المشروع الطموح والمعلن عن العبور الوطني والثوري لمرحلة الانتقال المزروعة ارضها بالغام النظام البائد، ووصول هذا المشروعلمرحلة الحكم الديمقراطي الرشيد المستدام، له شروط، أولها ادخال الناس في السلم كافة وثانيها تأمينهم من الخوف وثالثها اطعامهممن الجوع، اذا لم تتحقق هذه الأركان الثلاثة المستحقة لعبور سفينةالانتقال، لن يتم انجاز هذا المشروع الميمون الذي ظل يبشر به رئيس الوزراء في حله وترحاله، فمع صبر الصابرين وكظم غيظ الظامئين لشرب ماء النيل الزلال والتواء امعاء واحشاء الجائعين، وخوف المعرّضين لخطف الممتلكات الخاصة الخفيفة الوزن والغالية الثمن، جراء السرقات وعمليات النهب المنظم التي ترتكبها (عصابات النقرز) و(التسعة الطويلة) وغيرها، لا يمكن عبور جسر التحديات المواجهة لمنظومة الانتقال، هذه الاشراط مثلها مثل اشراط الساعة التي لن تقوم القيامة الا بعد حدوثها، لذلك على حكومة الانتقال أن تضع نصب عينيها هذا الالزام الثوري والواجب الأخلاقي، فلن تعبر السفينة وبطون الشعب جائعة، هنالك رواية منسوبة لفلاديمير بوتين رئيس جمهورية روسيا الاتحادية تقول 🙁انه وبعد توليه مقاليد الأمور في بلاده ذهب مباشرة للمزارع وبدأ تدشين حقبة حكمه من هناك بقوله: لايمكن لشعب جائع أن يبدع، أو كما قال)، وبديهيا من بعد اتمام عملية الأشباع من الجوع يجب توفير جهاز شرطي وأمني يزرع الطمأنينة في النفوس.
مطلوبات الانتصار بعد أن ينجح مشروع العبور الميمون تتمركز حول وضع الأسس والمباديء الحافظة لعملية التداول السلمي للسلطة بين الأحزاب والكيانات السياسية، والتي أولها وجوب اندلاع ثورات الوعي والتصحيح والتنوير والتغيير الداخلي في اروقة هذه الأحزاب والتنظيمات السياسية والحركات والجبهات الكفاحية الحاملة للسلاح، فلا يمكن للحزب والكيان السياسي أن يكون قبلة للمواطنين اذا لم يتبرأ من عصبية الدين وعنصرية القبيلة وولاء الجغرافيا وغلبة الانتماء للجهة، وهي العصبية والعنصرية والولاءات التي لم يترك فيروسها حزباً ولا كياناً سياسياً مسلحاً كان أو مدنياً من الكيانات الممثلة لمرحلة الانتقال الا وغزاه في عقر داره، حتى كادت مقولة (من كان منكم بغير خطيئة فليرمها بحجر) تنطبق على كل الاجسام الفاعلة في الحقل السياسي، فلا يعشم في تحقيق الانتصار من ظل موبوءاً بحمى هذه الأمراض المذكورة في السطر السابق، حينها يكون مثله كمثل الذي يتمكن من عبور الجسر بنجاح من غير أن يضع تحوطاته المسبقة لاحتمالية وجود ذلك الأسد الهصور الذي ينتظره في آخر مدارج الجسر، حينها سيكون المآل كمآل عملية الذراع الطويلة التي وصلت تخوم أم درمان لكنها اخفقت في ولوج قصر غردون، لوجود ذلك الهزبر الهصور الذي ظل يزأر ويكشر عن أنيابه حامياً لحمى قصر الجمهور المهجور.
التحولات الكبرى لا تستوعبها العقول الصغرى، فما تم من تخريب في عقود الظلام والتجهيل قد تم بناءً على منهج تدميري غيروطني رهن مصير البلاد ومستقبلها لأفكار شاذة مستوردة لا تتفق ووجدان الشعوب السودانية، وكانت الجبهة الاسلاموية قد فعلت كل ما فعلته بدراية وعلم وبصيرة، برغم ادعاء قادتها للتدين الشكلاني وارتداءها لجلد الحمل الوديع هذه الأيام، لا تصدقوها، إنّها كالحسناء التي نبتت في منبت السوء (خضراء الدمن)، يعجبك جسمها وتطرب لقولها وتثمل لسماع حديثها المشحون بعاطفة الدين، والمحشو بالحنين لزمان العمرين، هذا التدمير الممنهج كاذب من قال أن موسى بعصاه الساحرة سوف يصلح حاله في غضون عام او عامين، ما علق بعقول النشء من مفاهيم مغلوطة لن تزيله لجان التفكيك والازالة وانما هذا الواجب يقع عبئه على عاتق مسؤوليات الوزارات المختصة – الثقافة والاعلام، التربية والتعليم، الشؤون الاجتماعية – فهي الجهات الحكومية المنوط بها غسل اوساخ الماضي من العقول، وزرع قيم الحاضر ومطلوبات النهضة المستقبلية مكان الأذى المزال، فهل يكون هؤلاء الوزراء القائمين على اهرام مجالس الادارات العليا لاقسام وشعب هذه الوزارات على قدر الهم والواجب الثوري؟، خاصة وأن وزير الشئون الاجتماعية كان رمزاً من رموز الأصولية المتشددة أيام تسفير الشباب والطلاب الى محرقة الحرب الدينية العبثية في جنوب البلاد.
الأشواك المزروعة على رصيف جسر العبور رؤوسها مدببة وطويلة وحادة ومسمومة وقاتلة، على الصادقين من رموز الانتقال الحذر كل الحذر من هذه الأسنان المعدنية الفاتكة بالبطون والطاعنة للأكباد، فالناس يدركون أن سفينة الأنتقال تحمل من بين المسافرين على متنها من هو ممسك بذلك الأزميل الذي تقف على رأسه مطرقة ثقيلة الوزن مصوّبة نحو قعر السفينة، لإحداث خرق يغرق الجودي بمن حوت من الصالحين والطالحين، فالمشي على جنبات هذه الطريق محفوف بمخاطر اصحاب النوايا السيئة الذين ترى تبسمهم في اوجه اخوانهم كأنه صدقة، لكنه في حقيقة الأمر ما هو الا افتضاح لبياض لون عظام الأسنان الجامدة، وانعكاس لارهاصات النفوس المسكونة بسوء النوايا وخبث الطوايا، على الصادقين ممن حملوا ارواحهم على اكفهم واعتلوا ظهر هذه السفينة المشحونة بالمتناقضات أن لا يحسنوا الظن بكل من هتف مؤيداً لشعارات الثورة، فهناك من بين الثوار ثوار زائفون يضمرون الدوافع الثأرية تجاه من حطم صنم الدكتاتور البائد، وهنالك من بينهم ايضاً من تعهّد بأن يقوم بالتعبّد في محراب الساقطين بناءً على ما يمليه عليه فقه التقية، لكل هذا وذاك وجب التنبيه للمخاطر والمحاذير الواقفة كحجار عثرة على طريق العبور والانتصار.
اسماعيل عبد الله
3 يوليو 2021