تورونتو – صوت الهامش
رأى تقرير نشره موقع (جيوبوليتكال مونيتور) أنه وباستثناء كوريا الشمالية وسوريا، فإن دولا قليلة حول العالم تأتي عقب السودان على قائمة السمعة التجارية.
ونوه عن أنه ومنذ أواخر التسعينيات من القرن الماضي واسم السودان مرادف للإبادة الجماعية والأزمة الإنسانية في دارفور التي أودت بحياة نصف مليون إنسان بحسب بعض المصادر.
كما بات السودان معزولا بلا شركاء اقتصاديين سوى الصين وروسيا بعد أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات على السودان عام 1997 وبعد إصدار المحكمة الجنائية الدولية قرار اعتقال بحق البشير عام 2009 إضافة إلى تواتر الإدانات من جانب عدد من المنظمات أهلية.
لكن يبدو أن هذه الأيام قد انقضت، بعد قرار الرئيس الأمريكي ترامب رفع العقوبات عن السودان في أكتوبر الماضي، ما يعني إزالة العائق أمام الشركات الأجنبية الباحثة عن فرص استثمار في رابع أكبر اقتصاد بأفريقيا جنوب الصحراء.
وعلى الرغم من العقوبات، ظل الاقتصاد السوداني مستمرا في النمو بمعدل 5 بالمئة في الفترة بين 2004 و2008 بفضل ارتفاع أسعار النفط آنذاك.
لكن بعد خسارة نسبة 75 بالمئة من احتياطيات النفط بانفصال جنوب السودان عام 2011، تراجعت معدلات النمو في السودان. وقد أثرت خسارة عائدات النفط على اقتصاد البلد الذي يعاني في نفس الوقت حظرا فيما يتعلق بتخفيف عبء الديون.
هذه الضغوط هي على الأرجح التي قادت الرئيس البشير إلى اتخاذ الـ “خطوات إيجابية” التي طالما نشدتها واشنطن، والتي تتضمن التوقف عن شراء أسلحة من كوريا الشمالية والسماح بوصول المزيد من المساعدات إلى ضحايا الحرب والمجتمعات المهمشة.
وتأمينا لقرار رفع العقوبات، أقدم البشير، الذي لا يزال على الرغم من ذلك مطلوبا من الجنائية الدولية، على الاضطلاع بدور الوسيط السياسي بين الفرقاء الجنوب سودانيين.
لكن، لتعزيز هذه الانتعاشة، يجب على قيادة السودان أن تجتذب استمثارات أجنبية متنوعة بشكل مباشر وسريع. وإذا كان السودان مشهور بالنفط والقطن والزراعة، فإن ثمة اهتماما متزايدا بالاستثمار في قطاع التعدين.
على سبيل المثال، فإن مناجم الذهب غير المستغل في السودان باتت تحظى باهتمام غير مسبوق من القطاعين العام والخاص في السنوات الأخيرة.
وبحسب البنك الدولي، فإن صادرات الذهب من السودان كانت تقدّر بقيمة لا تتجاوز مليار دولار عام 2010، لكنها قفزت إلى أكثر من ملياري دولار بحلول عام 2012، ولا يزال الإنتاج مرتفعا بشكل استثنائي حتى اليوم رغم تراجع المعدل مقارنة بالعام الماضي.
ويمثل الذهب اليوم نسبة تصل إلى 57% من إجمالي قيمة صادرات البلاد، فيما كانت هذه النسبة قبل سنوات قليلة وتحديدا عام 2013 لا تزيد عن 30%. ووصل إجمالي إنتاج السودان من الذهب إلى 93 طنا عام 2016 و107 أطنان عام 2017، ما يشير إلى معدل نمو سريع. وتطمح السودان إلى إنتاج 110 أطنان خلال العام الجاري لتكون بين أكبر 9 منتجين للذهب في العالم . لكن خلف هذا النمو الكبير ثمة واقع غير مواتي.
