بقلم: وعد أويس القرني
في صغري، كان دائماً ما يأخذني أبي مع أخي أسبوعياً مع بداية كل دوري رياضي إلى مباريات كرة القدم. كُنت أرى مراسم الحماس مهللة على جبيني أبي وأخي، فقد كانا يهتفان بكل ما ليدهما من قوة وحماس مشجعين مخلصين لفريقهما. على المستطيل الأخضر، حفظت أماكن اللاعبين و دورهم في المباراة، كنت أتابع الخطط النابغة و العقل المدبر الذي يحرك اللاعبين كقطع الشطرنج، وأحاول أن أعيش الفن الذي يرسمه على الملعب. لأن الوجوه التي رأيتها في الملعب دوماً ما كانت ذكور، إرتبطت كرة القدم الإحترافية بآدم في ذهني. كبرت وابتعدت عن الرياضة، لكنني ظللت أحتفل بأي وجه أنثوي في الساحة الرياضية، لندرته خاصة في مجتمعاتنا التي تخلق للمرأة أدوار معينة، تضيقّ عليها إبداعاتها وما يمكنها أن تقدم من إنجازات لمجتمعنا.ولذلك كان الشغف الذي يدفع أي فتاة أن تكسر كل الحواجز لتمارس ما تريد وتبدع به، يستحق التقدير.
ومن رحلتي لإنجازات حواء السودانية، كانت سلمى الماجدي قصة ملهمة..
سلمى الماجدي، فتاة الـ26 عاماً، أول إمرأة، مدربة كرة قدم للرجال في أفريقيا والشرق الأوسط، والثانية على مستوى العالم بعد هيلينا كوستا، المدربة الفرنسية. حديثاً، توجت كأول إمرأة مدربة، في أفريقيا و الشرق الأوسط، تصل بفريق إلى مرحلة متقدمة كمرحلة الدوري السوداني الممتاز. من مواليد أم درمان، نشأت تصطحب أخاها للمدارس السنية للناشئين، ومنها أعجبت بلعبة كره القدم. اعتبرت كرة القدم ممراً لشغفها، فصنعت منه مستقبلاً و حافزاً لها. بعد أن شاركت في مع الفريق النسائي الوطني للسودان، فضلت أن تزاول التدريب، فبدأت طريقها أولاً مع شباب نادي الهلال و فرق الناشئين، بعد أن كانت مشجعة مخلصة من عمر 13 عاماً. بعدها، أصبحت مساعدة تدريب لنادي الموردة في أم درمان، من ثم حصلت على رخصة التدريب من الإتحاد الأفريقي لكرة القدم. {CAF}
في الشهر السابق، أحرزت سلمى أعلى النقاط في كورس المحاضرين للإتحاد الأفريقي في الكاميرون، من بين 27 دولة أفريقية و عربية، بعد أن رشحتها اللجنة الفنية للمدربين في السودان. بعد حصولها على الرخصة، طلب نادي النصر حضورها لترفعه من أحد أندية الدرجة الثالثة إلى انتصارات متتالية. بعدها، تركت نادي النصر و انضمت سلمى إلى مقعدالتدريب لفريق النهضة ربك، و هو الفريق المحظوظ بسلمى، المدربة الأنثى، أن تؤهله من المرحلة الأولى في الدوري التأهيلي إلى المرحلة الأخيرة على أعتاب مباراة واحدة للصعود إلى الدوري السوداني الممتاز ويعد هذا الانجاز سابقة كروية لم تسبق لأنثى في أفريقيا والشرق الأوسط.
أفصحت المدربة سلمى الماجدي عن أكبر المشجعين لها وهو خبير التدريب في الإتحاد الأفريقي أحمد بابكر، و والدتها. فقد شجعت أسرة الماجدي سلمى للسعي وراء شغفها، فكانت والدتها تقف حضوراً في مباراياتها المهمة، تنظر لها بعين فخر من جانب الملاعب، رغم نظرات العامة التي تستغرب النساء الجالسات في دور المدرب. اختارتها البي بي سي من ضمن أكثر 100 إمرأة تأثيراً في العالم، مما دفعها أن لا توقف مسيرتها، و تستمر في الوصول إلى أهدافها، منها تدريب نادي الهلال،المنتخب السوداني، و بعض الأندية العالمية.
رغم ما تملأه الصفحات من إنجازات لسلمى، إلا أن طريقها لم يكن معبداً لنجاحاتها. تعرضت سلمى للكثير من المضايقات لكونها أنثى في مركز يظن الكثير أنه أجدر بأن يكون به ذكر، لكن سرعان ما أن أحبطت تعليقاتهم الساخرة بفوز فريقها الذي تدربه والنجاحات المبهرة.
الشارع العام السوداني هو من تسمر عندما رأى سلمى بدور المدرب، فالمجتمع في عاداته قوي جداً في تقييد دور ومشاركة المرأة فكان من الصعب استيعاب فكرة المدربة الأنثى أولاً، و مدربة للرجال ثانياً. رغم ذلك، فرضت سلمى نفسها ولم تبالي لجعجعة المجتمع المتكررة، في أن تنفرد بموهبتها وحكمتها في التدريب، بعيداً عن كونها ذكر أو أنثى. ذلك أثبته تعامل اللاعبين مع المدربة، فكان بشكل محترم جداً بعد وضع الحدود المطلوبة، فلم يتجاوز الإطار الذي تضعه المهنة.
تستمر سلمى في مسيرتها، متمنية أن تكون مثالاً لكل فتاة تريد أن تحقق أهدافها رغم معوقات المجتمع. سلمى، وجه جميل يقف على أطراف مستطيل أخضر كبير، وجه أنثوي يجب أن نتعود عليه. ستفتح سلمى باباً لفتيات كثيرات أردن أن يطلقن أرجلهن، أيديهن أو زمارتهن في وجه هجمات أرادت أن تكبلهن. فهنيئاً لنا بسلمى ترتاد بنا إلى القوائم العالمية، هنيئاً لملعب اشتاق لصياح حواء، و هنيئاً لحذاء مدرب لبسته سلمى .
حوش عزّة
تعليق واحد
لله درك ياسلمي ومزيدا من التفوق انشاء الله وعقبال الباقيات