د. فيصل عوض حسن
في غُمْرَة خِدَاعهم للشعب السُّوداني بتمثيليَّة (الإعانات) الرَمضَانيَّة، ضَرَبَ حُكَّامُ السعوديَّة بجميع الأعراف والقوانين الوضعيَّة والإنسانيَّة عَرْضَ الحائط، وقاموا بتسليم المُواطن السُّوداني/هشام علي مُحمَّد علي للبشير وعصابته، عقب اعتقاله لفترةٍ طويلة دون مُخالفته لأيٍ من قوانينها الدَّاخليَّة، وهو نفس ما فعلته مع المُواطن السُّوداني/علاء الدين الدفينة وآخرين. وقبلها، قامت السعوديَّة باعتقال المُهندِّس/وليد الحسين دون مَسوغاتٍ قانونيَّةٍ أيضاً، ونَجَا من (غَدْرِهِم) بأُعجوبة نتيجة لضغط المُنظَّمات الدَوليَّة والإقليميَّة، التي أجبَرَتهم على تركه يُغادر أراضيها بسلام.
لن أخوض في التجاوُزات القانونيَّة لنهج السعودية (المُختَل)، فقد سبقني لذلك عددٌ من القانونيين الأفاضل، وسأُركِّز على (غَدْرِهِم) بالشعب السُّوداني، بعيداً عن العواطف (الهَشَّة) التي كَلَّفتنا كثيراً، وسنتَكَلَّف أكثر إن بَقِيْنَا في عفويتنا الماثلة تجاه من لا يستحق! وأصفُ مَسْلَكْ السعوديُّون بـ(الغَدْرِ)، لأنَّ جميع (المغدورين) لم يرتكبوا جُرماً معلوماً وفق قوانينهم، وإنَّما كانوا يُناهضون البشير وعصابته، ويكشفون جرائمهم السياسيَّة والاقتصاديَّة والإنسانيَّة والأخلاقيَّة بالأدلَّةِ والبراهين، بما ينفي أي مَسوغاتٍ شرعيَّةٍ تُبيحُ اعتقالهم وترحيلهم، سوى أنَّ السعوديين مُتحالفين مع المُتأسلمين ضد السُّودان وأهله. ولو أخذنا على سبيل المثال، حالة المُهندِّس/وليد الحسين، فإنَّ كل ما فعله هو إنشاء ورعاية صحيفة الرَّاكوبة المُنحَازة لقضايا الشعب السُّوداني، وإسماع صوته المكتوم في ظل القمع/الصَلَف الإسْلَامَوِي، الرَّامي لإخفاء جرائمهم التي تَكْفَهِرُّ لها الأبدان، ولم يخرق الباشمهندس/وليد القوانين السعوديَّة المُختلفة طِيلة فترة إقامته بها، ورغم ذلك (غَدَروا) به واعتقلوه وزعزعوا استقراره، وكادوا يكملون غدرهم بتسليمه لمُجرمي الخرطوم. وكذلك الحال بالنسبة للسُّودانيين اللاحقين، وآخرهم المغدور/هشام علي الذي كَشَفَ، وفقاً لصحيفة التغيير 16 يونيو 2018، تَوَرُّط البشير وعصابته في عددٍ من القضايا الخطيرة، كالإتجار بالبشر وتجاوُزات بنك المغتربين منذ تأسيسه وفساد كبري الدويم وغيرها من مَلفَّات الفساد، فقامت السعوديَّة باعتقاله في نوفمبر 2017 وسَلَّمته للعِصابة بنهاية مايو 2018، وهم يُدركون تماماً ما سيتعرَّض له هشام في مُعتقلات جهاز الأمن الإسْلَامَوي، من تعذيبٍ وانتهاكاتٍ ومُعاملةٍ غير إنسانيَّة، واستلابٍ لحُرِّيته وحقوقه القانونيَّة!
