“إن أقوى سلاح في يد القاهرين هو عقل (وعي) المقهورين”. كانت تلك العبارة هي المحرك الأساسي لقناعاته، والتي تبناها طيلة حياته لزيادة الوعي عند السود بجنوب أفريقيا.. فأعاد إحياء “حركة الوعي الأسود” Black Consciousness Movement في جنوب أفريقيا، وأصبح سياسيا معارضا للنظام العنصري، وتم اعتقاله أكثر من مرة وتوفى أثناء اعتقاله الأخير بسبب التعذيب.. إنه ستيف بيكو واحدًا من أهم شهداء النضال ضد الفصل العنصري ورمز للنضال من أجل الحرية والعدالة في جنوب أفريقيا وفي العالم أجمع.
العوامل المؤثرة على فكر” ستيف بيكو”
أولاً: النشأة والخبرات والسمات:
– ولد ستيف بيكو عام 1946 في مدينة ” King William’s” بجنوب أفريقيا، بدأ تعليمه عام 1952 في ظل وجود قانون تعليم البانتو وهو قانون تم وضعه لتقليص العملية التعليمة للسود ، حيث صمم هذا القانون في الاساس ليبقى على تعليم السود لمرحلة معينة من التعليم بحيث لا تسمح في المستقبل بخروجهم من دائرة كونهم عماله تستخدم وقت الحاجة إليها، ورغم ظروفه البيئة التي نشأ بها، فقد كان شغله الشاغل هو تحقيق التفوق الأكاديمي لتحقيق رغبة والده الذى كان يشجع أطفاله على مواصلة التعليم باعتباره الوسيلة الوحيدة والطريق الوحيد لوصولهم الى طبقة اجتماعية أعلى وتحقيق الاستقلالية.
– التحق “ستيف بيكو” بالعديد من المدارس والمؤسسات التعليمة ومنها مدرسة “سانت فرانس “الكاثوليكية “والتي كانت تقع خارج مدينة “ديربن ” حيث تشكلت أفكاره السياسية المعادية للعنصرية نتيجة لعدة أحداث جرت له خلال فترة تواجده بها.
– كذلك درس “بيكو” في مدرسه “لوفيدال ” والتي في أثناء دراسته بها تم اعتقال اخية اثناء اقتحام لقوات الأمن وذلك للاشتباه في أنه عضو بمنظمة (POQO والتي عرفت بعد ذلك باسم APLA (الجناح العسكري المجلس الأفريقي وسجن لمدة 9 أشهر.
– تم استدعاء بيكو للتحقيق معه ونتيجة لذلك طرد من المدرسة بعد ثلاثة أشهر فقط من التحاقه بها حيث اعتبر هذا الحدث بمثابة الدفعة “لستيف بيكو” في جهوده “لمقاومة عنصرية السلطة البيضاء ” التي اصبحت محور اساسيا في مستقبلة السياسي لسنوات.
ثانيا: الانتماء الحضاري العام
– لقد كان لمعاناة “بيكو” من نشأته في ظل نظام عنصري يفضل كل ما هو أبيض فيه وتحقير كل ما هو أسود تأثيرا على تشكيل شخصية “ستيف بيكو ” المتمردة دفعه الى مناهضة العنصرية في جنوب أفريقيا وتحقير شأن السود بها. بالإضافة إلى ذلك كان لحادثة طرده من المدرسة دورا في تبلور مستقبله السياسي ليتحرك في اتجاه التوعية بالتعليم وكيفية إدراك الجماعة السوداء مدى عزلتهم تحت إدارة النظام العنصري فتشكل دوره كمناضل سياسي أكثر منه كطالب منذ اتخذ هذا المنحى.
– لقد كانت جهود “ستيف بيكو” المستمرة والتزامه نحو” حركة الوعي الأسود ” هو الميراث الذي تركه للأجيال التالية في جنوب أفريقيا والتي كانت تعاني من أجل الحرية.
– لقد كان سلوكه المعادي لسياسة الفصل العنصري منذ طفولته، عاملا أساسيا أدى إلى طرده من مدرسته الأولى Lovedale في الكاب الشرقية، ومن ثم فقد التحق بالمدرسة الرومانية الكاثوليكية في Natal ثم التحق بكلية الطب في جامعة Natal في القسم المخصص للسود، وأثناء دراسته الجامعية أنضم إلى الاتحاد الوطني لطلاب جنوب أفريقيا (NUSAS)، ولكنه استقال من الحزب في أواخر الستينيات من القرن الماضي، لهيمنة الليبراليين البيض على الحزب الذي فشل في تمثيل احتياجات الطلاب السود.
-أسس “بيكو” في عام 1968 منظمة الطلاب الجنوب أفريقيين South African Students’ Organization (SASO)، وتم تعيينه أول رئيس منتخب لها عام 1969 وساهمت تلك المنظمة في تقديم الدعم القانوني والعلاج الطبي وكذلك المساعدة في تطوير الصناعات المنزلية للمجتمعات السوداء.
