لندن _صوت الهامش
في سلسلة رسائلنا من صحافيين إفريقيين، تشرح زينب محمد صالح كيف يتدبر متظاهرو السودان أمرهم في شهر الصوم لدى المسلمين. مرّ أكثر من شهر منذ اعتقال الرئيس عمر البشير الذي حكم السودان لفترة طويلة، والحشود لا تزال أمام مقر الجيش في العاصمة الخرطوم.
يشعر المتظاهرون بأنّ المجلس العسكري الانتقالي يماطل في تسليم السلطة إلى الحكم المدني ويصرون ألا يهدأ الاعتصام في شهر رمضان – عندما يمسك المسلمون عن الأكل والشرب بين الفجر والمغرب.
يمكن الشعور بطنين حول موقع الحراسة مباشرة بعد المغرب عندما يجتمع الناس للإفطار أي عندما يكسر الناس صيامهم. بعد لحظات من صلاة المغرب ترتفع هتافات المتظاهرين، “حكومة مدنية أو ثورة للأبد،” بينما هتافات أخرى تقول، “لن أعود، لدي مطالب.”
يبدأ الآلاف بالوصول فمنهم من يحضر طعامه وشرابه من المنزل والبعض الآخر يطهو لنفسه في مقالي ضخمة في الاعتصام. يتم تأمين الوجبات أيضاً من خلال الدعوات التي تطلقها النساء على وسائل تواصل الاجتماعي للمتطوعين للذهاب إلى منازلهم لإحضار الطعام. وتجلب شركات عديدة الطعام أو قناني من الماء في شاحنات كبيرة لضمان ألا يجوع أو يظمأ أحد في الاعتصام ليلاً.
ثم يحين وقت الخطابات للناشطين والأشخاص العاديين الذين لم يحلموا يوماً بالتحدث أمام العامة. يتطرقون في خطاباتهم إلى الفظائع التي يزعمون أنّ الجيش ارتكبها والميليشيات القريبة من النظام السابق والأثر الذي تركه ذلك على عائلاتهم.
يحملون الميكروفون في يدهم ويروون أموراً لم يسمع بها الكثيرون فكثر من المتحدثين يأتوون من مناطق ترزح تحت الحرب مثل دارفور أو جنوب كردفان. يروي البعض كيف كانوا ضحايا بناء السد في السودان وكيف هجروا من منازلهم.
يشارك في الحديث أيضاً عائلات لمتظاهرين قضوا في الحراك. وتستمر الأحاديث طوال الليل لنشر التوعية ولتبني هذه المظاهرات لشيء ما في المستقبل. زاد عدد الناس الذي يمضون الليل في الاعتصام سواء يجسلون في المقاهي المكشوفة أو ينامون على الأرض أو العشب بالقرب من سكة الحديد.
حراراة حارقة
يقل عدد المتظاهرين في خلال النهار تحت الحرارة الخانقة في الخرطوم. تبرّع بعض الناس بوحدات تكييف الهواء المتنقلة للمتظاهرين لكن ليس من شأنها فعل الكثير لتخفف من الحرارة التي تفوق الـ 40 أحياناً.
إلا أنّ هذا لم يمنع الفنانين من الرسم على الجدران حول الاعتصام طوال اليوم. وتعمل مجموعة منهم على لفات من اللوحات القماشية للحصول على عمل فني بطول ثلاثة كيلومتر لبسطه حول الموقع.
أما في باقي أرجاء المدينة،فعادت الطوابير أمام أجهزة الصراف الآلي، محطات الوقود والمخابز مع ازدحام المرور.
كانت الشعلة وراء اندلاع المظاهرات في ديسمبر خفض الدعم عن الخبز والوقود ثم تصعدت المطالب إلى الإطاحة بالبشير وحكومته. يشعر بعض المتظاهرين بأن بقايا النظام السابق وراء الطوابير لإثارة عدم الرضى والخيبة بالاعتصام.
تحرش أقل بالنساء
تم التبليغ عن عدد أكبر من المحاولات العدائية لتفرقة المتظارهين.
اتهم نجم كرة القدم السابق هيثم مصطفى رجالاً بالزي العسكري بضربه في موقع الحراسة بينما قالت الصحافية السودانية رشان أوشي بأنها تعرضت للصفع على الطريق من قبل رجال بلباس مدني ثم لاذوا بالفرار على دراجة هوائية. وهي تعتقد بانّها استهدفت بسبب نشاطها.
إلا أنه بالرغم من هذه الصعوبات يوجد حس من السعادة في المدينة والناس متفائلون أكثر من قبل. النساء مثلاً أقل عرضة للتحرش وعوضاً عن الإهانة اللفظية المعتادة يميل الرجال إلى مناداة جميع النساء “كنداكة” بالرجوع إلى ملكات في مملكة كوش التي حكمت السودان منذ آلاف السنين.
قبل الإطاحة بالبشير، كان يوجد بعض الامتعاض من استخدام الكلمة من قبل المتظاهرات. ولكنّه اللقب الذي مُنح لـ آلاء صلاح الطالبة التي تبلغ من العمر 22 عاماً والتي أصبحت أيقونة بعد انتشار فيديو لها تقود المظاهرة وتهتف ضد البشير.
كل هذا يظهر سرعة تطور الأحداث في السودان واالمتظاهرون بدورهم يريدون أن يضمنوا أنّ أي تغيير يصب في صالحهم.
تقرير نشرته بي بي الانجليزية ، المصدر الأصلي هنا