أبارك لك قيادة حكومة السودانيين الانتقالية , وإنه لشرف عظيم أن يتولى إبن من ابناء السودان هذه المسؤولية الوطنية , خاصة و أن إخوانك و أخواتك من أبناء وبنات هذا الشعب الكريم قد لهجوا باسمك شهور عدة , وعقدوا عليك عزماً لا يلين و أملاً كبيراً في إصلاح مؤسسات دولتهم التي دمرها غول الحكم البائد , وبما أنك الإداري الحصيف و الاقتصادي الضليع , فبلا شك انت أهل لخوض غمار هذه المعركة المدنية القادمة.
الرسالة الأولى : وصايانا لك بعد أن يكتمل طاقم وزراء حكومتك المعقود عليها الأمل الكبير , هي إعادة هيكلة المؤسسات القضائية وتنظيفها من الفاسدين و وضع الأسس التي تجعل منها سلطة مستقلة بذاتها , وهذه الاجراءات بطبيعة الحال تتم بالتنسيق و التعاون مع مجلس السيادة و البرلمان الانتقالي المرتقب , والتي من بعدها من الواحب أن يقدم رموز النظام السابق الى المحاكمات العادلة , التي تراعى فيها معايير إرث العدالة الانتقالية للشعوب والدول التي عايشت تجارب مماثلة لتجربتنا , وفي خاطر الكثيرين من نشطاء العمل المدني و السياسي في بلادنا التجربة الرواندية.
الرسالة الثانية : لقد حان الوقت لأن يعود أبناء وبنات السودان لحضن وطنهم الحبيب , وهؤلاء منهم اللاجيء والنازح و المناضل و المهاجر والمغترب , فالنازح و النازحة و اللاجيء و اللاجئة يمثلون جزء عزيز من لحمة الوطن , و غالبيتهم العظمى من شريحة المزارعين الذين يعتبرون الداعم الأساسي لاقتصاد بلد زراعي مثل السودان , وقضاياهم يمكن أن تحل في إطار إتفاق سلام شامل يعالج جذور المشكلة السياسية , التي رفع المناضلون السلاح من أجلها في المناطق الثلاث (دارفور- جبال النوبة – الأنقسنا) , أما المهاجر و المغترب الذي عاف بلاده إبان فترة الحكم البائد , فلقد طال حلمه في أن يعود ليجد الوطن الذي يسع الجميع , والذي تتوفر فيه الفرص المتكافئة في الحصول على الوظيفة العامة بحسب الكفاءة , والذي لا يضع أمامه العراقيل في سبيل تأسيس عمله التجاري أو إقامة مشروعه الاستثماري دون محسوبية ولا مضايقات من متنفذين في السلطة.
الرسالة الثالثة : الديمقراطية و التداول السلمي للسلطة , إعلم يا أخي حمدوك أن حكومتك هذه يقع عليها عبء انتشال العملية الديمقراطية السودانية , من مستنقعها الآسن الذي غاصت فيه منذ الانقلاب العسكري الأول لعبود حتى انقلاب البشير الأخير , وكما تفضلت في حديثك الذي أعقب أدائك للقسم بأن الديمقراطية لا تستورد و انما تمارس في الداخل و يستفاد من كبوات جوادها و عثراته , فاننا كسودانيين قد عانينا كثيراً من اخفاقات التجارب الديمقراطية الثلاث التي مرت بها بلادنا , ويمكننا أن نشخص لك أعراض أمراضها المتمثلة في الصراعات الحزبية و المصالح الذاتية الضيقة , التي لا علاقة تجمعها بهموم الوطن ولا احتياجات المواطن , و عليكم في منظومة الحكم الانتقالي القيام بالعلاج الناجع الذي لربما يكون الكي , فمن الآن اعملوا على بناء محكمة دستورية عليا لها من الفكاءة و المهنية و الاستقلالية , ما يمكنها من حسم أي نزاع دستوري يقع بين مكونات العملية الديمقراطية , ويمتص أي تضارب يحدث بين مستويات سلطات الحكم الثلاث.
ختاماً, إنّ أكثر ما بشرتنا به في حديث القلب يوم أمس , هو أنك ستكون رئيس وزراء كل السودانيين , وهذه هي الخطوة الصحيحة التي اتخذتها في مستهل مشوار المليون ميل , ولا شيء اضر بالأمة السودانية غير ولاء الحاكم للجهة و العرق و الطائفة و الحزب و الدين , فانت بهذه الجملة البسيطة قد فتحت بابك واسعاً للمواطن السوداني ليدلف اليك ويشكوا وجعه و ينفث أنينه أمامك , هذا المواطن الذي لطالما اعترضت طريقه حوائط كثيرة لانظمة الحكم السابقة وصدته عن الوصول الى ولي أمره , ولطالما سمعنا ورأينا حكامنا السابقين يفتحون لذوي قرباهم في الدم أبواب الوظيفة العامة و ويمنحونهم فرص الاستثمار والتجارة و اسباب الرفاه , ويغلقون ذات الأبواب في وجوه بني وطنهم من الجهات و القبائل و الطوائف التي لا يرتبطون معها بصلة , لقد حلمنا زماناً بوصول الحاكم الذي يقف على مسافة واحدة من كل افراد وجماعات الشعوب السودانية المتميزة بتعددها و المتفردة بتنوعها , ونقول لك اتبع القول بالعمل و لا توصد بابك أمام فقير أو مسكين , ووفقك الله لما فيه خير السودان.
إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com