– تطورت حركة “الوعي الأسود” في عام 1971 بشكل كبير لتشمل عناصر أخرى غير طلابية بها مما مثل قوة ضاغطة على الدولة ونظامها العنصري.
– وفي عام 1972 اعتبر ” بيكو” أحد مؤسسي “مؤتمر الشعب السوداء “Black Peoples Convention، للنهوض بالمشروعات الاجتماعية في Durban، وتم انتخابه كأول رئيس لـلمؤتمر.
– لقد كان تكريس “ستيف بيكو” الكثير من وقته من أجل “حركة الوعى الأسود” سببا في تراجع مستواه الدراسي وكذلك رغبته في دراسة الطب، وذلك بسبب تورطه المستمر في أنشطته السياسة وهو ما أدى إلى فصله من الجامعة أيضا، في ذات الوقت الذى كان نشاطه السياسي يزداد ويتطور بوجه عام ضد سياسة التميز العنصري وبدء في التفرغ تماما للعمل في برنامج المجتمعات السوداء (BCP ) في ديربان . كما عمل ايضا في منظمة NASA التي كانت تحارب سياسة التمييز العنصري أيضا وبشكل خاص الجامعات البيضاء والتي كانت تمنع الطلبة السود من الالتحاق بها او تحقيق أي إنجاز تعليمي.
– ونتيجة لنشاطه المناهض للعنصرية، قامت حكومة الفصل العنصري في عام 1973 بتحديد إقامة “ستيف بيكو” في مسقط رأسه، في مقاطعة “كينج ويليم ” محل ميلاده كما تم منعه من الاتصال أو التحدث مع أكثر من شخصين في ذات الوقت وحرم من الدخول إلى المؤسسات التعليمية وألزم بتقديم تقرير لقسم الشرطة التابع له محل إقامته مرة كل أسبوع واعتبر عدم ذهابه لإثبات تواجده جريمة يجب محاكمته عليها.
وبالرغم من تحديد إقامته والقيود التي فرضت على تحركاته ظل “بيكو” متابعا لعملة بالنسبة لحركة “الوعي الأسود” من داخل منزله كما ظل يواصل العمل مع رابطة الشعوب السوداء BPC، فساعد في تأسيس صندوق ائتماني لدعم المعتقلين السياسيين وأسرهم وتوفير فصول تعليمية ورعاية صحية للفقراء من السود اللذين كانوا يعانون لدخول مستشفيات المدينة.
– لقد كان تحديد إقامته وحجز العديد من قادة “SASO ” و”BPC” تحت طائلة قانون الإرهاب يهدد بإعاقة واستمرارية “حركة الوعي الأسود” إلا أن الاتهام الذى استخدم خلال محاكمة استمرت 17 أشهر كان بمثابة الاساس الذى انطلقت منة شعبية ” حركة الوعى الأسود” رغم ادانة وسجن روادها بتهم مختلفة ومنها “التأمر الثوري ” حيث أدت محاكماتهم دورا في إكساب الحركة القوة والاستمرارية والتعاطف الشعبي من المجتمع الأسود ضد العنصرية البيضاء وقضت المحاكمة على أي تردد لديهم في تأييد الحركة.
من ناحية أخرى، نجد تجسيد فكر “الوعي الأسود” ينتشر فظهر خلال انتفاضة “سوتو” عام 1976، حيث زادت أحداث العنف ضد طلاب المدارس الثانوية المحتجين على استخدام اللغة الأفريكانية فقام الأمن بحمله موسعة للقبض على الطلاب، وعلى الرغم من عدم وجود دور مباشر لـ “ستيف بيكو ” في أحداث “سوتو” إلا أن انتشار فكر “حركه الوعي الأسود” ادى الى دفع الطلاب للاحتجاج على النظام العنصري خاصة بعد أن أجبروا على استخدام اللغة الأفريكانية في المدارس.
– سرعان ما أدت احتجاجات 1976 الطلابية الى اعتقال “بيكو” في 18 اغسطس 1976، وخلال احتجازه بداء “ستيف بيكو” في دراسة القانون بالمراسلة في جامعة “جنوب أفريقيا” UNISA حيث كان يبلغ حينئذ الثلاثون من عمره وكان يتمتع بكامل لياقته البدنية والعقلية.
– وفى عام 1977اعتقل “بيكو” مرة أخرى حيث جرى استجوابه والتحقيق معه، وتم الاعتداء عليه من قوات الأمن بالضرب وأصيب في رأسه، وتدهورت حالته الصحية تباعا حتى لقى حتفه في سجن بريتوريا المركزي في سبتمبر 1977، بعد أن أصبح رمزاً لحشد المقاومة السوداء ضد نظام الفصل العنصري الجائر.
