنفسنا ممثلين فيه وازداد شغفنا وحماسنا في العمل الفني”.
كذلك قامت الفرقة بإنتاج فليم آخر وهو “الاتش أي فزي” او الأيدز، وبعدها تطورت قدرتهم في الكتابة والتمثيل والتصوير، وامتلكت الفرقة أيضا جهاز “البروجكتا” لأول مرة ، حيث كانوا يعرضون الأفلام التي انتجوها للشباب في المركز عند المساء، موضحا ان المشاهدين لأفلامهم، عبورا عن إعجابهم بها وشجعوهم للاستمرار بإنتاج المزيد منها.
أنتج أعضاء الفرقة أفلام قصيرة مثل فلم “بشه” هو فلم كرون وسياسي، تدور قصته عن الرئيس المخلوع عمر البشير الذي يقترض أموالًا من دولة قطر ويشتري بها أسلحة وذخائر ويعطيها لقائد مليشيا الدعم السريع محمد حمدان حميتي، ويستخدمها في ضرب المواطنين بدارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، ثم فيلم “كاشا” للمخرج حجوج كوكا وفكرته حول الجنود الذين يهربون من الخدمة العسكرية، وفي المقابل يطاردهم الضباط لإعادتهم للعمل مرة اخرى.
وأعرب جانجا عن أمله لإنتاج أفلام الـ “اكشن” وأخرى “رومانسية” يشارك بها في “بوليود وهليود” ويرى ان السودانيين يشاهدون أفلاما ومسلسلات تنتج بمصر وسوريا وتركيا، وان ذلك لا يطور السودان في مجال الإنتاج الفني، وأضاف “هناك شباب لديهم مواهب في مجال الكتابة والتمثيل وغيرها، ولكن لم يحظو بالمساعدة.
كاشفا عن صعوبات واجهتهم في مشوارهم الفني، خاصة في أيام إنتاج فليم كاشا حيث اوقفتهم الحكومة من التصوير، واعتقلتهم في معسكر لتدريب الجنود، مضيفا “كان تعاملهم معنا وحشيا حيث تمت حلاقة شعرنا داخل المعسكر، رغم أننا أخبرناهم بعملية إنتاج الفيلم الذي يخاطب قضايا وطنية”.
وبعد أن تم إطلاق سراحهم قال جانجا “ذهبنا الي أعالي الجبال وأكملنا تصوير الفيلم، وكنت خائف ان يستغنى عني المخرج، بسبب حلاقة شعري، غير انه شجعني بالاستمرار في التمثيل”.
أما الموسيقار والمغني وعضو فرقة صوت جبال النوبة، كودكودي مرشال، فيقول “عشت في يوغندا وجنوب السودان، وبدأت مسيرتي الفنية من هناك، بالعزف على آلة الطمبور، حيث وجدت هويتي فيها” وأضاف بأن بداية مسيرته الغنائية والموسيقية في 2009م بجنوب السودان، حيث غنى مع فنانين جنوب سودانيين.
وأردف قائلا: “السودان غني بالموسيقى، ولكن لم يجد الاهتمام، ولا يوجد فيه رقص بصورة احترافية، يقول: انه شارك بالتمثيل في فليم كاشا، وكتب ولحن 45 اغنية بعضها مسجلة وأخرى غير مسجلة، أبرزها أغنية “انا مسكين في بلد غنيان”.
ويقول مارشال ان الفنانين بجبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور مهمشين، ويفتقرون للاستديو هات لتسجيل الأغاني، وان الناس لا يعرفون الفنانين إلا في الخرطوم، وأضاف ان الموسيقى والغناء في الخرطوم لا تمثل ثقافة كل السودانيين ولا هوية السودان.
https://www.youtube.com/watch?v=KanxfxHB6wM&feature=youtu.be&fbclid=IwAR3ENwW5lRh2KrNni9BXphDxLx3JAT9RgFnDAA1lwFBQF-OgCzePmEO1R3w
واسترد قائلا: “ان الكثير من السودانيين يطلقون على الأغنيات التي تنتج في جنوب السودان وكينيا مثلا على إنها أغنيات افريقية وكأن السودان ليس جزء من افريقيا!!” ويرى ذلك عدم فهم معظم السودانيين حيث يفضلون الأغنيات الأجنبية، وحث مارشال الشباب في السودان بضرورة تمثيل الهوية السودانية.
