ألمنادون بالخروج والتظاهر يوم الحادي والعشرين من شهر أكتوبر الجاري، من حيث لا يدرون يعملون على تحقيق أجندة البائدين من الإنقاذيين والإسلامويين والمنتفيعن الذين أفادوا من مداهنتهم للطاغية، حمدوك وحكومته لم يكونوا على قدر طموح أجندة ثورة ديسمبر، لكن هذا لا يعني أن نستبدلهم بالطغاة وسالبي الحقوق ومنتهكي الحريات، عليك يا عزيزي المواطن أن تعلم بأن الحكومة الإنتقالية هذه لم تتسلم خزينة مليئة بالنقود، وما جاءت للحكم وسعر الصرف ثابت ثبات جبال التاكا الرواسي، لقد ورثت حطام نظام هدم كل البنى الأساسية لكيان الدولة، ولم يترك للقادمين من بعده بصيص للأمل ينير الطريق سوى أنه غادر الساحة وتوارى خلف المشهد السياسي إلى حين، نعم لأنتقاد المنظومة الإنتقالية ورموزها وتوجيه أقسى ألعبارات لها ولوزراءها وفي نفس الوقت لا للدعوة الغير عقلانية لأسقاطها.
ألبائدون لم تصدق أعينهم رؤية من هتف بإسقاط حمدوك حتى انخرطوا في المسيرات وهاجموا من يصفونهم بالعلمانيين ضرباً وطعناً، في مشهد يعكس بشاعة السلوك والروح العدوانية التي تتملك هذا الكائن البائد، في صورة مجردة ظهرت يوم أمس تعرض شاب موصوم بأنه قحاتي للضرب المبرح، ومورس بحقه الركل واللكم العشوائي من مجموعة يائسة يبدو من فعلتها تلك أنها تضم الذين فقدوا الإمتيازات السلطوية التي كان يجود بها عليهم الطاغية، جريمة أبانت للناس حجم الشر والوسواس القهري الذي يعتمل في دواخل هؤلاء المنحرفين، لقد قالوها بعد نجاح انقلابهم المشؤوم:(وسفينة الأنقاذ سارت لا تبالي بالرياح)، أما ثوار ديسمبر فيقولون: (وقافلة التغيير سارت لا تبالي بالنواح)، وكل من يتعشم في عودة النظام المقبور مثله كمثل الذي يرجو قيام (البعاتي) من قبره، تلك صفحة سوداء من تاريخ بلادنا قد انطوت بهوسها ودجلها ومتاجرتها بآيات الله الكريمات للأبد، ولن تكون معاناة الناس التي خلقتها ذات الحقبة مبرراً لإعادة من كان السبب في الدمار والخراب، لممارسة ساديته والأستمرار في أداء طقوس شعوذاته التي أورثت حمدوك ورفاقه وزارة للمال مفلسة.
ألعيب الأوحد الذي يجعلنا نوبخ كابينة قيادة حمدوك وننتقدها بشراسة ولا ندعوا لأسقاطها، هو ماصرح به نائب السيادي في قناة سوادانية اربعة وعشرين، بأن الحكومة قامت بتجميع العملة الصعبة من السوق السوداء – مخزون المواطن النقدي – ودفعتها كفاتورة وكفارة لجريمة لم يغترفها السودانيون، ولعنة المدمرة كول تعتبر واحدة من اللعنات التي أوقعها رب العباد على الجماعة الإسلاموية البائدة، وما كان لحمدوك أن يتورط في تبنيها ولا أن يحمل عبئها ليقصم به ظهر شعبه الفقير الذي لا يحتمل هذه الأثقال والأحمال الدولارية، هذه الحقيقة التي صرح بها عمود فقار مرحلة الإنتقال كشفت ظهر الحكومة ورئيس الوزراء، وألبت عليه متردية ونطيحة المنظومة البائدة الغاشمة، وكذلك رفعت من موجة ووتيرة سخط الشارع عليه فجاء توقيت حراك البائدين مع هذه السقطة الحمدوكية الكبيرة، كيف لا يستغلون المناسبة وهم معروفون منذ عهد الديمقراطية الأخيرة بالأصطياد في المياه العكرة.
ألسلام القادم من جوبا أيضاً دفع الجهويين لكي يدعموا الخط الداعي لأسقاط الحكومة المرحلية المؤقتة، فلم يجد الأذرع الممدودة والأيدي المبسوطة له كل البسط، فقد ملأت القنوات التواصلية الاجتماعية سيول من التغريدات المنفرة من سلام المحاصصات والجهويات كما وصفه ذات الجهويين والمناطقيين الذين حاصصوا مخرجات الوثيقة الدستورية، مما ضاغف أعداد المنضوين تحت لواء حملة النداء الداعي للخروج والتظاهر يوم الحادي والعشرين من أكتوبر الجاري، فهذه الحملة المليونية التي دعا لها تحالف المتنافرين جمعت المتناقضين والمختلفين في كل الأمور عدا التخذيل وعدم دعم مسيرة المرحلة الانتقالية، سوف يكون نجاح أوفشل هذه الحملة بمثابة المقياس والمعيار المستقبلي للمدى الزمني لأستمرارية الفاعلين السياسيين وتوابعهم، وهم مكونات قوى إعلان الحرية والتغيير وجماعات الكفاح المسلح القادمة عبر إتفاقية سلام جوبا التي لم يجف حبر الأقلام التي وقعت عليها.
ألحالمون بسيادة منظومة المفاهيم والتصورات القديمة اصطفوا مع الأستقطاب الدائر الآن، هؤلاء لا يريدون أن تزول وتمحى رؤاهم التي أخّرت الوطن كثيراً، فتراهم يراهنون على الإسقاط الثالث بعد عامين ونصف العام من إيداع الدكتاتور سجن كوبر، ولسان حال بعضهم يقول ليتنا أبقينا على البشير حتى لا يأتي اليوم الذي نرى فيه النخبوي الهامشي يجلس على رأسنا، إنه الوجدان الشائه الذي أنبتته المؤسسة الوارثة لمقاليد الأمر والنهي من المستعمر، فلم يكن خريجو هذه المؤسسة على علم ودراية بما جرفته المياه معها تحت الجسور خلال الستين عاماً الماضية ، في هذه المدة حدث زلزال غير مرئي بالنسبة لهم بسبب أن قلوبهم غلف وفي أعينهم غشاوة، فصدموا بتصاريف الأقدار التي فرضت عليهم صداقة عدو ليس من ملاطفته بد، منافس ظنوا أنه سيبقى حبيس ومقيد بخيوط خيالات مدينتهم الفاضلة، لكن خذلتهم رؤاهم وحساباتهم العاطفية المغلوطة.
ألمواطنون الأعزاء لا تخرجوا يوم ذكرى ثورة أكتوبر الأخضر فهي خديعة كبرى، احتفلوا بها في بيوتكم حتى لا يتخذها المتربصون ذريعة لطعن الإنجاز الديسمبري في مقتل، كلوا العصيدة والقراصة وقاطعوا الأفران وخبزها واقتاتوا من وجبات الغذاء الوطني التقليدي، كونوا كشعوب أثيوبيا وأرتريا وتشاد التي لم تستبدل الإنجيرا والزقني والعصيدة بالرغيف، ولم يحرموا موائدهم اليومية من اصناف أطباقها، إرجعوا إلى موروثكم تفلحون.
إسماعيل عبد الله
[email protected]
17 ديسمبر 2020