في عمق البلاد الزراعي الذي يمتد على طول الحدود الجنوبية لرواندا مع بوروندي، يترسخ مشروع ضخم وسط الكسافا المتناثرة وقَطَعاتٍ من أراضي الموز التي يديرها السكان المحليون منذ زمن طويل.
بينما كان فِرق البناء ينحتون الطرق الترابية، ويحفرون خطوط الأنابيب ويدقون الإشارات في الوحل القرمزي، تستقبل المسافرين على طول الطريق العام لمحةٌ مبكرةٌ عن مستقبل رواندا الصناعي.
قد تكون المنطقة الصناعية ذات 100 هكتار ابتكارا غريبا للسكان المحليين، ولكن بالنسبة لصناع القرار السياسيين في كيغالي، يعتبر المشروع بندا رئيسيا في استراتيجية تهدف إلى تحويل هذه الدولة الصغيرة غير الساحلية من صاحبة الحيازات الصغيرة إلى بطل أفريقي في التنوع الاقتصادي.
لقد كُتِب الكثير حول ما يوصف بـ”النموذج الرواندي” – حالة تطوير مستوحاة من صعود سنغافورة من اقتصاد متأخر إلى مركز التجارة العالمية الرائدة، مستندة إلى حكومة قوية، بيروقراطية غير قابلة للفساد ومستقبلة للمستثمرين. بل ساهمت الإحصاءات بالإثبات لتكون تقارير البلاد مؤثرة – إذ وفقا لصندوق النقد الدولي (IMF)، انخفض الفقر في رواندا من 56.7 ٪ في عام 2005 إلى 39.1٪ بحلول عام 2014.
ومع ذلك, إذا كان على الدولة أن تثبت أنها أكثر من مقلدة لـ”نمر” آسيا، يصرّ صناع القرار أنه يجب أن تكون وتيرة تنويعها الاقتصادي وتكاملها الإقليمي مسرّعة.
“بسبب إعادة التوازن في الصين، فقد أثر التباطؤ علينا”، في حدّ تعبير “كليفر غاتيتي” وزير المالية الرواندية لمجلة أفريكان بيزنس.
” ما نقوم به هنا هو أمرين: – التنويع , مما يعني أننا لا نعتمد على المعادن، لكي نتمكن من خلق مجالات جديدة لدعم الصادرات. وفي الوقت نفسه نحن نعمل مع مجالات مثل المنسوجات، التي يمكن أن تنتج هنا لمساعدتنا في إحلال الواردات”.
تشير الأدلة المبكرة أن التنويع الرواندي هو أكثر من التمني من قبل السياسيين. إذ يقدّر صندوق النقد الدولي نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 7.3 ٪ في النصف الأول من عام 2015 – حتى في الوقت الذي عاني منافسوها في المنطقة من تباطؤ الاقتصاد في الصين. ومن المتوقع أن تنمو الخدمات بـ 7.1 ٪ في عام 2016، مقارنة مع 5.1 ٪ للزراعة – الأداء المتفوق تقليديا للدولة. ومع كون صادرات التعدين في نصفها تقريبا في العام الماضي – من أعراض الركود العالمي في أسعار السلع الأساسية، فإن هناك حاجة إلى مزيد من تعزيز جذور الاقتصاد الرواندية الهشة.
وردّا على ذلك, أقامت الحكومة برنامجا لتوعية القطاع الخاص والذي لا مثيل له تقريبا في أفريقيا جنوب الصحراء. على مدى السنوات القليلة الماضية، حاولت عدة أجهزة للدولة تعزيز وتعبئة وتسريع الاستثمارات. وأبرزها؛ مجلس التنمية الرواندية (RDB) التي تأسست لتبسيط المشاركة ولتكون بمثابة محطة واحدة تحت دعوة وإشارة المستثمرين. وهي تعمل بعيدا في مبنى فاخر في وسط مدينة كيغالي، توجد مقر مجلس التنمية الرواندية في قلب رواندا الاستراتيجي التنموي – بل كان للرئيس التنفيذي للمجلس “فرانسيس غاتاري” وظيفة وزارية في مجلس الوزراء.
اقرأ أيضا:
لماذا “كيغالي” هي المدينة الأجمل في أفريقيا؟ هذا هو السبب!
يقول “اينوسنت باجيجي”، رئيس تشجيع الاستثمار وقسم التسهيل داخل المجلس، إن عمل إدارة المجلس التعاوني مع الجهات الحكومية – معززا بفضل منصب “غاتاري” الوزاري – ساعد على ترسيخ فلسفة رواندا التنموية وإقناع المستثمرين على القدوم والدخول.