ثالثا: القضايا الفكرية “لستيف بيكو”
1- قضية الوضع العنصري في جنوب أفريقيا
اهتم بيكو بالوضع العنصري في جنوب أفريقيا والآثار المترتبة عليه، وفي سبيل التوصل إلى أدوات للقضاء على العنصرية، ركز على دراسة ظاهرة العنصرية وحلل الأسباب التي أدت إلى ظهورها فسعى أولاً إلى دارسة جذور تجارة الرق التي وُضِع لها عدة تفسيرات تتضح فيما يلي:
التفسير القدري: وجوهره أن ظاهرة العنصرية هي مسألة إلهية، نشأت بمشيئة إلهية حيث تم الترويج لأرض الميعاد والأرض الموعودة، إلا أن “بيكو “رفض هذا التفسير، مؤكداً أنها ظاهرة من صنع البشر.
بالتفسير الثقافي: من منطلق المحافظة على هوية الأقلية.
التفسير الاقتصادي: يرى أن العنصرية نشأت في الأساس كظاهرة اقتصادية، تهدف إلى الاستئثار بالثروات الأفريقية، واُستخدِام اللون كذريعة لتبرير هذا الاستنزاف، وللتمييز بين الأبيض والأسود، وبالتالي يرى “بيكو” أن العنصرية بدأت في المجال الاقتصادي تم تحولت إلى اتجاهات ومعتقدات فرعية ثم في مرحلة تالية تطورت وبدأت تظهر أطر ثقافية حتى أصبحت نظام له قواعد وقوانين خاصة بالعمل وبالانتقال، أي أن العنصرية ظهرت بين المثقفين البيض الذين روجوا لها ثم صدقوا الأكذوبة.
2- الحلول التي طرحت لمواجهة العنصرية:
• جناح المحافظين البيض:
هذا الرأي يرى ضرورة الفصل العنصري وإيجاد البانتوستانات لتجميع السود في مناطق معزولة، وقد وضعت هذه التصورات موضع التنفيذ في سبعينيات القرن الماضي فقد كان هناك أكثر من بانتوستان لتجميع السود ولكن لم يمكن تحويلها إلى دول نتيجة لعدم الاعتراف بها.
-رفض “بيكو” تصور المحافظين البيض لأن هذا التصور كان يسعى لحشد السود في أفقر المناطق وأقلها مساحة حيث لا توجد موارد ولا يمكن أن تصبح دول بالمقومات المعروفة للدول.
• تصور الليبراليين البيض:
روج الليبراليين البيض لأفكار اندماج السود في مجتمع غير عنصري، وقد يبدو هذا الطرح مقبولاً في بادئ الأمر، إلا أن بيكو رفض هذه التصورات ايضا للأسباب التالية:
– ان الاندماج سيصبح على حساب السود، ولن يكون السود والبيض على قدم المساواة، حيث سيتم دمج السود كطبقة عاملة في إطار الرأسمالية القائمة.
– نسبة كبيرة من الليبراليين كانوا من أصحاب الأعمال، أي أن إزالة القيود سوف تؤدي إلى وجود أيدي عاملة رخيصة من السود.
– الاندماج سيتم وفقاً للأطر والأشكال التي طرحها الليبراليين أي أنها ستفرض على السود.
3 – موقف ستيف بيكو من الرؤيتين:
رفض “بيكو” الرؤيتين ورأى أن حل قضية العنصرية والوصول إلى الاندماج يمكن الوصول إليه من خلال صراع الأضداد، متأثراً في ذلك “بكارل ماركس”، فصراع الفكرة مع نقيضها وصراع الرأسمالية مع البروليتارية ستؤدي إلى خلق وضع جديد، وحتى لا يتهم بالعنصرية التي تستبعد الآخر روج لمفهوم “الوعي الأسود” ليكون نقيضاً للعنصرية البيضاء التي يرفضها.
لقد رأى” بيكو” أن هذا الصراع بين الأضداد سيصل بالمجتمع إلى مرحلة التوازن ليصبح لدينا مجتمع إنساني حقيقي خالي من الاستغلال بكافة صوره، أي أن البديل الذي طرحه” بيكو” للاندماج هو” ايديولوجية الوعي الأسود”.
وفاته
– 25 سبتمبر 1977، لم تكن جنازة ” ستيف بيكو ” عادية بل كانت أقرب الى المسيرة الاحتجاجية ضد النظام العنصري الأبيض منها كجنازة. لقد كان موت ستيف بيكو تحذيرا للحكومة البيضاء من امكانية اتجاه السود نحو العنف في جهادهم ضد العنصرية البيضاء.
– وتكشفت التحقيقات عن نتائج مضمونها ان خلال احتجازه فى”بورت اليزبيث” تم تعذيبه وتقيده بسلاسل حديدية وتركة عاريا لفترات طويلة في حجزه.
– وكذلك تم الاعتداء عليه بالضرب أيضا من قوات الامن داخل سجن بريتوريا حيث عانى من نزيف في المخ تسبب فيما بعد في وفاته.