رئيس الجبهة الثورية قبل اربعة ايام قال:(الدولة مفلسة واتفاق السلام يحتاج لتمويل)، وبعده ادلى مستشار رئيس جمهورية جنوب السودان رئيس وفد الوساطة بحديث في حوار اجرته معه صحيفة الانتباهة، جاء فيه: (اتفاق سلام جوبا يمكن تنفيذه بالموجود)، وبالرغم من التناقض البائن في حديثي الرجلين الا أن المال كان هو المحور الذي دار حوله الاثنان سواء بالسلب أم الايجاب، واذا عدنا بالذاكرة للوراء قليلاً قبيل انعقاد محادثات السلام بالعاصمة الجنوبية جوبا بين الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة، لاستوقفنا اتجاه بعض قادة هذه الحركات الداعم لمقترح نقل منبر المفاوضاتالى احدى العواصم الخليجية، ورشح من تصريحات المناصرين لتلك الفكرة موضوع التمويل واثره على ضمان تنفيذ وانجاح مشروع السلام – حسب زعمهم، ولا يفوتنا في هذه المناسبة ان نذكّر الناس بسباق مفاوضات سلام دارفور بالدوحة قبل عقد من الزمان، حين كان المال ايضاً هو المحرّك الفعلي لبعض قادة الحركاتالمسلحة الناشطة في الاقليم المنكوب، وكيف أن الريال القطري فعل في الانفس الأفاعيل فاصبحت فنادق العاصمة القطرية مقصداً للصائحين والنائحين باسم القضية التي أرّقت مضاجع شعوب الدنيا، فكان مهرجاناً صاخباً بضوضاء القادمين من كل فج عميق.
القضية الدارفورية على الرغم من عدالتها وتسيّدها للمشهد الاعلامي العالمي حين من الدهر، الا أن الكثيرين من صفوة ابناء الاقليم الفاعلين بالواجهات السياسية والمطلبية، والمتصدرين للمشهد الاعلامي في ذلك الوقت، وقعوا في فخ نوازع ضعف النفس الامارة بالسوء، فجنحوا للاستثمار في دماء البؤساء من اهاليهم ضحايا هذه المأساة التي سمع عنها البعيد والقريب، فتحولت القضية التي شغلت الدنيا الى مصدر للتكسب المادي الرخيص ودافعاً للهرولة نحو الممولين المتاجرين بمآسي الشعوب، في الوقت الذي كانت فيه مثل حسناء في ريعان شبابها، طلب ودّها كل عزيز قوم رقى الى مسمعه حسنها وجمالها، لم يتأتى لقضية سياسية مطلبية وانسانية في افريقيا مثل ذلك الزخم الذي تأتّى لقضية دارفور، فقد زار لاجئيها السيناتور الديمقراطي قبل ان يصبح رئيساً – باراك حسين اوباما، وحطّت بارضها طائرة الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان، وجلس وزير الدفاع الامريكي الأسبق كولن باول على (البرش) منصتاً لشكاوى النازحات بالمعسكرات، وشرّفت بواديها ومدنها كونداليزا رايس المرأة الحديدية مستشارة الأمن القومي بحكومة الرئيس الامريكي جورج بوش، كانت دارفور بمثابة الكعبة التي يحج اليها المرشحون الغربيون في بلدانهم لأن مأساتها الانسانية أسرت قلوب شعوب ديار العم سام.
اخفاق الصفوة الدارفورية في ادارة ملفي الحرب والسلام بالأقليم، لا يضاهيه الا الفشل النخبوي السوداني على مستوى مركز القرار السياسي، جميعهم متساوون في ادمانهم لخوض التجارب الفاشلة التي وقودها سكان هذه البلاد الطيبة، فذهب بريق وألق القضية الأشهر عالمياً بسبب تفشي الروح القبلية والتنافس الشخصي حول النفوذ بالحركات المسلحة التي تمردت على سلطان الخرطوم، فتحولت الى شلليات عشائرية وبيوتات أسرية وتعالت الاصوات المنادية بالمناطقية من داخلها، واصبحت شبيهة بالمشاريع الأقتصادية ذات الجدوى العالية والعائد المادي الكبير،فقصدها كل من اراد المال والوظيفة الحكومية، لذلك لا اندهاش حينما تربط الرأس الكبيرة للجبهة الثورية تحقيق السلام والوفاق الوطني الشامل بالتمويل، ولا استغراب لو أنها لم تتطرق لعامل الإرادة الوطنية الخالصة ودورها الأولي الذي يسبق عامل التمويلفي تحقيق الأمن والاستقرار، لكنها العادة وماجرت عليه بحسب الإرث المشوّه الذي خلّفه النفعيون من ابناء الاقليم، وهنا لابد من لفت الانتباه لفضيحة عرّابي اتفاق الدوحة بفندق السلام روتانا أمام الممولين، عندما اختلف التجاني سيسي وبحر ادريس ابو قردة حول الغنائم، فلربما تحدث سيناريوهات مشابهة بعد هذه التصريحات الواضحة الباحثة عن الدراهم والدولارات.
لعنة حروب دارفور سوف يحيق مكرها السيء بكل من تآمر وعق وقتل وشرّد سكانها، فدماء الأبرياء لن تذهب ادراج الرياح وعبث الساسة والانتهازيين المتاجرين بمآسي اليتامى والأرامل لابد له من صاد ومانع، وهذه المرة سيخرج قادة جدد من داخل معسكرات النزوح واللجوء ما دامت تصفية الحسابات بين رفاق المصلحة الدنيوية قد شطرت النازحين واللاجئين الى شطرين، شطر يناصر الانتهازية والوصولية وآخر كفر كفراً بواحاً باصحاب الياقات البيضاء القادمين من بلاد الصقيع ممنين النفس بالحقيبة الوزارية، بعد أن ضمنوا لفلذات اكبادهم مستقبلاً زاهراً بعواصم الغرب،جاءوا ليستثمروا في آلام واوجاع الاطفال الجوعى المجدوعين تحت ركام بيوت المعسكرات المصنوعة من جوالات البلاستيك، مازلت اتساءل أين المليارات من الريالات المستلمة من ممولي سلام الدوحة؟ وكيف صرفت؟ وأين لجنة ازالة تمكين النظام البائد من جرد ومراجعة حسابات ابطال مهرجانات اتفاقيتي ابوجا والدوحة؟، من هذا المنبر أناشد القائمين على أمر هذه اللجنة أن يعيدوا فتح هذين الملفين، حتى قبل أن يتم تمويل اتفاق سلام جوبا، فشعوب دارفور تريد أن تعلم أين ذهبت أموالهم تلك؟.
اسماعيل عبد الله
15 ابريل 2021