وبحسب تقارير صادرة عن وحدة المعلومات بمجلة الإيكونوميست البريطانية فإن غالبية صادرات السودان من الذهب تضطلع بإنتاجها شركات تعدين حِرفية صغيرة، وفي النهاية يتم تهريبها إلى خارج البلاد للبيع وتنتهي عائدات هذا الذهب إلى جيوب العصابات والجماعات المسلحة.
وأشار التقرير أن المشكلة القائمة في هذا الصدد هي أن شركات التعدين الحِرفية هذه لا تواجه تهديدا حقيقيا من جانب الحكومة، وتهرّب نسبة تصل إلى 34% من الذهب إلى خارج البلاد وتلجأ إلى العنف للوصول إلى المناجم. ولا شك أن الخرطوم تدرك أن البلد يمكن أن يستفيد بقدر هائل من الشراكات الاستثمارية المتعددة الجنسيات، على نحو يتم فيه تصدير الذهب بشكل واضح وقانوني بما يسهم في تعزيز عائدات الدولة وبناء البنية التحية.
ما سبق يمثل أحد أسباب اهتمام الدول المشهورة بصناعة استخراج الذهب والنفط (التعدين) بالسودان؛ وكانت استراليا أعلنت في وقت سابق من العام الجاري عن عرض بإيداع 7 مليارات دولار ببنك السودان المركزي، مشيرة إلى اهتمام أكبر خمس شركات تعدين فيها (استراليا) بالمشاركة في عمليات استخراج الذهب من السودان.
وكان لطف الرحمن خان، رئيس شركة “ستيت أويل الكندية”، قد قام بعدد من الزيارات إلى السودان وأوضح أن كندا تريد أن تتولى قيادة الاستثمار الأجنبي في قطاع النفط.
وربما كان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان هو الأكثر إقبالا على الاستثمار في السودان، مبرمًا عدد 13 صفقة ثنائية على صعيد التعاون الدفاعي والاستراتيجي والتعدين والزراعة والتشجير والتعليم، بين قطاعات أخرى.
لكن رغم هذه المؤشرات المبشرة، إلا أن الاستثمار لم يتدفق بعد بشكل جاد. وقد يكون السودان قد انفتح للاستثمار ولكن ذلك يظل فقط أمام جهات الاستثمار الأكثر حماسة وجرأة، لكن لا تزال هنالك عقبات على صعيد الاستثمار في السودان، بينها وجود سعر صرف موازي على نحو مربك، وعدم وضوح كيفية تحويل الأرباح، وتخلّف نظام إصدار التراخيص والنظام القضائي.
ويبدو أن العديد من جهات الاستثمار الأجنبية لا زالت تنتظر، وليس غير القليل منها مستعد للاستثمار في السودان.
هذا الوضع يمثل مشكلة جدية أمام المجتمع الدولي، وهي كفيلة بترك البلاد عُرضة للنكوص إلى الصراع وهو ما ينشد المجتمع الدولي اجتنابه.
إن حكومات استراليا وكندا والولايات المتحدة تحديدا ينبغي أن تتحمس للاضطلاع بالمزيد لمساعدة السودان في هذا الانتقال إلى الانفتاح الاقتصادي بما يسمح بالنمو القانوني والتوسعي للفرص بما يسهم في إضفاء الطابع المؤسسي على الإصلاحات – وهو ما أخفقت الصين تماما في التشجيع عليه في عملها مع الخرطوم لأكثر من عشر سنوات.
ولفت التقرير إن العديد من القضايا المطروحة أعلاه تستحق الطرح إبان تدشين مناطق اقتصادية خاصة وغير ذلك من الحلول السياسية التي يمكن استكشافها.
هذا ونوه أن التقرير أن مشكلة السودان سياسية بقدر ما هي مشكلة اقتصادية. ويكمن الحل في تطوير فهم لكلا الشقين السياسي والاقتصادي للمشكلة والانطلاق من هذه القاعدة صوب مستقبل يتمتع فيه السودان بقوة اقتصادية معتبَرة وهوية جديدة تنسيه فظائع الماضي.