د. فيصل عوض حسن
مقالاتٌ عديدةٌ كتبتها للشَّباب السُّوداني، لقناعتي بأنَّهم الأمل الوحيد/المُرتجى لإحداث/إنجاح التغيير المأمول في السُّودان، ومن ذلك مقالتي (اَلْصَحْوَةُ اَلْسُّوْدَاْنِيَّة: مَحَاْذِيْرٌ وَمُتَطَلَّبَاْت)، في 22 ديسمبر 2018، التي تَعَمَّدْتُ أن أُثَبِّت/أُوثِّق فيها لانطلاقة الحِرَاك، دون أيِّ رعايةٍ (فاعلةٍ) من الكيانات السُّودانيَّة، عدا بعض المُشاركات (الشخصيَّة/الفردِيَّة) وفي حدودٍ ضيِّقة من واقع مُشاهداتنا في مُختلف المُدُن، بدءاً بالدمازين والفاشر وعطبرة وبورتسودان وبربر، مروراً بدنقلا وكريمة وكسلا والأُبَيِّضْ والقضارف والجزيرة أَبَا وكوستي ورَبَكْ وسِنَّاْرْ ومدني/الهِلاليَّة والنُّهُود، وانتهاءً بأمدرمان والخرطوم وبحري بأحيائها المُختلفة.
خرج السُّودانيُّون للشوارع بفئاتٍ عُمريَّةٍ مُتفاوتة، ومِهَنٍ وقطاعاتٍ مُتنوِّعة، ودون قيادةٍ واضحة، يقودون أنفسهم ويحمون بعضهم بعضاً. وكالعادة، شَكَّلَ الشباب السُّوداني مِحْوَر ارتكاز الحِرَاك، بعيداً عن (الأوصياء/الانتهازيين)، وَوَاجهوا الصَلَف/البطش الإسْلَامَوِي بشجاعةٍ فريدة، وقَدَّموا تضحياتٍ كبيرة، تُضاف لرصيدهم النِّضالي والإنساني السابق، كمواقفهم النَّبيلة إبَّان الفيضانات، وبطولاتهم المشهودة في سبتمبر وبالجامعات والمنابر الأخرى، التي لا يسع المجال لذكرها. وهذه التضحيات المُمتدَّة، تمنحهم (أحَقِّيَّة) قيادة أنفسهم وإدارة/تسيير السُّودان، إذا لو تَوفَّرت مرجعيَّة تحتويهم، وتُنسِّق أعمالهم وتُديرُ شؤونهم. وفي هذا الإطار، أُجَدِّد دعوتي التي طرحتها منذ 2014، وكَرَّرتُها في مقالاتٍ كثيرة آخرها مقالتي أعلاه (22 ديسمبر 2018)، والمُتعلِّقة بتشكيل مجلس شبابي/سِيادي من كل أقاليم السُّودان، وفق التقسيم الإداري: دارفور، كردفان، الشرقي، الأوسط، النيل الأبيض، النيل الأزرق، الشماليَّة والخرطوم، وبمُعدَّل شابَّينِ اثنين/للإقليم (16 عُضواً)، يختارهم أبناءُ الإقليم المعني بأعمارٍ تتراوح بين 20-50، بغض النظر عن دياناتهم أو أعراقهم أو أنواعهم (ذكور/أُناث)، وبما يضمن تمثيل كل السُّودانيين في الحكم، على أن يختار أعضاء المجلس (في ما بينهم) رئيساً ونائباً، ويكون جميل جداً لو أُخْتِيرَت امرأة لرئاسة المجلس، تقديراً لمُساهمة المرأة السُّودانِيَّة القوِيَّة في الجهود النِضالِيَّة، ويُمكن الاستفادة من تَوَاجُد جميع أطياف الشعب بميدان الاعتصام، لإنضاج الفكرة واختيار المجلس الشبابي.
ولتكوين الحكومة، يُشكِّل مجلس الشباب لِجَاناً أكاديميَّة/مُسْتقِلَّة بمُختلف المجالات (3 خُبراء/للجنة)، ليضعوا/يُحدِّدوا شروط ومُوهِّلات المناصب الوزاريَّة المعنيَّة، وفقاً للكفاءة والتخصُّص (المُؤهِّلات العلميَّة والخبرات العمليَّة)، بعيداً عن الميول الحِزبيَّة أو الديانة أو النوع أو الإقليم، ثُمَّ ترشيح ثلاثة أسماء (بالتَسَلْسُلْ) لكل وزارة، وتبريرات اختيارهم ليختار المجلس أحدهم، مع دمج/ضغط الوزارات الاتِّحادِيَّة واستبدال الإقليميَّة بإداراتٍ عامَّة، كالإدارة العامَّة للشئون الماليَّة (بدلاً عن وزير الماليَّة) وهكذا، لتعمل تحت إشراف حاكم الإقليم، ولكن وفقاً لمُوجِّهات الوزارة الاتحاديَّة المعنيَّة. وبالنسبة لنظام/شكل الحكم (فيدرالي/مركزي/لامركزي وغيره)، يتم الاحتكام لمبادئ الإدارة العلميَّة الرَّصينة لاختيار النظام/الشكل الإداري، وفقاً لتوفُّر مُقوِّمات/عوامل نجاحه (إداريَّة، اقتصاديَّة/ماليَّة، ثقافيَّة/معرفيَّة، اجتماعيَّة وسياسيَّة)، بعيداً عن الارتجال و(دَغْدَغَة) المشاعر، لفترةٍ انتقاليةٍ لا تقل عن خمس سنوات، يُمكن بعدها إعادة انتخاب أعضاء المجلس، أو اختيار آخرين بحسب رغبة أبناء الإقليم المعني.