وتابع قائلًا “أغنى باللغة النوبية وبالإنجليزية وعربي جوبا والسواحلية، خرجت من جبال النوبة الي يوغندا وكنت صغيرا ودخلت المدرسة حتى امتحنت الثانوية” ، ويضيف انه إذا وجد فرصة لمواصلة الدراسة سيدرس الموسيقى والدراما.
وأردف “جئت من الهامش ووجدت الموسيقى وعاداتنا وتقاليدنا مهمشة، ويجب علينا ممارستها وتطويرها والفن يعكس هوية الإنسان وله دور كبير في الدولة ويجب تشجيع الفنانين”.
ومن جهته يحكي المغني والكاتب وعضو فرقة صوت جبال النوبة، كمال رمضان سيرته الفنية وقال “اسمي الفني جنرال كيدي بلاك بوا ولدت في جنوب السودان في 1994م وذهبت مع اسرتي الي كينيا، ثم عدنا لجبال النوبة في 2000م.
وأضاف في كينيا توجد فرص حيث كنا نذهب للنوادي لمشاهدة الأفلام ونحاكي الممثلين ومذ ذلك الوقت بدأت مسيرتي الفنية، اما بعد عودتي لجبال النوبة وجدت أن هناك فرق ، بيد أنني اشتريت لي جهاز “باناسونيك ” وبدأنا نحي الحفلات به، ولكن عندما اندلعت الحرب في جبال النوبة في 2011 لجئنا لمعسكر “ايدا” بجنوب السودان، ويقول انه كتب الشعر وكان يردد الأغاني ، وشارك بأغنياته في الحفلات.
ومضى بالقول رجعتُ لجبال النوبة 2014م، والتقيت برفاقي بفرقة صوت جبال النوبة، واكتشفا التقارب بيننا في الاهتمام بالموسيقى الافريقية، وشاركنا في إحياء الحفلات، مشيرًا إنهم عندما التقوا بالمخرج حجوج كوكا، شجعهم على الاستمرار في نشاطهم حيث أنتجوا أفلام قصيرة تحكي عن مشاكل المجتمع بجبال النوبة.
موضحا انهم كانوا يناقشون الشباب في القضايا التي تتناولها الأفلام التي ينتجونها، حيث وجد ترحاب منهم، وأضاف “لدينا طموحات لإنتاج المزيد من الأفلام، وكنا نشاهد الأفلام لنتعلم التمثيل” مؤكدا انهم سجلوا أول أغنية واستمع إليها الناس ، مبينا إنهم أصبحوا مشهورين لدى الناس .
وقال “كنا نذهب الي الرحلات ونلتقي بالمواطنين في القرى . واجهتنا صعوبات كثيرة تتعلق بالأدوات، وذهبنا لكمبالا في 2018م وسجلنا أغنيات هناك، وأسسنا فرقة صوت جبال النوبة، وحيينا حفلات السودانيين بكمبالا.
وأشار عندما بدأت ثورة ديسمبر، حاول أعضاء الفرقة المجيء للخرطوم للمشاركة فيها غير ان عدم امتلاكهم “جوازات السفر وبطاقة الهوية السودانية” حالتا دون ذلك، وبعد عزل الرئيس المخلوع عمر البشير ذهبوا مرة اخرى للسفارة السودانية بكينيا لكي تساعدهم للعودة إلي الوطن .
وغنت فرقة صوت جبال النوبة لثورة ديسمبر، وعن الحرب في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، ويقول أعضاء الفرقة انهم يشاركون في صناعة السلام في السودان من خلال الفن.
وحصل فيلم كاشا على 3 جوائز في النمسا وايطاليا وألمانيا، وكذلك حصل على 3 جوائز في الولايات المتحدة الأمريكية.
ولعدم امتلاك أعضاء الفرقة لجوازات السفر لم يحظوا بالمشاركة في عروض الفيلم في تلك الدول.
ويقول رمضان انه كتب ولحن كل أغنياته، ومثل بطل فليم كاشا، وعبر عن آمله للمشاركة في المزيد من الأفلام، وتطوير الموسيقى السودانية وزيارة دارفور والنيل الازرق، وأضاف ” إن في السودان شباب موهبين في مجال الموسيقى والغناء ولكن لا يجدون الفرص”.
موضحا انهم شاركوا في إحياء العديد من الحفلات بالخرطوم، وأنهم يريدون تكرار تجربة سينما الموبايل في الخرطوم، وتطويرها، وحث الشباب بالعمل الجاد لإخراج مواهبهم.