عبد المنعم سليمان
الصورة الأليمة لامرأة تجلس مع ابنتها على حطام منزلها الذي هدمته ” بلدوزرات” سلطة الإحتلال “الإسلامي” ، ضمن (67) من المنازل قامت بهدمها على رؤوس أصحابها بحي “الصناعات” في منطقة “الشجرة” بالخرطوم .. هدمتها دون إنذار أو إخطار ، وبلا أي مسوغات قانونية أو وطنية أو أخلاقية .. هُدمت البيوت بمن فيها وما فيها ، بطريقة متوحشة تأنف أي سلطة إحتلال من الأتيان بمثلها ، دع عنك ان تتقوم بها حكومة ضد شعبها !!
من يتمعّن في هذه الصورة لا يشعر انه يرغب بالبكاء أو الغثيان أو البصق أو الركل .. ولا يحس انه يريد الصراخ والسب بأقذع الألفاظ .. بل إلى جانب كل هذه المشاعر يشعر انه كائن تافه يعيش في “كوكب القرود” .. ووسط كائنات مشوهة نصفها الأسفل بأعضاء بشرية بينما الأعلى عبارة عن كتلة من اللحم بلا قلب ..يتصدرها رأس أجوف بلا مخ ..
ما تعرضت له هذه المرأة الصابرة يثبت توحش السلطة الحاكمة في بلادنا ويفضح سياساتها القائمة على قمع وإذلال المواطنين ، ويؤكد برنامجها القائم على تحويل البلاد إلى شركة إستثمارية تافهة .. تنفذ مشاريع متوحشة تقوم على تسمين “الحيوان” بإضعاف الإنسان ، ولا ريب ، فقد وقع الرئيس “السمسار” الذي تقوم “بلدوزراته” بهدم منازل الفقراء والمستضعفين والأرامل .. وقّع الأسبوع الماضي عقد تأجير “مليون” فدان لحكومة “السعودية” ولمدة (99) عاماً ! “مليون” فدان – ويا للهول – “مليون” فدان من أخصب أراضي البلاد تُخصص كمزارع ( بـرسـيـم ) من أجل “عيون” ماشية “الكفيل” السعودي ! ولا أعرف لماذا لا يقوم الرجل القاسي بتغيير الاسم من “السودان” إلى “أرض الحيوان” حتى يقترن اسمه باسم البلاد نقلاً وعقلاً ؟
ان هذه الحادثة تؤكد المنزلق البئيس الذي وصلت إليه مسيرة الإنحدار الوطني .. لأنها وكما أوضحت لنا حقارة السلطة الحاكمة فانها أوضحت أيضاً باننا نعيش بلا مصدات تقينا من الكروب والشدائد ، وبلا مشاعر حقيقية تخفف على المصابين والمصابات عند حدوثها .. فلا “أحزاب” خرجت ، ولا “نشطاء ونشطات” نشطوا في تنظيم وقفات إحتجاجية ، ولا “مجتمع مدني” تضامن مع مجتمعه .. وكأن هذه المنازل قد هدمت في الضفة الغربية بفلسطين وليس بضفة النيلين ، وكأن الذين قاموا بها “صهاينة” تل أبيب لا “صهاينة” الخرطوم ! ويبدو ان السلطة الحيوانية المتوحشة قد نجحت في إستنساخ كائنات مشوهة في صفوفنا على غرار النعجة “دوللي” .. كائنات مهمتها في هذه الحياة : الأكل والإخراج ، بلا ضمير يوخز ، أو نفس تغضب ، أو مآقي تسكب الدموع على حال البلاد قبل حالة هذه المرأة الشريفة التي فضحت عجزنا عملياً ، وكشفت تحولنا من بشر إلى “كيبوردات” جامدة تكتفي بــ الـ”النقر” والنشر .. واعترف بانني أول هؤلاء “المتحولين” .. ويكفيني عاراً وضع ” القلم ” في موضع “السيف” ..
ولكن رغم فداحة الزلزال المدمر الذي ضرب بلادنا كما مجتمعنا .. إلا ان ثقتنا في شجاعة وبسالة وقدرات هذا الشعب الخارقة لم تتزحزح في أي يوم من الأيام .. ولعل هذه المرأة المكافحة هي المرأة “العمورية” التي نادت “معتصمها” فإستجاب لندائها .. ولعل نظرة الإنكسار البادية على وجهها هي الصرخة التي ستخرج “المعتصم” من وسط أبناء شعبنا ، فيرمي قدحه ليشعل الشرارة التي تقدح نيران الإنتفاضة في ظلمة ليل بلادنا البهيم .