وأضاف, “إذا كان لدى المستثمرين على سبيل المثال, مشكلة مع تصاريح البناء، هناك فريق يجلسون ويرتبون لقاءات مع أصحاب الحصص ويتناقشون. وإذا اتفقنا، لدينا إطار على المستوى الوزاري حيث يمكننا الاتفاق على التغييرات في السياسة”.
ولكن, حتى إذا كانت سلطات الاستثمار في رواندا تتغنين من ورقة ترنيمة نفسها، فإن هناك اعترافا بأن نجاح نموذج التنمية في البلاد على الأقل يعتمد جزئيا على الأحداث خارج حدودها. مع أقل من 12 مليون مواطنين، وفقا لتقديرات البنك الدولي، فقد لا تكون لدى رواندا أعداد السكان اللازمة للحفاظ على معجزة اقتصادية من تلقاء نفسها. وكـسنغافورة، يعتمد نموذج تنميتها على موقفها الافتراضي كمركز إقليمي. وبدون الخلفية القوية، يمكن أن يكون هذا المركز في خطر.
“لكي نكون قادرين على النمو, سيكون التكامل الإقليمي أمرا بالغ الأهمية”، حسب ما يقوله غاتيتي. “كما كنا نتعرض على مزيد من المخاطر والصدمات التي تؤثر على اقتصاداتنا، نحن بحاجة للتأكد من أن المنطقة هي منطقة قادرة لمنع وتخفيف التصادم في معدلات التبادل التجاري والعمل على إزالة جميع الحواجز”.
إن علامات التكامل الإقليمي العميق هي بالتأكيد واعدة. لقد خطّت مجموعة شرق أفريقيا (EAC) خطوات هامة نحو إصدار جواز سفر مشترك – التي تضم رواندا وتنزانيا وكينيا وبوروندي وأوغندا، وبالإضافة إلى جنوب السودان اعتبارا من مارس. وحققت المجموعة أيضا التسريع بوجود خطط لتنسيق رسوم المنقولات في المنطقة وتوحيد الخدمات المالية. ومع ذلك, فإن تنسيق مشاريع البنية التحتية باهظة الثمن إلى حدّ كبير جدا في جميع أنحاء المنطقة – وخاصة مشاريع النقل الرئيسية التي من شأنها أن تربط رواندا إلى الموانئ الساحلية في شرق أفريقيا – لا يزال يشكل تحديا.
“أعتقد أننا مرتاحون الآن أن القادة يفهمونه. والسؤال الآن هو كيفية إدخال القطاع الخاص إلى البلاد. ولكن القيادة السياسية تدرك المكان الذي نحن بحاجة للذهاب إليه”، في حدّ تعبير غاتيتي.
وبالنسبة للدول الأعضاء فى المجموعة المعرضة لتقلبات الدورات الانتخابية وتغيير القيادة، فإن صياغة السياسات الإقليمية المتسقة يمكن أن تكون تحديا. ولكن في رواندا، لا توجد مثل هذه المشاكل.
لا تزال قصة بروز اقتصادها ملتفة بشكل وثيق حول السرد الشخصي للرئيس بول كاغامي – زعيم العصابات السابق الذي يقود رواندا منذ عام 2000. وبعد عقد الاستفتاء على الدستور ليسمح لنفسه الترشح لولاية ثالثة في عام 2017، فقد كان أسلوب قيادة كاغامي القوية مستمدا من “لي كوان يو”، والد سنغافورة، الذي رعى النظام السياسي لدولة المدينة مسيطرا عليها بإحكام.
بدأ المراقبون يتساءلون عما إذا كان نموذج التنمية الرواندي جزءا لا يتجزأ من إدارة كاغامي. وفي رأي “باجيجي”، فالقدرة على التنبؤ بأنه سيحكم هي جزء مما يجذب المستثمرين.
“أعتقد أن ما يريد المستثمرون رؤيته … هو حكومة مستقرة. لقد كنتَ في رحلة وكنت تعرف أن هذا الشخص هو الذي يحرك القطار لسنوات، ولم تسمع عن أي حوادث. من وجهة نظر المستثمر، من شأن ذلك أن يعزز الثقة”.
يوافق غاتيتي أن كاغامي يحتل مكانا فريدا في نموذج التنمية الرواندي – لكنه يرى أن عمل الرئيس هو مجرد بداية.
“من المهم جدا أن يكون هناك استمرارية من حيث كمية ما تم بدؤه، وللرئيس أن يدعمنا ونحن نمضي قدما. ما نقوله هو أنه قد ساعدنا في بناء النظام بأكمله … وقد ساعدنا للعمل على رؤية لأن نصبح دولة ذات الدخل المتوسط، ولكن ذلك لا يكفي”.
هذا المحتوى مترجم من قبل مجمع الأفارقة, ولقراءة النص الأصلي هنا.