هذه الآلية كإطارٍ عام قابلة للإثراء، وربَّما تكون (واقعيَّة) للخروج من أزمة إدارة الدولة، ثم البناء عليها وتطويرها باستمرار بما يدعم نهضة السُّودان، وهي اختبارٌ/تَحَدِّي حقيقي لـ(صِدقِ) و(جِدِّيَّة)، جميع الكيانات/القُوَّى السُّودانِيَّة بشأن إتاحة الفُرصة للشباب، وتعزيز مُشاركتهم في الحُكم. ومن مزاياها تقليل الإنفاق العام، وعَدَالة وحُرِّيَّة اختيار أبناء السُّودان لمُمثِّليهم، وحَسْم إشكاليَّة التهميش نهائياً، عبر وجود تمثيل دائم لكل إقليم في المجلس، ويُمكن إشراك الشيوخ والقيادات الأهليَّة في اختيار مُمثِّلي المجلس القومي، إذا رأى أهل الإقليم المعني ذلك. ومن جهةٍ ثالثة، سيُشرف المجلس الشبابي، على كافة مراحل إعداد الدستور الدائم للسُّودان، وإجراء أي انتخابات تجري بعد ذلك وفقاً لهذه المُعطيات، وذلك بالتنسيق مع الحكومة المُقترحة ومن يرونه من الوطنيين المُستقلِّين.
بصفةٍ عامة، تعتمد فكرة مجلس الشباب، على اختيار قيادات (شبابيَّة) من كل أقاليم السُّودان، تتمتَّع بالوعي والقبول والاحترام، بما يعكس الشعارات المرفوعة بشأن تعزيز دور الشباب في تسيير الدولة. أخذاً في الاعتبار حقيقتين هَامَّتين، أُولاهما أنَّ العصبيَّة والجَهَوِيَّة/القَبَلِيَّة الماثلة الآن، صنعها المُتأسلمون وتَاجَرَ بها المُغامرون تحقيقاً لأهدافهم ومطامعهم الماليَّة والسُلطَوِيَّة! والحقيقة الثانية، تتمثَّل في خطورة تقسيم السُّودان تحت أي مُسمَّى، تلافياً لتلاشي/تذويب ما تبقَّى من البلاد وأهلها، لأنَّ انفصال أي جُزءٍ من البلاد سيكون مصيره فشل ذلك الجُزء وبقيَّة الأجزاء، وزوال السُّودان بكامله كنتيجةٍ نهائية، مما يُحتِّم توحُّد جميع السُّودانيين وتهيئة عوامل النهضة والاستقرار لأجيالنا القادمة. وليحذر الشباب من التعويل على أي دعم خارجي (دولي/إقليمي)، لأنَّ العالم بكامله (تآمر) مع المُتأسلمين ضد السُّودان، ونحن بالأساس لا نحتاج لدعم وإنَّما (أخلاق/وطنيَّة/تَجَرُّد)، ثُمَّ إدارة علميَّة رصينة لننهض بأنفسنا وبلادنا، وحينها سيأتينا العالم أجمع طالباً القرُب والتعاوُن.
بدلاً عن التَوَهَان واسترضاء المُغامرين والانتهازيين، أتمنَّى من القُوَّى/الكيانات السُّودانِيَّة (الصادقة)، دعم هذا التَوَجُّه وإثرائه وبَلْوَرته لواقعٍ مُعاش، تنفيذاً لشعاراتكم/تصريحاتكم عن توسيع مُشاركة الشباب في الحكم، وعِرفاناً/تقديراً لتضحياتهم المُمتدَّة ونضالاتهم المشهودة لإحداث التغيير في السُّودان. وأقول لشبابنا، أحموا (ثِمَاْرَ) ثورتكم وامسكوا بزمام المُبادرة، لأنَّكم أصحاب الوَجْعَة و(صُنَّاع) التغيير الحقيقيُّون، فكونوا أنتم الوطَن وقودوه دون وِصَايةٍ أو إقصاء، ورحِّبوا بأي مُساهمةٍ وطنيَّةٍ لو كانت (صادقة/مُتجرَّدة)، واقطعوا الطريق أمام المُتأسلمين والانتهازيين، وواصلوا نضالكم ولا تُبارحوا ساحة الاعتصام حتَّى تقتلعوا مجلس البرهان الإجرامي بالكامل، وأفرضوا طلباتكم كاملةً غير منقوصة، وثِقوا بأنَّ هناك نُخبةً من الوطنيين سيُساعدونكم بإعداد الاستراتيجيَّاتِ وخِطَطِ العمل الموضوعيَّة، ولن يبخلوا عليكم بالمشورة متى احتجتموها لإنضاج مسيرتكم الميمونة.