كما يقول الفيلسوف ميكيافيلي – معلم الطغاة – أن ثمانين بالمائة من بني البشر تسكنهم بطانة الشر فيستجيبون طائعين لمن يملأ بطونهم ويقضي حوائج فروجهم، لذلك تسارعت صفوة قليلة العدد من القوى الاقتصادية والسياسية حول االعالم وعبر الحقب والأزمنة، للامساك بمقود هذه الشعوب وذلك المقود هو مفتاح التحكم على النزعات والدوافع الرغبوية والشهوانية، وبذلك سيطرت هذه الأقلية على الشعوب والأمم وصارت قوى خفية متوافقةاقتصادياً وسياسياً مع بعضها البعض رغم اختلافات لغاتها ودياناتها وثقافاتها، فوحّدت بينها النزعة الفطرية نحو السيطرة والاستحواذ والتملك واحتكار اسباب السلطة والمال والجاه ومخرجات البحث العلمي ونوافذ الاعلام، ولو اردت ان تستدرك حقيقة أمر هذه القوى الشرانية عليك قراءة مسيرة الألماني ادولف هتلر وسعيه الحثيث نحو اقامة الدولة العمالية القومية الاشتراكية لألمانيا، اذ أنه وللأسف لم يأت مفكر واحد من مفكري العالم بعد زوال الامبراطورية الهتلرية، ليفكر ويقدر ولو لحظة واحدة في السبب الكامن وراء الدوافع الحقيقية التي دعت ادولف لأن يعلن ثورته القومية الشعبوية العارمة، وتماشياً مع النظرية المكيافيليةفان بني البشر بفطرتهم قابلين للأنقياد الأعمى بحكم نزعات الميول البشرية نحو الاستكانة واشباع جوع ونهم الوحش الحيواني الساكن في دواخل النفس الآدمية، لذلك برع الخبيثون منذ تلك الحقب الماضية في الباس الحمل الوديع ثوب الذئب الشرير والعكس.
جنوح الجنس البشري نحو الاقتتال والفتك الدموي فيما بين شعوبه وكياناته الاجتماعية التي تنحدر من اصل واحد هو الأب آدموالأم حواء، تثبته الديانات الابراهيمية جميعها وخاصة الثلاث الأخيرة منها – الموسوية والعيسوية والمحمدية، جميع تعاليم هذه العقائد تتفق مع اطروحة وحدة الجذر الذي نبتت الخطيئة على جذع شجرته، ألا وهو صراع البطانتين – بطانة الخير وبطانة الشر، ففي اليهودية تجد ثنائية موسى وفرعون، وفي المسيحية تلحظ ثنائية المسيح والدجال، اما في الاسلام فالافصاح بائن وبليغ وقد جسدته مضامين آيات الذكر الحكيم في التناطح المستمر بين الشيطان الرجيم والمؤمن الصادق الأمين المالك لناصية الحق الأبلج الذي يسير في طريقه المؤمنون، الذين يعود نسبهم لآدم آكل صفق شجرة الخلد التي انخدع بها لغش إبليس الرجيم له، الناس دائماً وابداً يستهويهم ارتكاب الجنح والمعاصي والمخالفات والموبقات، ويبغضون الخضوع للنظم والتدابير الاحترازية المانعة لفيروس الشر من الوصول الى فوهات أنوفهم، انّها فطرة الله التي فطر عباده عليها، إنّها الاستجابة لتنفيذ رغبات واوامر الجسد الترابي المادي الفاني، فتلقاهم يظهرون الضيق والضجر والتذمر من دعوات النفس الصارخة لأشباع حاجات الروح، وبين هذه النوازع وتلك النوازغ ترقص حكومة العالم الخفيّة على انغام هذا الوتر الذي تدير به حركة كوكب الأرض بدوزنة موسيقاه وتكييفها حسب الأغراض المطلوبة.
