الطيب محمد جاده
أن ما تسمي بمعارضة بالمعنى الصحيح ، في السودان لا توجد ، أن القمع والاستبداد المسلطان على رقاب الشعب هما سيدا الموقف على الساحة السياسية ، وأن نظام الانقاذ ينظر إلى معارضيه نظرة “صاحب الدجاج إلى الثعالب الضالة ، ا لتي لا تستحق سوى القتل أو النفي أو السجن ، فإن المعارضة السودانية مسمى كبير له رنين إلا أن البحث في حقيقة وجود هذا المسمى على أرض الواقع ، يجعلك تخرج بنتيجة مغايرة تماماً، ذلك أن معظم فصائل وقوى المعارضة في السودان أضعف كثيراً مما يليق بهذا المسمى.
وبالرغم من هذه المعارضة إلا أن تاريخها لا يعرف ألا تبادل للسلطة أو حتى المشاركة فيها ولو من بعيد ، وربما كان هذا هو أحد الأسباب التي تنتهجها الحكومة تجاه الشعب السلحفائي
ولعل المتأمل في حقيقة ذلك ، يلاحظ أسباباً عديدة من المؤكد أنها تعود إلى عدم نضج هذا الشعب ، و تعود لأسباب أخرى ، ربما على رأسها وجود معارضة اسماً وليس فعلاً ، حيث تتفق الأدبيات السياسية السودانية على أن ضعف المعارضة وتحولها إلى هياكل ورقية يعود إلى طبيعة السياسات الحكومية الرامية أصلاً إلى اضعاف هذه القوى، وهى سياسات تبدأ من منع الأحزاب من الحصول على الشرعية، حتى محاصرة جميع أنشطتها الحزبية في المقرات ، إلى أن تتحول هذه الأحزاب إلى المعارضة الديكورية التي تفقدها كل قيمة لها أمام النظام السياسي ، ما عدا بقائها كأداة للمزايدة .
بات النظام يرى في المعارضة وخاصة الحزبية منها إحدى وسائل الدعاية لممارساته ، ما يؤكد على هيمنة النظام الحاكم على كافة مقاليد الأمور بشكلٍ بدت معه المعارضة ، كما لو كانت أحد أطراف اللعبة السياسية المقرر لها سلفاً حدود معينة متفق عليها في قواعد هذه اللعبة ، ذلك إن أزمة المعارضة تعود في جانب كبير منها إلى أن نشأتها كانت هبة من السلطة وليست تعبيراً حقيقياً عن ركيزة اجتماعية لها ثقلها السياسي في المجتمع السوداني ، ولذا ولدت رهينة المزاج السلطوي فإن شاء الحاكم وسع لها وأكرمها وإن شاء حجر عليها أو اعتقلها.
وبعيدأ عن الممارسات السلطوية التي ساهمت بالهم الأكبر في اضعاف المعارضة السودان ، يعيب هذه القوى وخاصة الحزبية منها عوامل أخرى على رأسها :
الادارات الداخلية ففي الواقع تدور الأنشطة السياسية في إطار اسري ، بعيدا عن مشاركة القطاعات الواسعة من المواطنين .
غياب الحوار الداخلي لديها، ما أدى إلى احتدام الصراعات والانقسامات الداخلية .
عدم القدرة على تجديد الخطاب السياسى أو حتى تطوير برامجها لتلائم المتغيرات الداخلية والخارجية، وغياب البرنامج المقنع والعملي البديل .
تفشي أنواع من الفساد وغياب الشفافية في إدارتها .
الدوران في فلك النظام ما جعلها معارضة مستأنسة أي من صنع الأنظمة .
تسلط قياداتها على أعضائها.
الصراع بين جيلي الشباب والشيوخ
أن المعارضة السودانية بوجه خاص باتت أشبه بجزيرة منعزلة ، منعزلة عن نفسها ومنعزلة عن مجتمعها، فضلاً عن كونها تفتقر إلى الحياة وإلى الوجود.. فلا هي قادرة على التغيير من خلال مجابهة بناءة مع النظام الحاكم ، ولا هي متواصلة مع المواطن العادي، ولا هي متلائمة داخلياً فيما بين أعضائها. حيث تعاني الحزبية من أوجه قصور وسلبيات متفاقمة، ما جعل الأحزاب باتت تشهد تراجعاً ملحوظاً في عضويتها وتواجدها بالمنظمات الجماهيرية والشارع العام وانتشارها الجغرافي، وهو ما انعكس بدوره على تأثيرها ونفوذها السياسى فى المجتمع إلى درجة توشك أن تصبح في حكم العدم .
وفى ظل هذا الضياع السياسى، يمر المواطن السودانى بمرحلة من التيه، فهو من باب لا أمل لديه في السلطة الحاكم ، ومن باب آخر لا يعبأ بهذه المعارضة التي تحاصرها الأمراض.. وفى جميع الحالات تسير أموره إلى الأسوأ اقتصاديا واجتماعيا وسياسياً ، كما تحاصره عاصفة من التشريعات المصابة بعيب الانحراف التشريعى والتى تعد خصيصاً لتدعيم هذا النظام الشمولى.