(ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) صدق الله العظيم
ما طلع صباح، إلا وسمعنا بأحد الاخوان المسلمين، يدين جماعته، وينقد حكومتها، ويظن أنه بذلك، قد استوفى كل شروط القفز من السفينة الغارقة، ولحق بصفوف المعارضة .. بل ان تنظمات كاملة، تخرج من جماعة الاخوان المسلمين، وتدعي الاصلاح لجماعة الإخوان الحاكمة الفاسدة، مثل ما فعل د. غازي صلاح الدين، دون أن يوضح الخلاف الفكري بينه وبين الجماعة، مما جعل معارضته لا قيمة فيها، ولا عبرة بها.. وهي تشبه معارضة د. عبد الوهاب الأفندي، الذي يهاجم حكومة الإخوان المسلمين، وفسادها، وأخطائها، ويبرئ فكر الإخوان المسلمين من هذه الأخطاء، التي لم تحدث إلا لقصور، وتخلف، رؤى ذلك الفكر عن روح الدين وواقع العصر.. ومن المعارضات التي تحدث وسط الإخوان المسلمين، ويسخر منها الشعب، ولايأبه بها، لأنها تتم من مرتزقة، ونفعيين، يريدون أن يقنعوا الشعب بأن الحكومة تحتمل المعارضة، ولا تضيق بها، ما يكتب الدبّاب إسحق فضل الله، أو الخال الرئاسي العنصري الفارغ .
على أن الأستاذ راشد الغنوشي، وهو من قادة الإخوان المسلمين على مستوى العالم، ورئيس حزب النهضة التونسي، الذي فاز في الانتخابات، يعلن خلافه مع الإخوان المسلمين، لأول مرة على أساس فكري.. ومع أنه لم ينفذ إلى جذور مشكلة الإخوان المسلمين، إلا أنه عرف على الأقل، أنها السبب في إنتشار الإرهاب، وتدمير الأوطان .. فقد جاء (اكد راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية ان لحظة الفراق بينه وبين جماعة الاخوان المسلين قد اقتربت. جاء ذلك في رسالة وجهها الغنوشي للاجتماع الخاص بالتنظيم العالمي للاخوان المسلمين الذي عقد في استطنبول تحت شعار “شكراً تركيا” في نيسان الماضي وحصلت “الحياة الجديدة” من مصادر خاصة على نسخة منها. قال الغنوشي “لا أسباب صحية ولا غيرها حالت دون حضوري ولكنني أرى يوماً بعد يوم أن لحظة الإفتراق بيني وبينكم قد اقتربت. أنا مسلم تونسي تونس هي وطني وأنا مؤمن بأن الوطنية مهمة وأساسية ومفصلية فلن أسمح لأي كان أن يجردني من تونسيتي لن أقبل أي عدوان على تونس حتى ولو كان من أصحاب الرسالة الواحدة. أنا الآن أعلن أمامكم أن تونسيتي هي الأعلى والأهم لا أريد لتونس أن تكون ليبيا المجاورة ولا العراق البعيد أريد لتونس ان تحمي أبناءها بكل أطيافهم وألوانهم السياسية أنا وبالفم المليان أعلن لكم أن طريقكم خاطئ وجلب الويلات على كل المنطقة .
لقد تعاميتم عن الواقع وتبنيتم الأحلام والأوهام واسقطم من حساباتكم الشعوب وقدراتها …) لماذا إحتاج الغنوشي أن يشدد على وطنيته، وهو يواجه قيادات الإخوان المسلمين ؟! لأنه علم أن هذا التنظيم الشيطاني، لا يحفل بالأوطان ويقدم عليها مصالح أفراد التنظيم .. ولأن الوطن لا يهم الإخوان المسلمين، تحالفوا مع المجموعات الإرهابية المتطرفة، التي يعلمون أنها ستقتل أبناء وطنهم، وتدمر كل مشاريعه !! يقول الغنوشي ( …فقد أثبتم أنكم قليلو الحيلة وتحالفتم مع منظمات ارهابية تدمر أوطانكم ماذا سيتبقى لكم في حال دمار وطنكم ؟ يجب ألا تكون الكراسي هي الهدف فالوطن هو الأهم يجب أن نعرّف أنفسنا من جديد بأننا الوطنية الإسلامية يجب ان نقر بالوطنية ونتعامل معها لأنه لا يمكن لنا أن نبني أمة إسلامية دون أن يكون هنالك وطنية اسلامية وهذه نقطة الخلاف الأساسية بيننا .. ماذا يفعل الارهاب المسلم القادم من باكستان أو موريتانيا أو في أراضي تونس؟ ماذا يريد ؟ ألايريدون تدمير وقتل أبناء شعبي ؟) لقد انتبه الغنوشي الى علاقة الإخوان المسلمين بالجماعات الإرهابية، أمثال “القاعدة”، و”بوكوحرام” و “التكفير والهجرة” و “داعش”، وحملهم مسؤولية جلب هذه الجماعات المهووسة الى بلاده، من دول أخرى. ولو أن شخصاً آخر لا علاقة له بالاخوان المسلمين، شهد بأنهم حلفاء ل”داعش” لنفوا ذلك، وأدعوا أنهم معارضون ل”داعش” ويعملون ضدها!! بل إنهم يحاولون الآن خداع أمريكا، بزعم أنهم يمكن أن يشاركوا معها، في حرب الجماعات الإرهابية !! فقد جاء (اعترف معاوية عثمان خالد، سفير النظام السوداني لدى الولايات المتحدة الأمريكية بتعاون وثيق بين نظامه والمخابرات الامريكية. وقال في حوار مع صحيفة “واشنظن تايمز”، أمس الأول، ان جهاز الأمن السوداني علي تنسيق كامل مع أجهزة الاستخبارات الامريكية “السي آي ايه” وأجهزة إستخبارات أوروبية كالايطالية والفرنسية بخصوص تنظيم “داعش”، مشيراً إلى ان حكومته قدمت في هذا الصدد معلومات ثمينة بشأن أنشطة التنظيم في ليبيا ومصر والصومال وغيرها من دول شمال وشرق افريقيا. وأضاف ان لنظامه تاريخ طويل في التعاون مع الإستخبارات الأمريكية والفرنسية والايطالية داخل المنطقة وخارجها، وانه سبق ونسق مسؤولون في جهاز الأمن السوداني مع مسؤولين من أجهزة إستخبارات هذه الدول في تنفيذ عمليات لمكافحة الإرهاب بافريقيا.
وفي مغازلة علنية لأمريكا أعرب السفير عن ترحيب حكومته بزيادة دعمها للقوات الأميركية على الأرض، قائلاً بان دور حكومته غير محدود ومن الممكن توسيعه في شتى المجالات والمهمات. ورداً علي سؤال الصحيفة حول إستعداد حكومة بلاده لفتح الحدود امام القوات الأمريكية وأجهزة إستخباراتها للدخول من أجل مكافحة الارهاب، رد السفير قائلا : “آفاق التعاون بين أجهزة المخابرات في البلدين ظلت دائماً مفتوحة علي مجالات مختلفة من أوجه التعاون. وقال ان حكومة بلاده تتطلع إلى ان تصبح لاعباً رئيسياً في محاربة الجماعات الإرهابية في افريقيا كـ” داعش” و”بوكو حرام”. وسبق واعترف صلاح قوش، مدير جهاز الأمن السابق، في حوار صحفي يناير 2014 بالتعاون الوثيق بين جهاز الأمن السوداني و”السي آي ايه”، قائلاً بان التعاون كان يتم دائماً بموافقة وإشراف المشير عمر البشير. وشكك السيناتور روس فينجولد – عضو لجنة الاستخبارات بالكونقرس ورئيس اللجنة الفرعية حول افريقيا في قيمة المعلومات الإستخباراتيه التي تقدمها سلطة المؤتمر الوطني، حيث قال : “أرى انه من الخطير ان التقرير ” حول الارهاب العالمى من وزارة الخارجية الامريكية” يبالغ فى تقدير مستوى التعاون فى مكافحة الارهاب فى علاقتنا مع السودان)(حريات 19/5/2016م) هذا هو لسان الإخوان المسلمين للأمريكان نحن معكم ضد داعش !! أما لسانهم للشعب السوداني فإنه يقول (أمريكا روسيا قد دنا عذابها علي إن لاقيتها ضرابها) !! وإذا كانت هذه الخدعة لم تجز على السيناتور الأمريكي، فهي لا يمكن ان تجوز على الحكومة الأمريكية، ولكن الإخوان المسلمين لفرط غبائهم، يظنون أنهم يمكن أن يخدعواجميع الناس، بما في ذلك أعضاء التنظيم العالمي أمثال الغنوشي !!