في المائة عام الماضية لم يشهد العالم شخصية اثارت الدنيا واقامتها ولم تقعدها مثلما شهدت بروز نجم الرايخ الثالث ادولف هتلر، الذي لعبت قوى تحالف المال والسلطة والاعلام العالمي على شيطنته وحصر مشروعه فيما يعرف بالمشروع النازي العنصري، ومن عجائب خبائث اصحاب الغرض أن كلمة نازي هي اختصار لاسم الحزب الذي رأسه هتلر وخاض به الانتخابات وفاز فيها، ومعناه مترجماً من الألمانية الى العربية (حزب العمال القومي الاشتراكي)، واذا سألت أي فرد عن ماهية النازية لا تجد لديه اجابة غير تلك الوصفة الجاهزة المعلبة التي صنعها (النازيون) الجدد الذين يديرون احداث مشهد الحياة اليوم، الوصفة التي تقول بأنحركة ادولف حركة عنصرية (نازية) تكرّس لسيطرة الجنس الآري، بينما القاريء والمطّلع على كتاب (كفاحي) الذي دوّن زعيم المشروع على صفحاته سيرته ومسيرته، لن يجد حرفاً واحداً يشير فيه الى أن هنالك مشروعاً مكتوباً يدعوا لسيطرة جنس بشري على آخر، والكتاب الذي يحكي عن سيرة هذا الرجل موجود ومتاح في المكتبات، الأمر الوحيد الذي حدث هو سطوة الدجل والشعوذةالمستغلة للديانة اليهودية على الذهن الجمعي لدى الكثيرين من العابدين الذاكرين من الأوروبيين والأمريكان في ذلك الوقت، فانتزع كهنة المعبد آنذاك عطف العالم ليقف مع حقهم في الحياة وانقاذهم من بطش ادولف، باستدرار العاطفة الدينية المعتمدة على التذكير بسخط الاله أو رضائه عمّن يلوذون اليه بالفرار وبالدعوات، تماماً مثل السلوك الداعشي المنحرف والمعتمد على خزعبلات لا تمت الى الحق بصلة، فالخرافة يمكن أن تصنع مجداً ويمكنها أن تبني دولةً وتجلب سؤدداً إن وجدت من يصفق لها ويسوّقها وسط هذا القطيع الميكيافيلي.
القليلون جداً يعلمون حقيقة أن أدولف كان ضد سياسة احتكار السلع ووقف سداً منيعاً قبالة الأمواج الكاسحة الساعية لانشاء البنوك وهو داعم أساسي لمبدأ تأميم المصارف، لأنه يؤمن بأن البنوك والمصارف ما هي الا آلية لنهب ثروات الضعفاء والفقراء والمساكين، والدليل على هذا تجده في حرص أي بنك عملاق له أفرع في كل بقاع المعمورة على الايداعات النقدية القليلة لذلك الرجل الفقير والاهتمام بضمان وصولها الى حسابه الادخاري الصغير المعتمد لدى ذلك البنك، واذا كررت ببصرك مرتين سوف ترى أن المستهدفين من المشاريع البنكية هم الفقراء والمعدمين الذين اقنعتهم الدنيا بأن الخير كل الخير يكمن في ايداعهم لمدخراتهم البنكنوتية القليلة هذه في حساب بنكي نقدي باسمهم، دون أن توجههم ذات الآلة الاعلانية الجشعة الى اتباع افضل طريقة لحفظ النقد مع الفوائد المتراكمة، التي لن يستفيد منها بنك عاطل مهمته جمع وحفظ نقود الناس، تلك الطريقة الفضلى هي شراء الأصول مهما رخص سعرها ثم ادخارها، خاصة اذا كانت من شاكلة معدن الذهب، المعادلة التي تعتمد عليها الحكومة العالمية الخفيّة القائمة على مراقبة حركة حياة الناس والدواب والهوام على سطح الكوكب الأخضر معادلة بسيطة وسهلة، وهي التحكم المبكر على مصادر ومرجعيات العلوم وبراءات الاختراع واحتكار قنوات التوعية المعرفية، هكذا يساق قطيع العالم البشري دون دراية ولا علم ولا هدى ولا كتاب مبين.
صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمؤسسات المتناسلة من المنظمة الأممية الكبرى – منظمة الصحة العالمية – اليونسكو –منظمة العمل الدولية – الاتحاد الدولي للاتصالات السلكية واللاسلكية – وعدد كبير من المفوضيات واللجان والاتحادات، جميعها أسست منتصف القرن العشرين بعد هزيمة المشروع القومي الالماني، وحتى هذا اليوم لم تستطع هذه المؤسسات المتحدثة باسم أمم وشعوب الدنيا أن تحسم وتهزم اعداء الانسانية الثلاثة – الجهل والفقر والمرض، والسبب يرجع الى ان مُلّاك المعبد لا يؤمنون بعدالة السماء وموغلون في حضيض ظلم الأرض التي نبتت عليها الشجرة الكاذبة الخادعة (شجرة الخلد)، فاذا رأيت الناس في الحي أو القرية يركضون خلف رجل رث الثياب مهتريء الحذاء،يقذفونه بالحجارة ويسبونه ويلعنون اليوم الذي ولدته فيه أمه، أعلم أن ذلك الرجل ما هو الا رسول للحقيقة والمحبة والصدق والأمانة، ففي زمان القطيع الميكيافيلي لا أحد يريد سماع صوت الضميراالنابع من الداخل والخارج بصعوبة من بين التواءات القصبة الهوائية وضيق الحلقوم، فالرجل القادم من اقصى المدينة يسعى بين القوم من أجل صلاحهم لا يرحب به الناس، اما المخادع المداهن الكذوب اللعوب الضليل أنيق الثوب فائح العطر، فهو ميكيافيلي الزمان المحبوب المرغوب والمطلوب.
اسماعيل عبد الله
10 يوليو 2021