والواقع، أنَّ الغَدر السعودي يفوق بكثير اعتقال وتسليم الشرفاء للبشير وعصابته، وفي سعيهم لإشباع أطماعهم ورغباتهم التي لا تنتهي، يتغافلون عن جميع المبادئ الإنسانيَّة/الأخلاقيَّة، ونَالَ السُّودانُ وأهله نصيباً وافراً من ضرباتهم/طعناتهم (الغَادِرَة)، ومن ذلك على سبيل المثال، دورهم الفاعل في إغراق بلادنا بالديون واستحواذهم على مُقدَّراتنا، التي قَدَّمَها البشير وعِصابته كضماناتٍ لِنَيْلِ تلك الديون، والتي أحالوا مُعظمها لمصالحهم الشخصيَّة كأرصدةٍ وعقارات احتضنتها السعوديَّة وغيرها من المُغامرين! وهذا غَدْرٌ مُركَّب، حيث أغرقونا بالتزامات الديون دون خروج الأموال من بلادهم واستفادتنا منها، ونَالوا أراضينا ومُقدَّراتنا بلا مُقابل! كما التهمت السعوديَّة ثروتنا الحيوانيَّة بأسعارٍ زهيدة، وتسعى للاستحواذ على مصادرنا الوراثيَّة منها باستيرادها (للأناث) وإكثارها لديهم، بما يَضُر السُّودان ويُخرجه من السوق العالميَّة! فضلاً عن تخريبهم (المُتعمَّد) لأراضينا واستنزاف مواردنا الطبيعيَّة، وزراعة المحاصيل المُهلكَة للتربة وغيرها من التجاوُزات المُوثَّقة في هذا الخصوص!
وامتدَّ الغَدْرُ السعودي ليشمل شَرْعَنَة احتلال أراضينا وابتلاعها، حيث انكَشَفَتْ (عَورَةُ) السعوديَّة باتفاقيَّة حدودها البحريَّة مع مصر، والتي أمَّنت فيها على (مَصْرَنَة) مُثلَّث حلايب مُقابل نَيْلِهَا جزيرتي صنافير وتيران، رغم أنَّ السعوديَّة كانت (وسيطاً) لحل النِّزَاع القائم حول المُثلَّث، بين السُّودان ومصر وقتها. وَواصَلَت غَدرَها بالسُّودان، حينما تَكَفَّلَت – مع الإمارات – بتمويل مشروعات (تعمير/مَصْرَنَة) المُثلَّث، فضلاً عن (تحريض) البشير وعِصابته لإنشاء سدود كجبار والشريك ودال، رغم مُناشدات السُّودانيين المُتتالية بعدم تمويل تلك السدود، لآثارها الكارثيَّة وتَسَبُّبها في تشريد آلاف الأُسَرْ، وتهديدها لمصادر عيشهم وطَمْس آثارهم وحضارتهم وهُويَّتهم! هذا بخلاف المُساهمة السعوديَّة المُقدَّرة في تمويل سد النهضة الإثيوبي، الذي يُعدُّ أكبر مُهَدِّد سيادي لكل ما هو سُّوداني! وتَجَسَّدَ أسوأ صور وأشكال الغَدر والاستغلال السعودي، بتحالُفهم المشبوه مع البشير وعصابته وإقحام السُّودان وأهله، في جرائمهم غير المسبوقة باليمن والتي ما تزال مُستمرَّة.
قد يَتَحَجَّجَ البعضُ بالفِتَات السعودي بين الحين والآخر، الموصوف باستثمارات أو قروض/ودائع، أو بوجود آلاف السُّودانيين العاملين بها. بالنسبة لقروضهم فهي ليست دون مُقابل، بل كانت وبالاً وشَكَّلَت عبئاً ثقيلاً على السُّودان وأهله، وأفقدتنا الكثير من مُقدَّراتنا على نحو ما أوضحنا أعلاه. وأمَّا الاستثمارات الملياريَّة (المزعومة)، فقد استغلَّت السعوديَّة أراضينا (البِكْرْ) أسوأ استغلال، ولم يستفد الاقتصاد السُّوداني منها شيئاً، وجميعها كانت عمولات ورشاوي للبشير وعصابته! ويُمكننا القول، بأنَّ ما أخذته السعوديَّة من خيراتنا سابقاً وحالياً، يفوق بكثير ما نِلْنَاه منها. وكانت يَدُ السُّودانِ، ولا تزال، هي (الطُوْلَى) والبيضاء عليها، سواء بـ(الصَدَقَات) أو المُنتجات أو بالكوادر البشريَّة التي طَوَّرتها، وصنعت نهضتها الحديثة في مُختلف المجالات، ولو لم يكن الأمر كذلك لَمَا أبقوا كوادرنا ساعةً واحدة في بلادهم! مع مُلاحظة استغلالهم السيئ للسُّودانيين، قياساً بالمزايا/الشروط الوظيفيَّة المُتدنِّية والتلكُّؤ في منحهم أيَّاها، وحَجْبِها في أغلب الأحيان، بجانب التعدِّيات اللفظيَّة والبدنيَّة، كالطبيبة التي ضربوها أثناء الخدمة، أو العامل الذي قتلوه وأجبروا أهله على التنازُل! والأهمَّ من هذا وذاك، أنَّ السعوديَّة وغيرها من بلاد المنطقة، هم الذين يحتاجون للسُّودان (أرض وشعب) وليس العكس، وستزدادُ حاجتهم لنا مُستقبلاً مهما كابروا وأنكروا، وهذه أمورٌ سكتنا عنها طويلاً حياءً وتسامُحاً، ولكنَّ غَدرهم فاق حدود الحياء وتعدَّى آفاق الصَفحْ.