وهم في سبيل مصالحهم الذاتية، يمكن أن يبيعوا كل من تحالف معهم، ويتنازلوا عن أي قيمة .. فقد باعوا أعضاء مجلس قيادة الثورة، الذي أقاموا معهم الإنقلاب، من غير الإسلاميين، وأبعدوهم عن مناصبهم. كما باعوا الإسلاميين الليبيين، الذين لجأوا إليهم، وسلموهم للقذافي، الذي قتلهم على سلم الطائرة . كما باعوا “كارلوس” للفرنسيين، وقد كان حليفهم، وقبضوا ثمنه !! وباعوا أسامة بن لادن، وعرضوا على أمريكا أن يسلموه لها، لولا أن حكومة كلنتون رفضت إستلامه، لأنه لم يكن متهماً عندها في ذلك الوقت .. وحين غادر أسامة السودان، ترك أمواله أمانة عندهم، فأكلوها، ورفضوا اعطائها لورثته !! ولقد باعوا اسرار الحركات الإسلامية المحالفة لهم، للمخابرات الأمريكية، طمعاً في تعاون أمريكا .. وصمتوا على إتفاقية مياه النيل المجحفة مع مصر، لدى تجديدها في التسعينات، مقابل ان تضيق مصر على المعارضة بأرضها .. وتحالفوا مع أيران عسكرياً وسياسياً، ثم باعوا أسرارها للسعودية !! وباعوا شيخهم الترابي، وسجنوه، واتهموه بالتضليل !! فهل بقت للإخوان المسلمين ذرة دين ؟!
يواصل الغنوشي ( أستحلفكم بالله وللمرة الأخيرة أن تقرأوا الواقع جيداً وألا تركبوا روؤسكم وانظروا الى واقع كل منكم كيف اصبحتم فالجماعة جماعتين وأكثر واصبحتم في بلاد كثيرة في عزلة شعبية بعد ان كنتم تراهنون على الحاضنات الشعبية لا يمكن وهذا المفصل أن تبنوا حاضة شعبية دون هوية وطنية أين أنتم ذاهبون ؟ اتقوا الله في اوطانكم وشعوبكم فنحن في تونس شكلنا رسالة واضحة لكم فقد تسلمنا الحكم وخسرنا الانتخابات فمن افقدنا هذه الانتخابات هو الشعب التونسي لم تأت قوة خارجية لتسقطنا بل أخطاؤنا واجتهاداتنا هي المسؤولة عن ذلك لا الروس ولا الأمريكان ولا غيرهم نحن فيتجربتنا الجديدة في تونس أخطأنا والشعب التونسي حاسبنا ويجب علينا أن نستفيد من هذا الحساب إن كنا جادين واصحاب رسالة). فالغنوشي قد أحسن وصف إخوانه، حين وصفهم بأنهم لا يقرأون الواقع، ويركبون رؤوسهم ولا يفكرون، وأنهم قد عزلوا شعبياً، حين ظهرت أخطاءهم للناس .. وقد أوضح لهم أنهم لا يمكن أن يكسبوا أي شعب، وهم ينكرون عليه هويته الوطنية، ويستبدلونها له بهويتهم الإسلامية .. ولقد أوضح لهم خطأ هذا الفهم عملياً، بما حدث في تجربة تونس، حين أسقط الشعب التونسي حركتهم، بسبب هذا المفهوم الخاطئ.. ثم يواصل الغنوشي (أتركوا كل بلد لأبنائه مهما كانت النتيجة وحتى إن خسرتم فإنتم صورة مماثلة للأنظمة الحالية إن رفضكم الشعب تلجأون الى العنف… في الختام أبلغكم بوضوح إننا في تونس سنعلق حضورنا في مثل هذه الاجتماعات التي اصبحت روتينية بل وأزيد بأنها سلبية تضر أكثر مما تفيد وأطالب العقلاء منكم والواقعيين البحث عن آليات وبرامج جديدة توحد ولا تفرق تجذب ولا تنفر وإن وفد تونس الآت بعد قراءة هذه الرسالة سيغادر الاجتماع معلنين بأننا سنعلق حضورنا في هذه الاجتماعات)(الحياة الجديدة مايو 2016م) لقد إكتشف الغنوشي أن جماعته تلجأ للعنف لتصل للسلطة، رغم رفعها شعارات الديمقراطية والحرية .. وطالبهم ببرامج جديدة، لا تحوي العنف، واحتقار هوية الشعوب، ولا تنفر عنهم الناس. ثم غادر اجتماعهم معلقاً نشاطه معهم.
على أن ما لم يكتشفه الغنوشي بعد، هو ان الخلل في فكر الإخوان المسلمين، وافكار الجماعات الاسلامية الارهابية، التي يتعاونون معها، هو أنها جميعاً تحاول أن تعيد الإسلام في مستوى الشريعة، وتريد أن تطبقه كما طبق على مجتمع القرن السابع الميلادي !! وهي بذلك، كأنما تريد ان تشطب ألف وأربعمائة عام من التطور، وهي محاولة فاشلة، لا تؤدي إلا الى التطرف والإرهاب، أو النفاق، أو كليهما، كما هو الآن حال جماعة الإخوان المسلمين !!
د. عمر القراي
Omerelgarrai@gmail.com