مُحصَّلةُ القول، أنَّ النظام السعودي مُستفيدٌ من بقاء البشير وعصابته، ويعملون على دعمهم واستدامتهم تحقيقاً لمصالحهم التي أشرنا لبعضها أعلاه، وسيُواصلون مُحاربتهم لكل ما يهُدِّد زوال هذه العصابة، بما يُؤكِّد غَدر السعوديَّة بالسُّودان وأهله، مُتجاهلين ما قَدَّمه السُّودانيُّون لبلادهم ولا يزالون، وهو أمرٌ قاسٍ علينا لأنَّنا اعتبرناها دولةً شقيقةً ووثقنا فيها، وتَوقَّعنا عونها وليس طعناتها وضرباتها. فالدُّولُ الشَّقيقةُ، هي التي تجْمعُها روابطُ الجِوَار الجغرافيّ أو المصالحُ المُشتركة، ولكي ما نصفُ دولةً بالشقيقة، يجب أن تستندَ علاقتنا معها على التقدير والاحترام المُتبادل. والسعوديَّةُ لم تُرَاعِ هذه القيم والمضامين في تعاملها مع السُّودان وشعبه، وعملت – ولا تزال – لتلبية وإشباع مطامعها فينا عبر البشير وعصابته المأفونة، وانطبقت عليها الأبيات الخالدة:
أعلِّمهُ الرِّماَيَةَ كُلَّ يوَمٍ فَلَمَّا اشْتَدَّ ساَعِدُهُ رَمَاني
وَكَمْ عَلَّمْتُهُ نَظْمَ الْقَوَافي فَلَمَّا قَال قَافِيَةً هَجَاني
جميع الأحداث أعلاه عشناها واقعاً أمامنا، وهي الحقيقة مُجرَّدة رغم قساوتها، وينبغي علينا كسُّودانيين ألا نَنْخدع بأحاديث بعض كُتَّابهم عَنَّا ونحتفي بها دون هُدى، ولنتأمَّل بعقولنا – بعيداً عن العواطق الهَشَّة – مُمارسات دولتهم الرسميَّة، وانعكاساتها الخطيرة على بلادنا ومُستقبل أبنائنا، لنتأكَّد أكثر بأنَّ مواردنا هي مَطْمَعَهُم وهدفهم الرئيسي. وبذات المنطق، لنثق في قدرتنا على إدارة/استغلال هذه الموارد، دون وِصايةٍ أو دَعمٍ مصحوبٍ بالغدر والخيانة.
ولتعلم السعوديَّة بأنَّ السُّودانيين سيقتعلون البشير وعصابته عاجلاً أم آجلاً، وحينها سنتعامل بمنطق (الفِعْلِ ورَدَّ الفِعِلْ)، وسيكون اختيارنا للآخرين مُقنَّناً دون تَسَرُّعٍ أو غَفْلَةٍ/نِسْيَانٍ أو عَفْوٍ لِغَادِر/خائن، وسنستعيد ما نُهِبَ من مُقدَّراتنا، وسنُلاحق كل من تآمر مع هذه العِصابة. ونقول للسعوديين، أنَّ الشقيق لا يؤذي شقيقه ويغدرُ به ويبني سعادته على أنقاضه، وكان حرياً بكم حِفظ الجميل، ولكنَّكم آثرتم الغَدْر والخِيَانة، ومَنَحتمونا صَكَّ مُعاملتكم بالنحو الذي تستحقُّون.